— ما أقدمت عليه أحزاب الأغلبية الحكومية في ما يخص حراك الحسيمة لا يبشر بخير، فالموقف الرسمي يظل مرتبكا وعديم المردودية، لأنه لا يستجيب للوضع الذي يعبر عنه الحراك الشعبي الريفي. قامت الأحزاب الحكومية عوض أن تتحمل مسؤوليتها في هذا السياق الصعب، وأن تنظر بعين الحكمة والتبصر إلى ما يجري، قامت بالتشكيك في المتظاهرين وتلفيق التهم لهم واستعمال نظرية المؤامرة بشكل لا يخلو من غباء، بينما يقتضي الوضع الاستجابة لمطالب المواطنين الذين عبروا عن تمسكهم بها وعن عدم قبولهم بأية تسوية بلاغية، لأنهم تعبوا من الوعود والبلاغة، وهذا يعني أن الحلّ الوحيد لحراك الحسيمة هو الحوار المباشر بين المسؤولين الرئيسيين في الدولة وبين السكان، من أجل التفاهم على ما ينبغي عمله أولا، ثم العمل بعد ذلك وبشكل شفاف وفي إطار التواصل المستمر، على تحقيق منجزات ملموسة على أرض الواقع، تحفظ الكرامة وتعيد الاعتبار للإنسان الذي هدرت كرامته حتى أصبح يطحن في حاوية الأزبال. من بين صعوبات المرحلة التي نعيشها امتداد بعض مساوئ الماضي في الحاضر، ومن بين هذه المساوئ التعامل مع الناس بمنطق الهاجس الأمني ذي الحسابات الضيقة، وهذا إن كان أسلوب عمل وزارة الداخلية فإنه لا يمكن بأية حال أن يكون أسلوب عمل الحكومة بكاملها أو الدولة المغربية بكل مؤسساتها، لأنه منطق ينبغي أن يكون متجاوزا. أما عن "الانفصال" فهو مرفوض أيا كان مصدره، ولم نسمع حتى الآن من قادة الحراك الريفي ومنظميه في الداخل من تحدث عن استقلال الريف أو انسلاخه عن الوطن الأم، لم نر هذا إلا في خطاب السلطة، والحال أنه إن كان الهدف هو تحويل الاهتمام عن المطالب الاجتماعية العادلة للسكان، فإن الذين ابتدعوا هذه اللعبة لا يزيدون الطين إلا بلة. ولأن لكل وضعية انتهازيوها وتجارها فقد ظهر كالعادة من يستغل محنة أهل الريف لينشر أوهامه على الناس ويحولها إلى حقائق، ومن بين هذه الأوهام ما يحاول البعض ترويجه من أن حراك الريف هو بسبب عدم هيمنة حزب "الإخوان" على الحكومة واستيلاءه على المؤسسات، حيث هو الوحيد الذي استطاع إخماد حركة 20 فبراير حسب زعمهم، ويمكن له أن يخمد حراك الريف لو كان بيده الأمر والنهي، يقولون هذا في نوع من التشفي في النظام الذي يتهمونه وحده ب"التحكم"، وفي هذا السياق نقول لباعة الأحلام والأوهام ما يلي: إن حرك الريف لا يحسب حسابا لطموحات حزب "الإخوان" ولا يذكر حتى وجوده من عدمه، بل إن الحراك المذكور يعتبر حزب المصباح جزءا من لعبة السلطة، ولو كان لأهل الحسيمة رأي آخر لعبروا عنه خلال الانتخابات الأخيرة، حيث قاطعوا هذا الحزب ولم يصوتوا له. كما نُذكر أصحاب الذاكرة القصيرة بأن حراك الريف قد اندلع و بنكيران رئيس الحكومة، وكان رد فعله الأول ردا جبانا حيث دعا أتباعه إلى عدم المشاركة في الحراك وعدم مساندة المسيرات الداعمة له، ولم يفعل شيئا من أجل السكان ولا تحرك من أجل الاستجابة لمطالبهم وهو رئيس الحكومة المغربية، معتقدا بأن ذلك يقربه أكثر من ذوي القرار ويجعله حزب الخدمة الذي لا يُستغنى عنه. غير أنّ كل عملية مقامرة لا تضمن الربح في الغالب بقدر ما تكون وبالا على صاحبها، وهذا ما يفسر ما آل إليه أمر الرئيس السابق وحزبه. إن الحكمة تقتضي أن ننظر إلى ما يجري في الحسيمة بحس وطني ليس بنعرة حزبية ضيقة، ولا بحمية قبلية ولا عشائرية، إن الحراك الاجتماعي في الريف يعكس انعدام الثقة في المؤسسات بسبب السوابق التي لا يمكن نسيانها، وعلى السلطة أن تعمل على تصحيح الوضع بتغيير مقاربتها الأمنية وتعويضها بمقاربة تنموية مواطنة، هذه المقاربة التي من شأنها وحدها تغيير صورة السلطة لدى الناس، وإشعارهم بالانتماء إلى الدولة المغربية.