لنقف يا زملائي أمام المرآة. ولننظر إلى صورنا. هل لاحظتم شيئا. هل مسختم مثلما مسخت. هل تحولتم كما تحولت إلى وحش. أنا الآن لي خطم. وجائع. ويسيل لعابي. وأفتح شدقي على اتساعهما مثل تمساح. وأنتظر أن أبتلع فضيحة. تملوا جيدا يا زملائي في وجوهكم. وأخبروني. هل أنا وحدي. أم جميعا صرنا وحوشا. تأكدوا من الأمر وردوا علي. وهل انتبهتم إلى حمرة في عيونكم وإلى شرر يتطاير منها. وطبيعي أن لا نعترف. وطبيعي أن نتستر على الوحش. ونتظاهر بأن لا شيء يحدث. وأننا على ما يرام. ومهنيون. ولنا تلك البطاقة. ولنا رقم عند وزارة الاتصال. وكلنا يحترم قرينة البراءة. وكلنا يقف إلى صف الضحايا المحتملات. لكن الوحش فينا يخرج منا ويلتهم المتهم. ويجتر المشتكيات ويمضغهن. ويلفظ صورهن. ولا أحد منا يشبع. وفي كل يوم يسقط صحفي. وتسقط جريدة. ويسقط موقع. ويمسخ. ومهما تمنعنا. نستسلم للسبق. وننافس بعضنا البعض. ونكشف عن الوحش فينا. ومنا من يفترس توفيق بوعشرين. ومنا من يفترس ضحاياه المحتملات. لقد نفد صبرنا. ولم تعد لنا طاقة على الانتظار. وجوعنا يشتد. وشرهنا حيواني. وغريزي. وبدائي. ولا يقل لي أحد إنه لا يهتم. ولا يقل لي أحد إنه لا يرغب في أن يلتهم المحاضر والفيديوهات والصور والأسماء. وأنه ليس متربصا. وأنه لا يختبىء خلف الشجرة. لينقض على فريسته. كما أننا صرنا عراة يا زملائي. هل لاحظتم ذلك. وهل انتبهتم إلى سمعتنا التي صارت في الحضيض. وبعضنا نبتت له قرون. وبعضنا الآخر صار يزأر. ويطلق أصواتا مدوية كما الوحوش في غابة. والقراء يتفرجون علينا. ويطلبون المزيد. ويطلبون مشاهد مرعبة حقيقية. وافتراسا موثقا. ولأول مرة صرنا نغطي فضائحنا. ونكتب عنها. ونعرض مهنتنا كما هي. ليظهر الوحش الكامن فينا. كما لم يظهر من قبل. وبعد أن كان متنكرا. خرج اليوم إلى العلن. و قد يكون بينكم يا زملائي من لم يمسخ بعد. ومن لا يزال يقاوم. وقد تكون هناك مواقع. أو جرائد. تصد هذه العدوى. وتغلق الباب بإحكام. وتفر بجلدها. وأين بمقدورها أن تهرب. بينما لا أحد ينتبه إليها. وقليلة. وغير مثيرة. في عصر صار فيه الصحفي حيوانا مفترسا. يقدم خدمته لقراء يشبهونه. بينما أغلبنا وحوش. انظروا. انظروا إلى وجوهكم. وتأكدوا أن ما ترونه ليس وجه صحفي. وتلك الأنياب. وذلك اللعاب الذي يسيل. وذلك الجوع. بماذا تفسرونه. ومن هول الصدمة. لم أعد قادرا على أن أمزح. ولا أن أسخر. ولا أن أبرىء نفسي. ولا أن أبدي موقفا. وأفكر أن أهرب من هذه المهنة. لكن إلى أين. وأين لي أن أذهب. وقد مسخت. وربما هي نهاية هذه المهنة. بعد أن تحول أغلب ممتهنيها إلى وحوش. ورغما عنا صرنا وحوشا. وليس مفاجئا ما وقع لنا. بل كان منتظرا. وقد تأكد اليوم. وقد يأتي أحد ويقول إن هذا يحدث في كل المهن. وطبيعي أن يحدث في الصحافة. لكن الصحافة ليست ككل المهن. وجرائمها قاتلة لكل الجسم. ولن يسلم منها أحد. لا أحد منا لا أحد إطلاقا سيسلم منها. وليس من مصلحة أي جهة. ولا أي سلطة. أن تساعدنا على النهوض مرة أخرى. ومن ينقذ الشخص الذي كان يزعجه. من هذا الأحمق. من هذا الإنسان المفرط في إنسانيته. من هذا الملاك. إنها سقطتنا المدوية. ولن يساعدنا أحد. ولن يقدموا لنا يد العون. وكيف لنا أن نقدم الدروس. وأن ننتقد. ومن سيغطي فضيحتنا. ومن سيتابع أخبارنا. ومن سيسألنا عن رأينا. لقد انتهينا. ولن تقوم لنا قائمة في القادم من الأيام. ومن لم يمسخ اليوم سيمسخ غدا إنها مسألة وقت ليس إلا ونتشمم بخطمنا ونلهث وأي صورة وأي اسم توصلنا به من مصادرنا الخاصة يقع بين مخالبنا ننهشه ونترك البقايا للضباع في الأنترنت وهي أيضا لها مواقعها. وأغلبنا لا يدري أنه يبتلع مهنته. وينهش نفسه. وأننا وقعنا جميعا في الفخ.