لو كنت مصريا لاخترت أنا أيضا السيسي. لو كنت مصريا وحريصا على دولتي التي أنتمي إليها لكنت أيضا ضد الثورة على مبارك. لو كنت مصريا وأعرف أي شعب هو الشعب المصري وأي وضع يعيشه المصريون وأي محيط سياسي وجغرافي يوجدون فيه وكم عدد سكان مصر وكم هي درجة الفقر والأمية السياسية وكم هو المجتمع معطل وكم هي الديمقراطية ترف لتمنيت ألا يصل الربيع العربي إلى مصر، وقد تمنيت فعلا ذلك، قبل أن يصل. وبعد أن حصل ما حصل وبعد أن تأكد المصريون أن الخروج إلى الشارع لا يكفي للحصول على دولة وبعد أن تبين لهم أن الأحلام لا ترتفع على الواقع جاء الانقلاب الذي لا معنى ولا أهمية لاسمه أمام خطر نهاية دولة اسمها مصر وتحولها إلى غابة لو كنت مصريا وحتى ولو ترشح ملاك من الملائكة لاخترت السيسي بدل الملاك لأن الملاك لا أحد معه في مصر وليس الجيش في صفه وليست وزارة الداخلية في صفه وليست الدولة في صفه وليس من يتحكم في اقتصاد مصر في صفه وليس من يقدم الدعم في صفه ولأن السيسي يضمن ولاء الجيش له ويضمن ولاء أركان الدولة ونواتها الصلبة ولأن مصلحة الدولة المصرية معه، ولأن الدعم والمتحكمين في الاقتصاد معه. لكل هذا، أمتلك كل هذه الوقاحة، وغايتي أن تبقى مصر، على الأقل، كما كانت قبل الثورة ولو أن المصريين لا يصرحون بذلك فكل أملهم أن تعود مصر إلى الماضي وإلى الفساد الذي ثاروا ضده كأنهم ندموا وكأنهم اكتشفوا متأخرين أن خروج الملايين إلى الشارع لا يصنع دولة وأنه يصنع حماسة وإعجابا، لكن الشارع ساذج دائما، ولا يفرق بين الدولة وبين الاحتجاج عليها. فسهل جدا أن نطالب بالديمقراطية في مصر سهل وأنيق وممتع أن ندافع عن الشرعية وموقف مبدئي أن تعارض حكم العسكر لكن الدولة ليست مجالا لتسجيل المواقف وليست شعورا نبيلا وإنسانيا وليست مطلبا حقوقيا ولا مقالا لروبيرت فيسك ولا غصة في حلق القرضاوي ولا مقالات مؤدى عنها في إعلام قطر ولا موقعا اسمه العربي الجديد ولا تغطية في قناة الجزيرة وليست بكاء على الضحايا وليست الدولة أهلي وعشيرتي. لقد انشغل المصريون بالأحلام ونسوا الواقع نسوا أين تكمن القوة وأين توجد الدولة وحين تخلصوا من مبارك اعتقدوا أنهم جاؤوا بدولة أخرى واعتقد الإخوان لعدم تجربتهم ولحماستهم الإيديولوجية أنهم يحكمون مصر صدقوا قطر وصدقوا تركيا ولم ينظروا إلى دولتهم وتاريخها كأنهم لا يعيشون فيها كانوا يعرفون ما يحدث في كل مكان إلا مصر كانوا يجهلون عنها كل شيء. ونادرا ما تجد مثقفا مصريا اليوم ضد السيسي معظم الأسماء المعروفة والكبيرة في صفه معظم الكفاءات ليس لأنهم مع العسكر ومع الدكتاتورية وضد الشرعية ولكن لأنهم مع الدولة وخوفا من ضعفها وخوفا من غيابها ومن تعميم الفوضى وليس لأنهم باعوا ضمائرهم بل لأنهم يعرفون بلدهم ويعرفون كيف يمكن أن تنهار الدولة أما الذين يعارضون فمعظمهم إخوانيون وجزء منهم مع مال قطر والبقية مبدئيون ومخلصون للشعار ورافضون للواقع ويرسمون مصرا بالتمني وما يجب أن يكون ويعتقدون أن مصر هي سويسرا ويكفي أن تطالب بالديمقراطية وبالحرية وتحارب الفساد حتى تظهر لك الحرية والديمقراطية وتقول لك شبيك لبيك أنا بين يديك نعم بمنتهى الوقاحة لو كنت مصريا لاخترت السيسي لأني أحب مصر الدولة وأحب استقرارها وأنا مع القوة والأمن ومصلحة مصر وضد المغامرة والتجريب في تسعين مليون مصري وفي دولة ليست هي ليبيا ولا اليمن ولا يمكن أن تتحول إلى نقيضها لمجرد أن ملايين خرجوا إلى الشارع وصرخوا ارحل الشارع جميل وفيه حماسة وشعارات ومطالب بالجملة لكنه لا يصنع دولة ولا يحميها وحين ذهب وزير الخارجية المغربي إلى مصر لتهنئه السيسي فهو ذهب ممثلا للدولة المغربية ولمصلحة المغرب لأن الدولة أكبر وأهم من الأحزاب والأحزاب تأتي وتغادر بينما الدولة تبقى وإذا ظل حزب العدالة والتنمية وإذا ظل رئيس الحكومة لا يقبل ما حدث في مصر وينتظر عودة الشرعية فعليه أن يشتغل هو الآخر في جريدة قطرية لأن حتى قطر الدولة ستجد نفسها في النهاية مضطرة إلى أن تكون مع مصر الدولة وسيجد صحفيوها وإخوانها أنفسهم يتامى بلا دعم ولا جزيرة أما المبدئيون والمطالبون بالديمقراطية وبعودة الشرعية فبإمكانهم الانتظار عشر سنين أو عشرين سنة أو قرنا من الزمن حتى يحصلوا على مصر التي يتمنون والحال أن الانتطار قاتل ولا يمكن لمصر أن تتوقف وتموت في انتظار تلك اللحظة أما في الوقت الحالي فالواقعي والقوي والبرغماتي والحل العملي والذي يخدم مصلحة مصر الدولة هو الرئيس الجديد السيسي بغض النظر عما إذا كنا نقبله أم نرفضه أم كنا نحبه أو نكرهه لأن هذا مجال يتعلق بالعواطف والمبادىء والمشاعر النبيلة والدولة شيء آخر ومختلف لا مشاعر فيها ولا عواطف وقد تدوس على كل من يعترض طريقها من أجل أن تبقى.