ضاقت بي السبل ولم يعد من الممكن أبدا أن أستمر في السلطة دون تقديم تنازلات، الكل يحتج علي ويرفض أن أبقى لوحدي مستحوذا على كل القرارات منذ أن صعدت إلى الحكم، بدءا من أسرتي الصغيرة ووصولا إلى الأثاث وقنينة الغاز التي تفرغ وترفض أن تمتلئ. الشارع في المنزل غاضب وينزل كل يوم ليحتج علي، المكنسة تكنس اسمي كقمامة، وجيش الملاعق و فيلق السكاكين المشاة ينضمون إلى الثوار ويصرخون ارحل، والخلاطة تزعق في قناة الجزيرة، وفضيحتي في الفضائيات، والشرطة المكونة من الفناجين صعدت إلى الجبل حاملة معها أسلحتها، والملابس غادرت الدولاب والتحقت بالمقاومة في سطح العمارة، والبنك يساند خصومي بالمال ويطالبني بأن أسدد ما علي وإلا جاء حلف الناتو وقصفني بطائراته. لهذه الأسباب مجتمعة قررت أن أتقاسم السلطة مع باقي أفراد أسرتي، وأمام ضغط العائلة القريبة والبعيدة، فوضت جزءا من سلطاتي إلى صهري، ومنحت الوالدة حق النقض كلما رأتني أرتكب حماقة، وعينت حرمي المصون نائبة لي في سابقة هي الأولى من نوعها منذ وصولي إلى هرم السلطة، وسددت كل الديون التي علي للسيد البنك المحترم، ووقعت مضطرا على اتفاقية عدم اعتداء مع الجيران، ومرغما تنازلت عن استحواذي على مشاهدة التلفزيون لساعات طويلة، وأممت الهاتف وصحن الالتقاط وغرفة مكتبي ليستفيد منها كل أفراد وطني الصغير. ورغم كل هذه الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها والوعود التي أطلقتها لم يصدقني أحد، واستمر العصيان المنزلي في السطح، إلى أن صعدت إلى الجماهير، وطلبت منها النزول معي وتأسيس مجلس مكون من كل الفاعلين والفرقاء في البيت، للتشاور حول إصلاحات عميقة وجذرية، ففرضوا علي أن أطبخ العشاء وأغسل الأواني وأنظف كل الغرف بالتناوب، وألا أدخن في الشقة، ولا أشرب كل القهوة العائمة في السخانة، وأن أتنازل عن حصتي اليومية في المقهى وأخصص أوقاتا محددة كل أسبوع للخروج برفقة العائلة، وأحدد نزهة مرة كل ويكاند تختلف وجهتها حسب الفصول. وحين حاولت أن أناور فرض علي الذين صعدوا إلى السطح أن يكون رئيس المجلس شخصية مستقلة ومحترمة من الجميع ولا تأثير لي عليها، فاختاروا بالإجماع حماتي، فرضخت وطبقت كل الإصلاحات التي وعدت بها، تجنبا للكارثة ولكي لا أطرد من البيت، ذليلا مدحورا، لا ألوي على شيء. ورغم كل التنازلات التي قدمتها، فرضت علي المعارضة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بمراقبة دولية من الجيران الذين يسكنون معنا في العمارة، كي أرضخ في النهاية مضطرا، وكانت النتيجة مفاجئة لي، بأن نجح إسلاميون وسلفيون، لم أكن أعتقد أنهم يقيمون معي نفس الشقة، فتنازلت مضطرا عن الحكم، ولم أعد رب الأسرة ومعيلها، ليسود نظام جديد في الصالون، ولتحتل الحكومة الجديدة مكتبي وتنشر الإسلام ومكارم الأخلاق في أرجاء الغرف.