يجب أن نتفهم هذه المعارضة التي يقوم بها عبد الإله بنكيران. يجب أن نتفهم هذه المبالغة في النزعة المحافظة التي عاد إليها حزب العدالة والتنمية. وكأننا في الماضي. وكأننا في بداية الألفية. فهذا الحزب لم يعد يملك أي شيء. ولم يعد له فريق. ولا نواب. ولا مدن. ولا حجاب. وحتى آمنة ماء العينين خلعته و التحقت بالصف الحداثي. والنائبات البرلمانيات المعدودات على رؤوس أصابع اليد الواحد لا حول لهن ولا قوة. و صوتهن غير مسموع. و غير مستعدات. وربما غير مقتنعات. بخوض مثل هذه المعارك. لأنهن ببساطة لم يتوقعن أن يكن لوحدهن. وفي الواجهة. دون حزب. ودون إخوان. ودون صف أول. لذلك كان من الطبيعي أن يتشبث بنكيران بالمدونة. ويجعل منها قضية. ويختلق الحروب. والخصومات. والمعارك. ويحاول استفزاز التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي. ويختار المجلس الوطني لحقوق الإنسان كخصم أيديولوجي. ويخترع زواج المثليين. ويحذر منه. فليس لدى بنكيران سوى المدونة. ليتشبث بها. و ليستعد بها. ويتدرب على الانتخابات. وليستعيد بها طراوته. وقوته. وشعبيته. وشارعه الذي فقده. و ليتمسك بالأمل. ولو لم يكن تعديل المدونة موجودا لصنعه بنكيران. لأنه في حاجة إليه. وإلى نقيض يواجهه. فالحزب الإسلامي. مثله مثل كل الأحزاب. يلين مع المناصب. ومع القرب من السلطة. ومع الدواوين. ومع الوظائف. ويرق خطابه. وينفتح. و يحب. ويحضن. ويتسامح. وينتعش. ويتجمل. ويظهر غرة الشعر. ويتنازل. ويسافر. ويتحالف مع اليسار. ومع نبيل بنعبد الله. ولما يفقد البرلمان. والمجالس. والمناصب. والوزارات. فإنه يتشنج. و يخشوشن. وينفعل. ويسعى بكل السبل إلى استرجاع الماضي. وإلى العودة إلى الأصل. وإلى البداية. كأن الزمن متوقف. والحال أن لا اليسار اليوم هو يسار أمس. ولا العدالة والتنمية اليوم هو عدالة وتنمية أمس. و لا الشارع هو الشارع. ولا السلطة هي السلطة. وهذا الاستقطاب السياسي والإيديولوجي الذي يطمح إليه بنكيران. وحركة التوحيد والإصلاح. يبدو مفتعلا. ولم تعد شروطه متوفرة. ولم يعد مقبولا. ولا مبررا. حتى لدى بعض رموز التيار الإسلامي. و كل ما يحدث الآن فإنه يحدث داخل الدولة. و تارة هي حداثية. وتقدمية. وطورا محافظة. وغارقة في الرجعية. حسب السياق. والظروف. وهي التي تعوض كل التيارات. وهي التي تصلح. وتعدل. وهي التي تحارب الفساد. وتفضحه. وهي التي تعارض نفسها. بمؤسسات تنشئها لهذا الغرض. وطبيعي أمام هذا الوضع أن يتشبث بنكيران بالمدونة. مثلما يتعلق غريق بقشة. و طبيعي أن يبالغ. و أن يصيح. ويصرخ بأعلى صوته. وأن ينادي على الذين شاركوا في مسيرة الدارالبيضاء. ظنا منه أن لا فرق بين 2000 و 2024. وأن من كانوا معه قبل أكثر من عقدين. لهم نفس الحسابات اليوم. ونفس الأهداف. ونفس السياسة. ونفس الخصم. وكله أمل أن يعودوا إليه من الماضي وأن يعود إليه الشارع المحافظ. وتعود إليه جماعة العدل والإحسان. ووزارة الأوقاف. وتعود إليه ألاعيب حزب الاستقلال. و أن يضغط بهم. ويفاوض. ويسترجع بهم بعضا من قوته. ومن حزبه. الذي تبخر في انتخابات واحده. كأنه لم يكن.