سأتكلم اليوم عن قضايا النساء في المغرب بعد حراك 2011، أي بعد دستور 2011 وبعد الخطب الملكية التي وضعت الأحزاب السياسية أمام مسؤولياتها فيما يخص تجديد إشراك الشباب والنساء بهذه الأحزاب التي يجب أن تمثل الإطار المرجعي لكل بناء ديمقراطي. ومن منطلق أن تعديل القوانين والدساتير لا يعني شيئا بدون إرادة حقيقية في التغيير والتي تتجسد كسلوك عملي مباشر، فإن هذه المرحلة بالذات تتطلب القطع مع الخطابات الفارغة للفاعلين السياسيين التي لا تنعكس على أرض الواقع. فإذا كانت هذه الأحزاب وهؤلاء الفاعلين لا يؤمنون بالمساواة كقيمة، وإذا كانوا غير متشبعين بأصول الديمقراطية كممارسة داخلية في أجهزتهم، كيف لنا أن نتصور تطبيق المناصفة في تجديد النخبة السياسية، على اعتبار أن للمناصفة علاقة دياليكتيكية مع الديمقراطية إذ لاديمقراطية بدون مناصفة ولامناصفة بدون ديمقراطية. فإذا تكلمنا عن المناصفة وعن حقوق النساء فإننا نتكلم عن مصلحة الوطن، عن مصلحة الدولة لأن النساء هن نصف هذا الوطن، وبانتهاك حقوقهن تنتهك حقوق البلد، وليس هناك أية ديمقراطية بدون مناصفة. فدستور 2011 أثار اهتمام الخبراء الدوليين الذين وضعوه رهن الدراسة والتمحيص، خاصة في شقه المتعلق بالحقوق والحريات فيبقى التطبيق هو الأهم، رغم مضامينه الصريحة بالتأكيد على المساواة والمناصفة. قضايا النوع الاجتماعي إذن هي قضايا الدولة بأكملها، يجب أن تكون حاضرة في كل تجليات الحياة السياسية والمدنية، فمقاربة النوع يجب أن تحضر في تهييئ الميزانيات، في قانون المالية، في البرنامج الحكومي (الانتخابات)، يجب توفير خبراء في المساواة أثناء وضع مشاريع القوانين، يجب توفرهم أيضا بالمؤسسة التشريعية لوضع هذه مشاريع القوانين ومقترحات القوانين أيضا تحت الدرس وإخضاعها للمراقبة حتى نتمكن من التأكد من إن كانت هذه القوانين تحترم المساواة والمناصفة أم لا. فالمؤسسات الحكومية والمؤسسة التشريعية تتوفر على خبراء في كل الميادين، القطاع المالي، الصحي، التقني والتكنولوجي، لكن لا أحد ارتأى أننا لابد أن نشرع وننفذ انطلاقا من مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، فلابد من الأخذ بعين الاعتبار كون المرأة شريك أساسي في تحقيق أهداف التنمية ومساهم فعال في تطوير المجتمع. إن وضعية المرأة لا تعرف أي تغيير على الرغم من الإصلاحات الدستورية التي تنص على المساواة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بل بالعكس من ذلك، هناك تراجع ولا أدل عن ذلك المشاركة بمرأة وحيدة في الحكومة، ونسبة النساء في التعيينات في المناصب العليا، في السفارات والقنصليات، بل الأخطر أن هناك خطابا رسميا دونيا موجها للمرأة، (العيالات في الحمام، أشدها من شعرها) فهل هذه هي نتائج التزامات الحكومة عند الإعلان عن المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بتأكيدها على التزامها بتحسين وضعيتها ودعم مشاركتها في الحياة السياسية؟. بالتأكيد هناك تراجع بسبب النظرة الدونية والمتدنية للمرأة، ولأن هذه القوى المهيمنة تفتقر إلى الإيمان بالمساواة كقيمة إنسانية ولأنها لا تؤمن كلية بالقيم الديمقراطية، فالممارسة السياسية للمرأة تقتضي بالفعل تحررها الثقافي والفكري وأن لا يبقى النساء تابعات تحت ثقل الثقافة التقليداتية الرجولية، إن دور المرأة ينحصر في ذهنها في دور الأخت، البنت، الزوجة، الأم والحماة أيضا، يجب على المرأة أولا أن تعي بدورها وبما يمكن أن تساهم به في التنمية. إذ ليست هناك تنمية أو ديمقراطية بدون مساهمة النساء. فلابد إذن من الإشارة أن من أهداف الألفية للتنمية الهدف الثالث الذي هو المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء. هذه المساواة لا نرى لها تجليا حتى في أذهان النساء التي ترسخت في أذهانهن الثقافة النكوصية، ونسمع في زمن ما بعد الربيع الديمقراطي وما بعد دستور 2011 نساء يتكلمن عن التكامل، يطالبن بالإنصاف بدل المساواة، ما هو الإنصاف؟ الإنصاف نسبي وغير مطلق، أن نعتبر بعض الامتيازات المادية أو حتى المعنوية إنصافا؟ الإنصاف يرتبط بخصوصيات كثيرة، وبمرجعيات كثيرة أيضا لا تسير بنا حتما إلى المساواة. سأذكر هنا بسؤال شفهي في البرلمان والتي كانت قد ألقته في 2 نوفبر 2011 الوزيرة الحالية والبرلمانية أنذاك، في إشارة إلى الفصل 16 من اتفاقية CEDAW ، والتي قالت أن هذا النوع من المساواة لا يوافق الشريعة الإسلامية التي تضمن للزوجين حقوقا والتزامات في إطار التوازن والتكامل من أجل الحفاظ على الروابط المقدسة للزواج وأضافت بأن الحكومة (السابقة طبعا) لا تعرف حدودها. إن قضايا المرأة هي من اختصاص وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، وسياستها تبقى محدودة ومشتتة ومحدودة في الزمن أيضا، بل وتفتقد إلى النظرة الشمولية. لا توجد أيضا أية آلية تسمح بمتابعة وتنفيذ المخططات والبرامج مما لا يساعد على ترسيخ المكتسبات التي قد تتعرض لبعض التراجعات في غياب مواقف واضحة وإيجابية عن موضوع المساواة لدى بعض الهيئات السياسية. لابد لنا أيضا الرجوع إلى حرمان المرأة من حقها في التعليم، ومن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لقد نوه البنك الدولي بمجهودات المغرب فيها يخص التعليم، لكن رغم هذه الجهود لازالت الفتيات أكثر عرضة للهدر المدرسي، خاصة في المناطق القروية التي تفتقر إلى البنيات السياسية للتعليم وتبقى هوة بين الجنسين في نسبة التعليم. الذكور %58.6 --- %70.6 الفتيات %32.6 --- %47.3 فالأمية أيضا تساهم في تفقير النساء اللاتي يجدن أنفسهن دون تعليم أو تكوين يضمن لهن استقلالية مادية مريحة فيلجن سوق الشغل الغير منظم يضمن لهن بالكاد لقمة العيش، علينا أن لا ننسى حرمان المرأة الأمازيغية من حقوقها الثقافية واللغوية، هذا الحرمان يكرس تهميشها وإقصائها من الحياة الاجتماعية بل تحرمها من كل حقوقها. إن مسألة مشاركة المرأة في العمل السياسي أثارت نقاش وتساؤلات الرجل، هل هي تشكيك في قدراتها، لا أظن بل هي تخوفات من المنافسة، هي الوقوف ضد الطموح السياسي للمرأة. فبالرغم من الظروف والعوامل الاجتماعية والموروثات، لم تقف في وجه المرأة، ورغبتها في التحرر الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لقد ثارت على هذه الوضعية واقتحمت نواحي الحياة العامة وحققت نجاحات ومكتسبات قوت ثقتها بنفسها، غير أن مشاركتها السياسية تبقى ضعيفة بسبب غياب ثقافة المساواة بين الجنسين في مجتمعنا، كما أن للأحزاب دور في تغييبها والحد من مشاركتها السياسية، غير أن هذه الأحزاب تثقن استعمالها لجلب الأصوات بمهارة وإتقان، الأحزاب لها دور في تهميش المرأة وعدم تمكينها من المناصب القيادية. إننا نلاحظ اليوم تراجعا في حماس المرأة من أجل تطورها الفكري كنتيجة لترافي المجتمع المدني الذي له دور كبير في تطوير تفكير المرأة وتحررها، إلا بعض الإضاءات القليلة والتي لازالت تناضل بنفس الحماس إذا لم نقل أكثر، كفدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء التي أشكرها جزيل الشكر على هذا اللقاء الهام. - فشل المنظومة التربوية في تكوين المتعلم وتزويده بفكر تنويري؛ - استعمال الدين لتبرير خطابات سياسية لإضفاء الشرعية الدينية على السلطة الحاكمة؛ - فتاوى القتل والردة والتشكيك في العقيدة. ما هو سبيل المرأة إذن لتدعيم التقدم نحو المساواة في بلدان الربيع؟ 1- التكتلات بين التنظيمات النسائية على صعيد بلدان الربيع وفي المغرب أيضاكل حسب موقعه: المؤسسة التشريعية: اليقظة، التعبئة، تجربة مجموعة العمل؛ 2- اتخاذ إجراءات ملزمة ضد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي لا تحترم المناصفة وتطبيقها؛ 3- إيجاد آليات مؤسساتية للسهر على المساواة بين الجنسين وللتنسيق بين القطاعات؛ 4- وضع مخطط وطني لحقوق الإنسان والديمقراطية؛ 5- ملاءمة التشريعات الداخلية مع اتفاقيات CEDAW، 6- تطوير الآليات، التقنيات من أجل المساواة؛ 7- إشراك الباحثين والأكادميين. وفي الختام لابد من التأكيد أن تطور مشاركة المرأة لن يكون دون حراك اجتماعي قوي ومستمر للقضاء على الفكر الرجعي وفتح المجال لتجاوز المرأة لدورها في الأسرة، مع العلم أن الإقصاء الممنهج الذي يتعرض له كل من يختلف مع الأنظمة الجديدة في التوجهات والرؤى. أخيرا لن نرض لبلدنا بأقل من الديمقراطية ولن نرضى لنسائنا بأقل من المساواة.