سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من قال إن لا أحد يراسل الكولونيل القادري! هناك شهادات تاريخية عن الخطيب وعن بنكيران تحكي عن تورطه في أشياء لكننا لم يصدقها أحد يوما ولم يوظفها، أما الأحرار والاتحاد الدستوري فلم يقل أحد يوما إنهم ثوار ولا أحد يجهل أنهم صنيعة السلطة.
أرى حالة افتتان بالكولونيل و"الزعيم" السياسي عبد الله القادري. أرى من يصفه بالشجاعة والجرأة.
أرى من ينقل كلامه ويحفظه كما يحفظ القرآن.
لقد انتظرنا كل هذا العمر الطويل ليأتي عبد الله القادري ويخبرنا مثلا أن حزب التجمع الوطني للأحرار هو صنيعة السلطة والملك الراحل الحسن الثاني. ياله من سكوب خطير.
كأننا لم نكن نعرف، واكتشفنا الحقيقة للتو، وكأننا كنا جميعا ننتظر الكولونيل ليدلنا على هذا السر.
هزلت فعلا في هذا البلد بأن أصبح لنا زملاء في الصحافة ويسار ثورجي يعول على شخص اسمه عبد الله القادري ويصدقه ويستشهد به.
إنها قمة الوقاحة أن يقارن أحد بين الاتحاد الاشتراكي وبين الحزب الوطني الديمقراطي ويجد من يستمع إليه ويزكيه.
كأن لا فرق بين الراحل عبد الرحيم بوعبيد وبين القادري وأرسلان الجديدي، هذه هي الرسالة، لنقتنع أن الكولونيل رجل شجاع ونزيه.
وكأنه علينا أن نؤمن أن الكل يتشابه وأن من عذب ومن سجن لم يحصل لهم ذلك بل شبه لنا، ولا فرق بين الأحزاب أبدا ولا بين الأسماء.
يهللون بهذا الاكتشاف الخطير كما لو أنهم عثروا على مدينة أطلنتيس الغارقة في البحر.
كأن هناك من كان يقول إن التجمع الوطني للأحرار جاء مقاوموه من الأدغال ومن الجبال ووضعوا السلاح جانبا، لينخرط مع باقي الأحزاب في المسلسل الديمقراطي.
والأدهى أنه لا يعنيهم التجمع الوطني للأحرار وأعيانه والمنتفعون منه بل زعيمه فقط.
بعض الأسماء في حزب العدالة والتنمية تزايد هي الأخرى على التجمع الوطني للأحرار كما لو أن الخطيب كان ينادي بالجمهورية وهو يدخل ويخرج في نفس الوقت من القصر الملكي، ويتآمر مع المتآمرين ضد الأحزاب الوطنية والديمقراطية، وكما لو أنهم أخذوا الحكومة بعد خروجهم مباشرة من السجن ورجوعهم من المنافي، وبعد أن ضحوا بالغالي والنفيس، بينما لو كانت رواية التاريخ محايدة وغير مسيسة ولا تخضع للأهواء والمصالح، لقيل الكثير عنهم وعن المكان والتوجه الذي خرجوا منه إلى السياسة وإلى العلن.
لا أحد من التجمع الوطني للأحرار قال يوما إنه حزب تاريخي، ولا أحد منهم يدعي ذلك، وحتى الاتحاد الاشتراكي الذي أبدع في السخرية وفي مقاومة هذا النوع من الأحزاب ومنحها الأسماء والنعوت التي تستحق، وعانى أكثر من غيره من صناعتها ومن تزوير الانتخابات لصالحها لا ينخرط اليوم في هذه الحملة على شخص واحد والسعي إلى اغتياله سياسيا، كأنه أصل كل الشرور التي عرفها ويعرفها المغرب.
هناك اليوم من يحلل المغرب السياسي الحالي بأدوات الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك بنية مبيتة، كأن ادريس البصري مازال موجودا، ولو كان الاتحاد الاشتراكي مازال مؤثرا وقويا، لوظفوا ما قاله الكولونيل القادري عن الراحل عبد الرحيم بوعبيد أحسن توظيف، والحال أنهم أدوا مهمتهم ضد هذا الحزب قبل سنوات، وأخذوا المقابل، والواضح أن أحدا لم يطلب منهم أي شيء في الوقت الراهن.
يختارون الخصم بعناية فائقة، والأفضل أن يكون شخصا ليقع التأثير المطلوب، ولتسهل عليهم المهمة، ثم يشرعون في إغراقه لإنقاذ بنكيران والعدالة والتنمية من ورطة الفشل، كأن السلطة كلها والفساد كله مختزل في فرد.
لكن الانتقائية تفضح، والذي يكتشف اليوم الأحزاب الإدارية في وقت لم يعد أحد يسمع بهذا اللقب، عليه من باب الانسجام في التحليل والموضوعية ووضع الأحداث في سياقها التاريخي أن ينور الناس ويقول لهم إن بعض الوزراء والمناضلين في العدالة والتنمية كانوا في الثمانينيات ينتمون إلى جماعة إرهابية متورطة حتى العظم في اغتيالات سياسية.
لا بأس، ومن باب النزاهة والحياد أن نبحث في من هو الخطيب ومن هو بنكيران، بالهوس نفسه بالتاريخ وبالثمانينيات وبسنوات الرصاص، حيث لا يجب أن يقتصر الموقف على مظاهر بعينها وأشخاص بعينهم.
هناك شهادات تاريخية كثيرة عن الخطيب، وهناك قصص عن بنكيران تحكي عن تورطه في أشياء كثيرة واشتغاله مع أشخاص بعينهم، لكننا لم يصدقها أحد يوما ولم يوظفها، أما الأحرار والاتحاد الدستوري فلم يقل أحد يوما إنهم ثوار، أو أنهم ملائكة، ولا أحد يجهل أنهم صنيعة السلطة.
كتبت جريدة أخبار اليوم في ركنها السري أن مدير الخزينة نور الدين بنسودة سعيد بعودة مزوار ومغادرة الأزمي، أي أن الصحفي الذي كتب هذا الخبر شاهد بنسودة يضحك ويضرب كفيه فرحا، أو تلصص عليه من ثقب الباب، وعاشت المهنية والخبر المقدس والمحايد، والذي يبدو أن هذه الجريدة توظف فيه تقنيات الشعوذة والخيال العلمي، كل هذا انتقاما من مهمة كلف بها مالك تلك الجريدة وفشل فيها.
وفي ركن آخر من تلك الجريدة يكتب عبد العالي حامي الدين عن إلاعلام والصحف والمواقع التي تشتغل وفق أجندة سياسية وعن الأبواق، لكنه لم يقل لنا من يقصد بالضبط، إلا إذا كان هو الآخر رأى بنسودة سعيدا، وتعجبه هذه المدرسة الصحفية الرائدة، التي ليست بوقا لأحد، وتشتغل وفق قواعد مهنية صارمة.
من حسن الحظ أن بعض القيادات في العدالة والتنمية يعرفون جيدا أن الجريدة التي تدافع عنهم، لا تفعل ذلك من أجل سواد عيونهم، بل من أجل شيء آخر، ويتمنون صادقين ألا تفعل ذلك، وألا تدعمهم، لأن في ذلك شبهة لهم وتوريطا في أشياء وحسابات لا دخل لهم فيها، كما حصل مع صحفي مصري يشتغل في نفس الإطار والمركز، نسي في غمرة الحماس أنه مع الإخوان والشرعية والحق والعدل، وطفق ينتقد فنانة راقصة لأنها سخرت من قطر والشيخة موزة وأبدت إعجابها بالعسكر.
الخلاصة أن كل الأحزاب فاسدة في هذا البلد، ويجب إلغاؤها، والحفاظ على حزب واحد، هو العدالة والتنمية، كي يشتغل دون إزعاج ودون تشويش، وفي سبيل ذلك علينا الاستماع إلى عبد الله القادري وأمثاله والإيمان بكل كلمة يقولها، بالرغم من أن لا أحد يراسل الكولونيل، ولذلك يتحدث الآن بعد أن تخلى الجميع عنه وهو في أرذل العمر، ولا بد أنه يضحك الآن، وهو يرى من يصدقه ويستشهد به ويعتبره جريئا وشجاعا، فقط لأنهم يعرفون أن العدالة والتنمية لم يكن موجودا في ذلك الوقت، لا هو ولا قطر طبعا.