ليس دائما. ليس ضروريا في كل مرة. لكن يحدث أحيانا أن تكون هناك حاجة إلى الاستعانة في المغرب بأحزابنا التاريخية. يحدث أن نضطر إلى تذكرها. وإلى نفض الغبار عنها. يحدث أن لا يكون مغرب سياسي بدونها. يحدث أن تكون هذه الأحزاب مفيدة. وضرورية. ولا بديل لها. يحدث أن تتم المناداة عليها في آخر لحظة. كما هو الحال اليوم. في ما يتعلق باقتراحات تعديل مدونة الأسرة. إذ يحدث أن لا ينفع حزب الأصالة والمعاصرة. ولا التجمع الوطني للأحرار. وألا يعول عليهما في مسألة كهذه. يحدث ألا يكون لهذه الأحزاب رأي واضح. يحدث أن تكون هذه الأحزاب هجينة. ولا هي يسار. ولا يمين. ولا محافظة. ولا تقدمية. ولا رجعية. ولا حداثية. ولا ليبرابية. ولا أي شيء. ولا موقف لها. مجرد أحزاب لا تحمل من الأحزاب إلا اسمها. أحزاب فيها من كل فن طرف. وفيها الأصالة والمعاصرة. والرجعية والتقدمية. و الليبرالي فيها ليس ليبراليا. وليس مع الحرية. ومع السلطة دائما. ولذلك يتم استدعاء الأحزاب التاريخية. ويتم اللجوء إليها. والاعتذار لها. وهي من تشتغل الآن. ومن تظهر في الصورة. ومن تقترح. ومن تصدر المذكرات. ومن تمتلك الوضوح الفكري والإيديولوجي. وهي أحزاب مثل التقدم والاشتراكية. والاتحاد الاشتراكي. وفيدرالية اليسار. وحزب الاستقلال. وليس عيبا أن تكون محافظا كما هو حال حزب الاستقلال. بل العيب أن لا يكون لك موقف. و أن لا يكون لأحزاب كبيرة (عدديا). مثل البام. والتجمع الوطني للأحرار. أي تأثير في النقاش. وأن تتراجع إلى الخلف. وأن تبدو صغيرة رغم ضخامتها. و أن تتحدث عن التعديلات لأنها فقط مضطرة إلى ذلك. في وقت يبرز فيه حزب "صغير" مثل التقدم والاشتراكية. ويلعب دوره كما يجب. وكما يجب أن تكون الأحزاب في المغرب. ويقدم الاقتراحات. ويتحدث عن مواقفه وتصوراته بوضوح. ويناقشها. ويتحدث ممثلوه إلى الصحافة. ويعقدون اللقاءات. في وقت تختفي فيه الأحزاب الضخمة. وتنسحب إلى حين. مفسحة المجال لكل هذه الأحزاب التاريخية التي تم تهميشها. واختراع بدائل لها. لم تكن متقنة الصنع من الناحية الإيديولوجية. ولم تكن تعتمد على نفسها. ولم يكن لها رأي في أي قضية. ولم تكن مهيأة لأن تكون خصما سياسيا لأحد. كانت جاهزة فقط للانتخابات و لأن تكون دائما في صف الدولة. وإذا قررت الدولة أن تكون محافظة فهي معها. و إذا قررت أن تكون تقدمية وحداثية فهي معها. وإذا قررت أن تعود إلى الماضي عادت معها وإذا قررت أن تثور على نفسها ثارت معها. وإذا اختارت الدولة أن تصبح دولة اجتماعية. فإن أحزابها تصير في اللحظة والحين أحزابا ديمقراطية اشتراكية. إلا أنه. وبين الفينة والأخرى تكون هناك حاجة إلى الأحزاب التاريخية. وإلى الأحزاب التي ولدت بشكل طبيعي. وإلى الأحزاب المنسجمة في توجهاتها. وفي قواعدها. وفي خطها. فنسترجعها. ونمنحها صوتا ثم سرعان ما نعود إلى أحزابنا الضخمة. الأحزاب التي تصنعها الدولة كلما دعت الضرورة إلى ذلك لكنها تنسى دائما أن تنفخ فيها روح الأحزاب.