يدعو بعض الإسلاميين الله أن نرجع القهقرى إلى سنة 2000. وإلى الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وإلى مسيرة الدارالبيضاء ومسيرة الرباط. وإلى خوض نفس المعركة من جديد. وليس هذا فحسب. بل إنهم يصلون كي يكون هناك علمانيون ويساريون وليبراليون خلف مراجعة مدونة الأسرة. ويتمنون أن يكون هناك الراحل عبد الرحمن اليوسفي. وأن يكون سعيد السعدي. وأن تجد المدونة معارضة من وزير الأوقاف عبد الكبير المدغري. وأن يظهر محمد بوستة ليترأس اللجنة الاستشارية. لكن لا شيء من الماضي مازال متوفرا. كما أنه لا يمكن خوض نفس المعركة مرتين. وبنفس الجدية. وبنفس العدد. وبنفس المصداقية. ولا يمكن بعث التناوب. ولا إحياء بداية العهد الجديد. وكل الأشياء التي ذهبت لن تعود. ولم تعد هناك أحزاب يمكن للعاقل أن يواجهها. ولم تعد هناك قوى سياسية مؤثرة. ولم يعد هناك علمانيون. ولا حداثيون. ولا سيدي زكري. ولم يعد هناك مد محافظ. ولم يعد ربيع عربي. ولا إخوان. كما يشتهي الإسلاميون. إلا أنهم يتشبثون بهذه المدونة. ويعتبرونها طوق نجاة. يعتبرونها هدية من السماء كي يستعملوها من أجل العودة. ويحاولون بكل ما يتوفرون عليه من جهد الاستثمار فيها. ويأسفون لعدم وجود أعداء لهم فيها. ولا يجرؤون في الآن نفسه على معارضتها. و يؤولونها. و يتخيلونها ضدهم. ويرون المؤامرة فيها. ويرون الكفار. ويرون اليهود. كما كتب السلفي حسنالكتاني. ويرون الغرب. ويرون خطة سرية.. ويرون المرأة تفلت من بين أيديهم. ويرون الرجل محروما من الإرث. ويرون ما لا يخطر على بال. ورغم أن مشروع مراجعة المدونة خال من اليسار. ومن العلمانيين. فإن الإسلاميين يشجعون على وجودهم. ويدعمونهم. و يتشبثون بهم. ولا يفرطون فيهم. و يحنون إلى خصم سياسي وأيديولوجي كان يمنحهم سببا للوجود. وكان يواجههم. ويخوض معارك ضدهم. ويرغبون صادقين في صراع جديد حول القيم. وحول المرأة. وحول الأسرة. وحول المجتمع. بينما نحن في زمن خال من الصراع. ومن المعارك. نحن في زمن تم القضاء فيه على الجميع. وعلى المحافظين وعلى التقدميين. نحن في زمن يشرع فيه مكتب حركة التوحيد والإصلاح "في مراسلة الجهات المعنية باستقبال هيئاتالمجتمع المدني ومقترحاتها". مبديا استعداد الحركة"للانخراط في ورش إصلاح مدونة الأسرة". مثل أي جمعية مغمورة. وقد يؤخذ برأيها. وقد لا يستمع لها أحد. نحن في زمن مختلف عن كل الأزمنة السابقة. نحن في زمن صارت فيه حركة التوحيد والإصلاح مرتبطة في أذهان الناس بشاطىء القمقوم. نحن في عصر لم يعد فيه صيت لهذه الحركة ولم يعد لها حزب. وحين أراد هو الآخر أن يعود استعان بالزلزال وبالذنوب والمعاصي. ولم تعد الحركة قادرة حتى على تنظيم حملة حجابي عفتي. بعد أن خلعته نساء الحركة. و منذ فترة وهي غائبة. وعاطلة. ودون تأثير يذكر. ولذلك فهي في حاجة ماسة إلى كفار وإلى علمانيين وإلى يسار وإلى يهود وإلى سنة 2000. لكن الرسالة الملكية تخلو للأسف من كل ما يرغب فيه الإسلاميون. كما أن المغرب يخلو في الوقت الحالي من أي صراع بين التيارات وبين الأحزاب وبين الأفكار بينما الإسلاميون يتظاهرون بالبراءة مواجهين الأشباح. و خصما لا أثر له. مختلطة عليهم الأزمنة. ومستنجدين بأعدائهم. بينما كل شيء جامد. كل شيء هادىء في المغرب. كل شيء رائع. كل شيء يتم إصلاحه و مراجعته دون حاجة لأي صراع. ولا لأي خلاف بين المغاربة. ومهما جرب الإسلاميون. ومهما حاولوا أن يستعيدوا مسيرة البيضاء. وجو تلك الفترة المشحون فإنهم لن يجدوا أحدا. ولن يجدوا أحزابا. ولا وجوها. ولا أسماء. ولا صحافة ولن يجدوا خطابا مضادا. ولن يجدوا سوى الدولة وحدها. قوية. و مهيمنة. ومن طبع الإسلاميين أنهم معها دائما. ولا يجرؤون على مواجهتها ولا الاعتراض عليها. ولذلك يبحثون عبثا عن أي يسار. وعن أي يهود وعن أي كلام وعن أي شيء يعيدهم إلى الحياة. و إلى الواجهة.