من منا لا يتذكر التشبيه الذي أعطاه الملك الراحل الحسن الثاني للمغرب على أنه شجرة جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوروبا، وهذا دليل على أن المغرب شكل على الدوام حلقة وصل بين القارتين، بالإضافة إلى أن البعد الإفريقي للملكة المغربية يتوضح حين نطلع على ما جاء في الفقرة الثانية من تصدير الدستور المغربي الجديد، والتي تقول : "إن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، و بصيانة (...) هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم (...) التسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء". ويتوضح هذا البعد أكثر فأكثر في الفقرة الرابعة من تصدير الدستور دائما، خاصة حين يتم التأكيد على تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية ولا سيما مع بلدان الساحل جنوب الصحراء، وتقوية التعاون جنوب جنوب. فالزيارة الملكية المرتقبة لثلاث دول إفريقية، للسنيغال وساحل العاج والغابون، هي تجسيد للبعد الإفريقي للملكة من جهة ومبادرة لتنزيل مضامين الدستور من جهة أخرى بالإضافة إلى أن رمزية هذه الزيارة لها أبعاد سياسية واستراتيجة في المقام الأول. وتعتبر الزيارة الملكية لهذه الدول بحق مبادرة تنحو في اتجاه تمتين علاقة المغرب بالدول الإفريقية الثلاث، ولهذا فما ذهب إليه مجموعة من المحللين في هذا الصدد عين الصواب، لأن مثل هذه الزيارات ستجعل المغرب يلعب دوره الحيوي والمِؤثر في مجموعة الفضاء الأورو-إفريقي و كذا الدول الإفريقية التي تطل على المحيط الأطلسي ودول الساحل والصحراء. كما أن المغرب يسجل حضوره بقوة من خلال الشراكة بين إفريقيا وأوروبا على الرغم من المناورات المتكررة لأعداء الوحدة الترابية لجعل الاتحاد الإفريقي المخاطب الوحيد باسم البلدان المنتمون لهاته القارة. وفي هذا الإطار يتفق الكثير من المحللين على أن الدبلوماسية الإفريقية للمغرب عرفت- في عهد الملك محمد تطورا جليا. فالبعد الإفريقي في السياسة المغربية قد أوجبه الامتداد الطبيعي والاستراتيجي للمغرب داخل القارة السمراء. هذا بالرغم من كل ما حاط بقضية انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، فإن صوته ظل حاضرا "في عمق القارة الإفريقية من خلال علاقات التعاون الثنائي والجهوي التي تربطه بالعديد من بلدان القارة. ولقد جعل المغرب من التعاون مع بلدان القارة السمراء من أولويات دبلوماسيته في سياق التعاون جنوب-جنوب.علما أن الزيارات الملكية لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء كان لها الأثر العميق في إضفاء الحيوية على هذا التعاون". وبالتأكيد سوف يكون لهذه الزيارة طابع خاص، بحيث ستبدأ من جديد عجلة تاريخ علاقة المغرب بالدول الإفريقية في الدوران، لأن هذه العلاقة ازدهرت في فترات معينة، نذكر منها على سبيل المثال، ما عرفته هذه العلاقة في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم التوقيع، ما بين 1973 و 1987، على 63 اتفاقية تعاون بين المغرب و 17 بلد إفريقي. وهمت هذه الاتفاقات المجالات الثقافية والعلمية والتقنية والتجارية والنقل الجوي والنقل البحري والبريد والمواصلات والمجال المالي والتجارة البحرية والسياحة والاستثمار والفلاحة والوظيفة العمومية والصحة والطرق والسكك الحديدية والتكوين المهني والإسكان. وأيضا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي تزايدت وتيرة إنشاء اللجان المختلطة للمساهمة في تقوية روابط التعاون بين المغرب وفضائه الإفريقي، ففي سنتي 1996 و 1997، رأت النور تسع لجان مختلطة مع كل من ليبيريا وسوازيلاند والرأس الأخضر والموزامبيق وإرثيريا وغينيا بيساو ورواندا وتشاد وجنوب إفريقيا. تحت اشراف مركز الدراسات الدولية