لم ينتبه أحد ونحن نطالب برحيل أوزين، ثم ونحن نسخر من برك المركب الرياضي مولاي عبد الله، لفضيحة الفضائح، وهي غياب ترجمة لكلمة كراطة في اللغة العربية. حتى وهي كبيرة ومضحكة في الملعب، فالعربية خالية من هذا الاختراع. وفي وقت كان يتحدث فيه المدافعون عن اللغة العربية في يومها العالمي عن المؤامرة التي تحاك ضدها، لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن ترجمة لهذه الكلمة، التي اهتم بها العالم، واحتلت صورتها صدارة المشهد. كل الذين كتبوا في الموضوع، لم يجدوا إلا كراطة بالدارجة، وفي القواميس لا يمكن العثور إلا على ممسحة، وهي لا تفي بالغرض، وتجعل المعنى ناقصا. فشتان ما بين كراطة وممسحة، خاصة إذا كانت من الحجم الذي شاهدناه وانبهرنا به، وأصبح حديث كل المغاربة. لقد تزامنت فضيحة الكراطة مع اليوم العالمي للغة العربية، وكان على هؤلاء الغيورين على هذه اللغة، وبدل البكاء وافتراض وجود أعداء ومؤامرات داخلية وخارجية، أن يجتمعوا في ما بينهم، ويبحثوا عن ترجمة لهذه الكلمة، يمكننا استعمالها، دون أن تثير ضحك أحد. لكنهم يبكون فقط ويحبون المؤامرات ولا يقدمون أي خدمة للغتهم. فأي لغة هذه، ويقولون عنها عظيمة وحية، ولا توجد بها حتى كلمة كراطة. المطبخ أفضل من هذه اللغة العربية، إذ لا يخلو مطبخ أو حمام من وجودها فيه. كل البيوت تتوفر على كراطات إلا اللغة العربية. معظم الأشياء البسيطة التي نستعملها في حياتنا اليومية لا وجود لها في اللغة العربية، وكل ما ننظر إليه في الشارع وفي البيت وفي الحدائق وفي الأسواق لا أثر له في العربية، ويقولون إنها مؤامرة. وأنا أنظر إلى فضيحة الملعب وفضيحة الوزير، فكرت أنا الآخر أن أدلي بدلوي في الموضوع، وبما أنني أكتب بالعربية الفصحى، ولم أجد الكراطة في لغتي، فقد عدلت وتراجعت إلى الخلف. لم يجد المعلق الفرنسي في قناة أورو سبور أي مشكلة في وصف ما رآه في الملعب، فلكل شيء اسمه في الفرنسية، ترى العين الأشياء وينطق بها اللسان، اللغة متوفرة وحية وتهتم بالتفاصيل، أما نحن، فقد وقعنا في ورطة، ولولا الدارجة لما تكلم أحد منا. تبدو الكراطة تافهة ولا حاجة لنا بها، وهذا هو مرض اللغة العربية المزمن، وهذا هو سر تفوق اللغات الأخرى عليها، وسر تفوق اللغة المغربية عليها، فالعربية مكتفية ولا حاجة لها بالأشياء البسيطة والتي نستعملها في حياتنا اليومية، ولذلك فهي تعمم ولا تدقق وعندما لا تعثر على كلمة فهي تتخلى عن موضوعها، وتنتقل إلى المؤامرات والتعويم والأمجاد، بينما هي لا تتوفر حتى على كراطة. كيف للغة أن تحارب الفساد، وهي عاجزة عن التعبير، وعن تسمية الأشياء، ولذلك لجأ كل الذين أصابتهم الصدمة وشعروا بالعار في ما يتعلق بفضيحة الملعب إلى الدارجة والفرنسية، ولم ينتظروا حتى تظهر ترجمة عربية لتلك الآلة الكبيرة التي استعملت لتجفيف العشب. ما حدث فضيحة مسؤولين، لكنه أيضا فضيحة لغة في يومها العالمي، لكن الذين يحبون هذه اللغة ويدافعون عنها ويبكون، لا يبذلون أي مجهود من أجلها، ولا تعنيهم الكراطة في شيء، هذه الكلمة الدخيلة، التي اخترعها أعداؤنا، وفرضوا علينا استعمالها، ونحن نقاومهم ونصدهم، بأن نمنعها من اقتحام لساننا الصامد في وجه الغزو الثقافي وغزو الحياة وغزو الأشياء التي لم يكن العرب قد عرفوها من قبل. لقد عقد المدافعون عن اللغة العربية مؤتمرات ولقاءات كثيرة، وأنفقوا أموالا طائلة، وتحدثوا عن الأمجاد والذهب والسيوف والإعجاز، ولن يكون لغيرتهم من معنى، إلا إذا اجتمعوا ووحدوا صفوفهم وعثروا لنا عن كلمة نترجم بها كراطة، شرط أن لا يقولوا لنا إنها ممسحة، وشرط أن لا يفعلوا مثلما فعلوا مع الهليكوبتر ويخبروننا أنها حوامة أو طوافة. هذا يجعلنا نسخر من أنفسنا ونحن نكتب بالعربية الفصحى، ونشعر أن هناك فسادا في اللغة أيضا، وأن المدافعين عنها يغشون ولا يقومون بدورهم، ويجعلنا نطالب بفتح تحقيق، عن المسؤول عن غياب أسماء الأشياء الصغيرة والتفاصيل في لغتنا. ومن حقنا أن نتحدث عن هذه الفضيحة، ومن حقنا أن نسأل عمن حرم اللغة العربية من كلمة كراطة، مع أنها موجودة ويستعملها الجميع، لكنها، ولحد الساعة، لم تدخل إلى اللغة، ولا أحد يقدر على النطق بها وتسميتها، والحال أنها كانت كبيرة ومثيرة في الملعب وأدهشت جميع المغاربة وأدهشت الفيفا والصحافة والعالم بأجمعه.