أكثر من مرة مرت سيارة الملك ولم يكن معه الهمة. أنا أيضا انتبهت للأمر، ومن خلال الصور بدا لي المقعد فارغا، وأحيانا كان يجلس فيه شخص آخر، كما أنه لم يصل إلى جانب الملك في المسجد، ولم يظهر في أي نشاط رسمي. أين ذهب الهمة؟ كم تمنحوني لو أخبرتكم. أنا أيضا أتوفر على الأخبار وأعرف الأسرار، ويوما ما سأشيخ وسأصبح أنا بدوري قيدوم الصحفييين المغاربة. لقد شاهدته أمس متنكرا في نظارات سوداء، وجلست معه، وتجاذبنا أطراف الحديث، فكان يتظاهر أمامي أنه ليس هو، لكني عرفته، من ضحكته، فمنذ أن قال بالفور يالشيفور، وأنا أعرفه، لا يخفى علي، ومن بين المئات، يمكن أن أقول هذا هو فؤاد علي الهمة. قلت له خذ سيجارة كمال، لأتأكد أنه هو هو، ولأقطع الشك باليقين. لكنه رفض بأدب، وقال لي: أنا لا أدخن إلا المارلبورو. فأصبح الأمر بالنسبة لي يقينا، لأنها سيجارته المفضلة، ولا يدخن غيرها. لقد ضبطته، رغم أنه ظل يحاول أن يلعب علي. وأثناء ذلك حاولت أخذه إلى الاعتراف، وأقحمت إلياس، وسألته منذ متى لم تره، فرد علي من إلياس هذا، وتحدثت عن البام والأحزاب، وشتمت الوافد الجديد، لكنه لم يبال بي، وظل يتظاهر أمامي أنه شخص آخر. بينما كنت متأكدا. وليجعلني أصدق أنه ليس الهمة، عرض علي نظاراته لأشتريها منه، وقال لي بالحرف إنها سينيي، امنحني مائة درهم وخذها، إلا أن السحر انقلب على الساحر، حين طلبت منه أن ينزعها عن عينيه لأتأكد أنها غير مزورة، وحينها ظهر الهمة، كما يعرفه الجميع، الخالق الناطق، فتنازل عن تنكره واطمأن لي وطلب فنجان قهوة ثان، وبدأ يفضفض ويعترف ويمنحني الأخبار من مصدرها. اشترط علي الهمة شرطا واحدا وهو أن لا أذكر ما يسره لي باسمه، وأن أسجل كل المعلومات والأخبار بالأوف، لكنها خبطة العمر الصحفية، وأريد أن أفوز هذه السنة بجائزة الصحافة، فلا معنى أن يفوز بها الجميع إلا إنا، فخدعته، وها أنا أحكي لكم القصة من أولها إلى أخرها. أول ما قاله لي أن معلومات قيدوم الصحفيين خاطئة، وأن لا علاقة لإبعاده من الجلوس إلى جانب الملك في السيارة بأمريكا وأوباما، بل بقبرص. فقبل سنوات من الآن ذهب إلياس العمري ليصلح بين القبارصة الأتراك واليونان، وحجز في فندق في نيقوسيا، فعلم حلف الناتو بالأمر، وكادت تنشب حرب بسبب هذه الوساطة، فانسحب إلياس إلى مالطا، وهناك وجد قوما يتكلمون لغة قريبة من العربية، فحدثهم عن الأصالة والمعاصرة، وظن أن بأمكانه أنه يمكن لنا أن نؤذن في مالطا، ولم تمر إلا لحظات، حتى علم بوتين بالأمر، واعتبرني أصل المشكل في أوكرانيا، وأنني أتواطأ مع الاتحاد الأوربي، وأنني أنا من أرسل إلياس، رغم أن علاقتي به اليوم ليست كما كانت، ولم أره منذ انطلاق شرارة الربيع العربي. وأضاف الهمة بحسرة، صدقني، يكثر القيل والقال، ولا يمكنني أن أرافق الملك في سيارته دائما، أنتم الصحفيون كائنات غريبة، وتتحدثون عن أمريكا كما لو أنها دوار في بنجرير، هذه دولة عظمى، وأوباما لا يرى المغرب إلا كنقطة في منطقة كبيرة، ومن المضحك القول أنه يعرفني وغاضب مني هو الآخر. صدقني، قال لي الهمة، بوتين هو السبب، وحين ذهب بنكيران إلى روسيا مؤخرا، أخبروه عن هذه القصة، وقالوا له لا يذهب أحد منكم مرة أخرى إلى قبرص، أنتم لستم أعداءنا، وطلبوا منه أن نكون محايدين على الأقل في ما يتعلق بالمسألة القبرصية. وليكون خبري متوازنا، اتصلت بشيخ الزاوية البودشيشية، فأكد لي رؤيا حضرته وهو نائم، فقد رأى الهمة بدون نظارات، وهذا صحيح لأني اشتريتها منه بمائة درهم، ثم اتصلت بحسنين هيكل، الذي لا قيدوم سواه، واعترف لي أن سيرغي لافروف اعترف له بعظمة لسانه في غرفة مغلقة أن بوتين غاضب، وأضاف أن الكاجي بي سبق لها أن حذرت برجنيف قبل عقود من دخول الهمة من باب خلفي في البيت الأبيض ليرى أوباما من بعيد. وفي الأخير، اكتشفت أن من ظننته الهمة، ليس هو، فقد مرت سيارة الملك من أمامي، وكان الهمة إلى جانب الملك، واكتشفت متأخرا أن النظارات مزورة، لكني مع ذلك اقتنعت برواية قبرص، ولم أصدق رواية أوباما والبيت الأبيض والباب الخلفي وسيارة الليموزين، وهذه هي حقيقتي، صدقوها أو لا تصدقوها، هذا شأنكم، فالصحافة في نهاية المطاف مجرد قصص وحكايات مسلية لتزجية الوقت. ولا فرق بين قبرصوروسياوأمريكا ومالطا، المهم هو الهمة، لأن الحكايات حوله مطلوبة والقصص تتناسل، والقراء يطلبون المزيد، ويريدون منا أن نقدم لهم كل يوم خبرا جديدا بخصوصه، ونحن في الخدمة.