الساعة الثامنة إلا عشر دقائق،محطة لاروزري القريبة من سكة الميترو مليئة بالمسافرين كعادتهم كل بداية أسبوع . ينتظرون صفارة الميترو التي لا تخطئ، وهذا الصباح، بدت السماء باكية وممطرة على غير عادتها. كثير منهم أفارقة، يطلقون موسيقية هواتفهم النقالة دون سماعة الأذنين، ويتجاهلون عن عمى أو عن عنوة قسمات التجهم والتهكم التي تعلو وجوه باقي المنتظرين. عيون الآخرين تبدو كأنها شبه غافية، ينظرون ربما إلى أفق أعلى ما فيه عمارات حمراء شيدت على الطراز القديم. مثل مراكش؟ ليس كذلك، لأن شكل اللبنات تختلف في تولوز ولو أن ألوانهما الأرجوانية تتشابهان.
ثم هناك النساء، يلعبن مرة بشعرهن حتى يدركهن الدفء، أو حواجبهن أمام مرآة صغيرة أو حتى شفاههن. وأمهات وآباء يثبتون أزرار صغارهم بحنان فاضح، وقد يعدونهم ربما بعقوبة في المساء إن لم يكونوا نجباء...ثم سيارات تتهادى وتلامذة يحملون مع حقائبهم أحلام الكبار.
هنا لاروزري، محطة صغيرة في مدينة تولوز الحمراء على بعد أميال منها، هناك مدرسة أوزار هاثاروت اليهودية، بجانب منها مرقص متهالك، وإعدادية ومحل لبيع المواد الغذائية، ومزار تطل عليه عمارات سكان أغلبها فرنسيون ومغاربيون ويهود وأفارقة.
الساعة الثامنة ودقيقتان، في زنقة المدرسة الخاصة والوحيدة لليهود التولوزيين، هناك أشخاص من مختلف الأعمار. رجال من اعمار مختلفة و ذوي لحى طويلة، نساء عاديات وأطفال يركضون اتجاه باب مدرسة....حركة غير عادية انطلقت من الجانب الأيسر. ركن دراجته السوداء عند منتصف الطريق. ترجل قليلا حسب شهود عيان، أخرج من جاكيتته السوداء أداتا جريمته ثم شرع في إطلاق الرصاص الحي على أولئك الذين جعلهم القدر خارج باب المؤسسة. أطلق النار بمسدسين( واحد عيار 19 والآخر 11,43) وبمهنية كبيرة ودم بارد تبعهم حتى ساحة المدرسة اليهودية الداخلية مخلفا جثث ثلاثة أطفال لم يتجاوز عمرهم بعد السبع سنوات، ومدرس للرياضيات يبلغ 30 سنة وتلميذ ذو 17 ربيعا لا يزال يرقد حتى الآن في المستشفى الجامعي بين الحياة والموت.
الساعة التاسعة إلا ربع، كان السفاح قد غادر مسرح جريمته فيما التحق بالمكان رجال المطافئ وسيارات الشرطة وحاكم المدينة وكثير من الوجهاء السياسيين. المفاجأة والألم علت وجوه الجميع، بينما كانت سيارات الإسعاف تتوالي الواحدة تلو الأخرى على الحي.
عندما تلقى الخبر، تراجع نيكولا ساركوزي عن مواعيد حملته الانتخابية خلال الأسبوع الجاري، وعند الزوال تقريبا كان حاضرا مع الشرطة الجنائية عين المكان. يبدو مركزا في حديثه مع مسؤولي الجمارك عاضا على شفته السفلى باستمرار. نيكولا ساركوزي صرح للصحفيين أنه سيبدل أقصى جهوده حتى يوقف المجرم مضيفا "لقد أمرت بإيقاف جميع مواعيدي حتى إشعار آخر، لا تهم الانتخابات، فرنسا باكية هذا الصباح".
منافس الرئيس الفرنسي الحالي، فرونسوا هولوند، التحق بحي الجريمة ساعتين بعد ساركوزي. وفيما كان رجال الشرطة يراقبون الأوراق الثبوتية لجميع المتواجدين هنالك، مد لأحد رجال الشرطة بطاقة تعريفه مؤكدا أن الإجراء عادي ويشمل الجميع. فرونسوا هولوند صرح لنا إنه قدم من باريس فور سماعه الخبر على موجات الراديو تضامنا مع أسر الضحايا ومع الجالية اليهودية في فرنسا مضيفا : " لا مجال لحرب عرقية في فرنسا، لا مع اليهود أو المسلمين ولا حتى في ما يتعلق بسياستها الخارجية.هي فقط فجيعة كبرى لكل الفرنسيين وللتحقيق كلمته الأخيرة"
يذكر أنه تم اغتيال جنديان خلال نفس الأسبوع بنفس عيار المسدس الذي استخدم اليوم في منطقة مونتوبان التي تبعد 40 كيلومترا عن مدينة تولوز، وفي الأسبوع الماضي تم اغتيال جندي آخر في العاصمة الحمراء بيد شخص قيل عنه أنه كان يمتطي سكوتر أسود من نفس الطراز حسب من عاينوا الحادث. الجنديان اللذان اغتيلا في مونتبان من ذوي أصول مغاربية بينما الجندي الثالث أصله إفريقي ولم يصرح لحد الآن عن جنسيته. تولوز رجعات حمرا بالدم ماشي بالأجور