تعرف الأنوركسيا Anorexie على أنها:"نقص أو توقف التغذية بسبب فقدان الشهية أو رفض التغذية"،وعلى هذا المنوال يمكن تعريف الأنوركسيا السياسية على أنها:نقص أو توقف التغذيةالسياسية فكريا وثقافيا،نظريا وعمليا،بسبب فقدان الشهية للعمل السياسي،أو رفض التغذية المعرفية السياسية".
و الأنوركسيا السياسية مرض يبدو متجذرا في جسد المجتمع السياسي العربي،إذ يعاني هذا الجسد من نقص حاد في التغذية السياسية،وتنعدم لديه الشهية لتناول الأطعمة الشعاراتيةّّّ التي أعدت منذ وقت سحيق القدم،ولا الوجبات الانتخابية التي لم تعد تحتفظ بطرواتها ومذاقها.
لقد فسد الطعام وأصبحت نكهته مقرفة،ولن يفيد في شيء إضافة بعض البهارات التسويفية إليه،بل يجب القيام بإعداد وجبات أخرى للشعوب،تكون وصفاتها غنية ببروتينات النمو الاقتصادي،وفيتامينات العدالة الاجتماعية،والأملاح المعدنية الديموقراطية....
ولعل فقدان الشهيةالسياسية هو عرض مرضي لاختلال جهاز الهضم الادراكي الذي لم تعد له القابلية لتقبل أطعمة تم إعدادها في مطبخ بعض الأحزاب السياسية والهيئات الحكومية،وذلك لما ألحقته بالجسم السياسي من آثار ضارة،تبين معها أن تلك الأطعمة قد انتهى تاريخ صلاحيتها،ولم تعد صالحة للاستهلاك السياسي في زمن الحداثة.
لهته الأنوركسيا السياسية التي يعاني منها الجسد السياسي العربي،والتي لا يحاول أولئك الذين يدعون كونهم"حكماء"السياسة إيجاد علاج مناسب لها،مضاعفات مرضية عديدة،كفقر الدم السياسي Anémie politique الناجم عن عدم انكباب الكريات الشبابية الحمراء بشكل كاف في أوردته الحزبية والحكومية...كما أن هذا الجسد الأنوركسي معرض للاصابة بترقق العظام،وهو مايسببه الاستمرار ولمدة طويلة في تقديم الايديولوجيات العتيقة والوصفات الديماغوجية،والشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
يستحيل أن ينمو أي جسد سياسي بدون برنامج غذائي متوازن فكريا وسياسيا وإقتصاديا، ما يتطلب تتبع وصفات حوارية،وعلاج فكري- معرفي يكون غنيا بالجدل الخلاق.
إن جسدا سياسيا أنوركسيا،هو جسد ضعيف وواه،معرض باستمرار لتدخل المبضع الأجنبي،والذي قد يكون دولة أو متمثلا في المنظمات الدولية التي نصبت نفسها كمنظمات للأغذية"الديموقراطية"والزراعة"العولمية"،لتجرب في جسدنا السياسي والمجتمعي أدوية وعمليات قسرية- وبهدف قد لا يكون هو العلاج- والتي قد تكون أثارها وخيمة جدا.