رغم حصوله على المركز الثالث في الانتخابات الأسبانية التي جرت يوم أمس الأحد العاشر من نوفمبر، إلا أنه في لغة الأرقام حل أولا بشكل معنوي، واستطاع هزيمة كل الأحزاب الأسبانية في وقت قياسي. استطاع بوكس دون غيره أن يضاعف عدد مقاعده في ستة أشهر، بل إنه إستطاع أن يحل أولا من حيث عدد المقاعد الجديدة، وذلك بإضافة 28 مقعدا لرصيده عن آخر انتخابات، فيما حل بعده الحزب الشعبي ب22 مقعدا جديدا. بوكس من السادس إلى الثالث في انتخابات أبريل الماضي كان يتوقع أن يحصد حزب بوكس من 34 مقعد حتى أربعين مقعد، وكان هذا رقما مهولا، نظرا لمرجعية الحزب التي تنبني على إذكاء الكراهية والعنصرية بطريقة غير مباشرة في نفوس الإسبان. بوكس حصل في الانتخابات الماضية على 24 مقعدا عبر تصويت 2,7 مليون إسباني لصالحه من مجموع المصوتين الذي بلغ 26 مليونا، بمعنى أن أزيد من عشرة بالمائة من الأسبان صاروا يرون الحزب الاسباني منقذا للبلد. المفاجئة ستستمر بعدما إستطاع بوكس أن يضاعف حصته في الانتخابات الأسبانية، ويحصد 52 مقعدا بعد ستة أشهر فقط، وينضاف ما يقارب مليون أسباني إلى قاعدة المؤمنين بالتطرف السياسي، بعدما كان هؤلاء من المعتدلين المصوتين لصالح حزب المواطنين اليميني أيضا. فتح نقاش الطابوهات في الوقت الذي كانت بقية الأحزاب الأسبانية ترفض الحديث بشكل مباشر عن عدد من الملفات الحساسة، وعلى رأسها المهاجرين، لم يجد حزب بوكس حرجا في فتح النقاش حولها وإعطاء حلول بعيدة عن ما يعتبر حقوقا للإنسان. حزب بوكس استغل صمت بقية الأحزاب عن عدة مشاكل كبرى، بداعي أن الخوض فيها بشكل معمق سيحدث مشاكل خارجية وداخلية، استغل هذا الصمت وعمل على فتح نقاش إنتهى بجعل نفسه المنقذ الجديد لإسبانيا في عيون الإسبان. إعلام متطرف حزب بوكس كان يفهم جيدا أن عليه إعطاء شحنات قوية لإيديولوجيته التي يحاول اليمين المعتدل واليسار محاربتها وجعلها بعبعا يتوجب الهرب منه، لذلك ومثل الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، أسس حزب بوكس وسائل إعلام تابعة له، وجعلها بشعار واحد وهو “سنتحدث عما يصمت عنه البقية”. وبالفعل كانت وسائل الإعلام هذه تتحدث عن جنسية المجرمين وإلصاق الإجرام في أسبانيا بالمهاجرين، وتهويل أي جريمة يقوم بها مهاجر، حتى يظن المواطن الأسباني أنه لم يعد في مأمن من جرم المهاجرين. حلول راديكالية بينما إختار الحزب أن يفتح النقاش حول الطابوهات وجعل المهاجرين محور الشر في البلاد، فإنه اقترح الحلول التي سبقها إليها متطرفون آخرون حول العالم. ومن أجل الحد من المجرمين المهاجرين كما يراهم بوكس، فقد اقترح في حال فوزه بالأغلبية أنه سيبني سورا حول مدينتي سبتة ومليلية، لحمايتهما من الأفارقة، وهو المقترح الذي أثار ضجة حينها. رد الإحسان بالإجرام لم يتوانى حزب بوكس عن استغلال قضية المهاجرين أبشع استغلال، وبحث عن كل طريقة ممكنة لكسب قاعدة جماهيرية من الإسبان الراغبين في طرد الأجانب. الحزب قام بما يشبه جلسات استماع، ونشر قصص إسبان أحسنوا للمهاجرين فكان رد المهاجرين لهم هو الإجرام. واحدة من القصص التي كانت قد أثارت ضجة ساعة نشرها، هي قصة منسق حزب بوكس في الايخيدو المحامي خوان خوسي بونيا، الذي قتل والده على يد عامل مغربي لديه. وجاء على لسان المحامي، أن العامل المغربي كان يعذب كلبا في الشارع، ما جعل أحد الأسباني يحاول ثنيه ليقوم المغربي بقتله، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل قتل مشغله أيضا حينما حاول إنقاذ الأسباني. وعلى شاكلة هذه القصص زرع حزب بوكس في نفوس الأسبان أن المهاجرين قتلة ومجرمين لا يستحقون العيش بينهم، ما جعل ملك إسبانيا يقول قبل أشهر أن بلاده بنيت بسواعد المهاجرين ويقوم بتكريمهم، وذلك للحد من حملات الحزب المتطرف. القطع مع التاريخ الإسلامي لم يتوانى حزب بوكس عن محاولة طمس التاريخ الاسلامي في الأندلس، وقد أقدم الحزب الاسباني المسير لبلدية كادريت بمحافظة اراغون، على إزالة تمثال نصفي للخليفة عبد الرحمان الثالث الذي حكم الاندلس في القرن العاشر ميلادي. وأمر نائب رئيس بلدية كادريت، بإزالة التمثال من ساحة البلدية، معتبرا أن الابقاء على التمثال في الساحة لا يخدم وحدة الساكنة، في حين رد المؤرخ الاسباني خوسيه لويس كورال، بأن الذي يجهل التاريخ سيزوره لأغراض سياسية، موضحا الاسباب التي جعلت التمثال ينصب وسط الساحة، بعدما حاصر الخليفة القلعة لأسرة الطيبين الحاكمة التي بغت عليه. القادم أسوأ إن الأزمة السياسية بإسبانيا والتي تستمر منذ أربع سنوات، جعلت حزب بوكس هو البديل للأحزاب التقليدية، وهو ما يظهر جليا خلال انتخابات أبريل ثم انتخابات نونبر. وقد جعل حزب بوكس بقية الأحزاب التقليدية تظهر بمظهر العاجز عن إيجاد حلول جذرية لمشاكل الأسبان، وذلك بعدما أكثر الحلول راديكالية لإنقاذ البلاد من المشاكل التي تغرق فيها وعلى رأسها الإرهاب، المهاجرين، والاقتصاد. ولعل حزب بوكس سيحكم أسبانيا لا محالة، وهو ما سيجعل المغرب في احتكاك مباشر معه قد يعيد سيناريو جزيرة ليلى بشكل مغاير، والسبب الرئيسي في ذلك هو أنه ليس لدى المغرب حزبا يمينيا متطرفا بسبب قانون الأحزاب في المغرب الذي يمنع ذلك.