كان المشجع المغربي يجر رجل أمن روسي خاص من يده في ميترو الأنفاق بسان بطرسبورغ. كما لو أن المغربي ألقى القبض على رجل الأمن الروسي. وكما لو أن المغربي هو الروسي والروسي هو المغربي. وبثقة كبيرة في النفس. وبحزم. كان المشجع المغربي يأمر رجل الأمن الروسي أن يدله على أقرب مسجد. بينما الروسي لا يفهم اللهجة المغربية. ولا يفهم العربية. ولا يفهم الفرنسية. ولا يعرف كيف يتصرف. ولا كيف يتخلص من مشجعنا. وكان خاضعا له. وكان محرجا. وفي حيرة من أمره. ويتبعه مضطرا. ولم يطلق المشجع المغربي سراح رجل الأمن الروسي. إلا في اللحظة التي سمع فيها لغة أليفة لديه. فالتفت إلى الخلف. ورآنا. ثم طلب منا أن ندله على الميترو الذي سيأخذه إلى المسجد. قبل أن يخبرنا أنه قادم من الدارالبيضاء. و أنه وصل للتو. بلا حقيبة يحمل فيها ملابسه. ولا مال. ولا أي شيء. بل فقط قميص المنتخب الوطني الذي يرتديه. وحين سألناه إن كان لا يشعر بالبرد في سان بطرسبورغ. أفحمنا بجواب مقنع. مخبرا إيانا أنه ترك الجو معتدلا في المغرب. أما في ما يتعلق بتذكرة الميترو. فإنه لم يكن يتوفر عليها. معولا على بادج. عبارة عن تأشيرة مؤقتة. كي يشهره في وجه كل من سيسأله عن التذكرة. ومعولا على نفس البادج ليستعمله في الحصول على وجبات الغداء والعشاء. وفي كل شيء قد يحتاجه في روسيا. وبعد حديث قصير معه. فهمنا أن المشجع المغربي رسم خطة لرحلته إلى روسيا. وأنه ينفذها بحذافيرها. وتبدأ من اللحظة التي تهبط فيها الطائرة. ومن المطار مباشرة إلى المسجد. ولم يكن يقصد المسجد للصلاة كما اعتقدنا لأول وهلة.بل ليسكن فيه. وينام. ويأكل. حيث لم يحجز في فندق. ولا مال لديه لينفقه في ما يحتاجه من طعام وسجائر. وفي المسجد يمكنه أن يحصل على ملابس تقيه البرد. وقد يستضيفه مسلم روسي. وقد يتزوج شقراء روسية. وقد يقضي ما تبقى له من حياة في جامع سان بطرسبورغ. بعد التفرج في المنتخب الوطني طبعا. ولأنه يتوفر على بادج ال”فان أي دي”. فقد كانت كل الطرق سالكة بالنسبة إليه. ويشهره في وجه البوليس. وفي وجه المراقبين. ويرفعه في المطاعم. وفي وجه الروسيات. أما أولوية الأولويات فهي الوصول إلى المسجد. ومقارنة معه. فقد كنا حذرين في أي خطوة نخطوها. كما اشترينا بطاقة لركوب الميترو صالحة لمدة أسبوع. وكنا نتجنب قدر المستطاع الاقتراب من رجال الأمن. محاولين فهم ثقافة هذه البلاد وعادات الروس وقوانينهم، كي لا نخالفها، وكي لا نتعرض إلى أي مضايقة قد تفسد علينا رحلتنا. وعلى عكسنا. كان المشجع المغربي الذي التقيناه في محطة الميترو غير هياب. وواثقا من نفسه. ويشغل كل الروس في خدمته. ويجر رجال الأمن من أيديهم. ويركب في وسائل نقلهم بالمجان. لكن كان علينا أن نطمئن عليه. فهو وحيد. ولا مال لديه. ولا ملابس. وأخ لنا. فقرننا الذهاب إلى المسجد لنتأكد من وصوله. وفعلا وجدناه في المسجد. مع الروس والباكستانيين. وكان يقفقف من البرد. والغريب أنه لم يتذكرنا إلا بصعوبة. ونسي أننا التقينا في ميترو الأنفاق. وأننا قمنا بإرشاده. حيث كان منشغلا. وينتظر أذان المغرب. ووجبة الإفطار. والحال أنه لا خوف عليه. مادام يحمل معه بادج الفان أي دي. وبه يجعل روسيا كلها طوع بنانه. وبالنظر إلى جرأته. وثقته في النفس. ولا مبالاته. وتصرفاته مع رجال الأمن. فهناك احتمالان لا ثالث لهما. وإما أن يلقى عليه القبض في القريب العاجل. وقبل موعد مباراة المغرب وأيران. وإما أن يزيل بوتين من سدة الحكم. ويجلس مكانه. ويحكم فيدرالية روسيا بنفس البادج إياه.