بدأت في مناطق عديدة من المغرب طريقة جديدة في تسييس المواطنين، تقتضي الاتصال بالناس وعرض مبالغ مالية عليهم، من أجل أن يتقدموا بنسخ من البطائق الوطنية إلى حزب المرشح المعني بشراء العضوية. وهكذا يقوم بعض المواطنين، من الذين ينساقون مع هذه العينة من المرشحين، بتقديم البطاقة إلى المرشح أو أعوانه، بعد أن يتوصلوا بمبالغ مالية، تكون أحيانا محترمة للغاية (كذاك الحلاق الذي توصل بمبلغ 10 آلاف درهم مقابل بطائق أسرته). يقدمون البطاقة، وبذلك يسجلون ضمن لوائح... المنتمين إلى الحزب.!! إنها المرة الأولى في تاريخ السياسة في العالم التي يتم فيها شراء عضوية مواطن في الحزب! عادة تقتضي كل تقاليد العمل السياسي أن ينخرط المواطن في الحزب، ويقدم ما يسميه اليسار «المشاهرة» أو الالتزام المادي كتطوع منه في بناء الحزب، وأيضا كترجمة مادية لانخراطه. وهكذا، كنا نعيش في زمن كان المناضلون والمنخرطون، ومازالوا في جزء كبير منهم، يقتطعون جزءا من معيشهم اليومي لكي يوفون بالتزامهم.
وكان المنخرطون، ومازالوا في الأحزاب المحترمة، يصرون على دفع مشاهراتهم مهما كانت بهم من حاجة. ومازالوا يفعلون ذلك كتعبير نبيل عن الانخراط. اليوم انقلبت الآية، وأصبحنا أمام التحزيب الذي يسير على رأسه، أو بالضبط على رأس اللائحة! نتابع اليوم بالفعل هذا التحزيب الجديد، الصادر عن ذكاء مرضي فاسد، يستعين، ولا شك، بخبرات «ليست كلها علنية»، ذكاء يشبه التخطيط للجريمة، ويستعمل كل الوسائل من أجل الالتفاف على ما يقع. طبعا، هذه الحيلة، بالرغم من توصيفها بالذكاء، فليس فيها من الذكاء سوى استعمال الناس، ومحاولة الإيهام بأن كل شيء يتم عبر الطرق الديمقراطية. علينا أن نتساءل عن هؤلاء «الأعضاء» الذين ينتمون إلى المرشح، وليس إلى الحزب في الحقيقة، طيلة أيام معدودة، أو في أوقات الحملة فقط!.
في أمريكا ذاتها يجمع المرشح الأموال لكي يقوم بالحملة، وفي أمريكا الغنية ذاتها، يدفع الأثرياء والمساندون الشيكات للمرشحين لمساندتهم، أما نحن، فلدينا مرشحون يدفعون إلى .. المواطنين العاديين لكي يصبحوا أعضاء حزبيين لمدة 24 ساعة. ولدينا بهذا المعنى مرشحون أو نواب سابقون، أكثر غنى من مرشحي الأمريكان لرئاسة الجمهورية. ألا نعرف بأن أوباما نفسه كان يجمع «الصينية» من ذوي المال، ولم يثبت عنه أنه دفع للمواطنين لكي ينخرطوا بمقابل في حزبه. هذا الحزب الذي إذا دعا إلى اجتماع، لن يستطيع جمع بضعة أشخاص من المتحلقين حول النائب البرلماني أو المرشح.
طبعا، سيقولون بأنه كان ذكيا وأنه يستعمل الطرق القانونية لكي «يقولب» الجميع. هل تقبل الدولة أن يقولبها مرشح فاسد، كل ثرواته مطروحة للشك ومعرضة للشك؟ طبعا لن تقبل بذلك، لأن «قوالبها» جاهزة إذا أرادت أن ترديه .. سجينا قبل أن يدخل البرلمان، يدخل السجن أولا!
ومن الغريب أن كل الذين يستعملون هذه الأساليب أو غيرها من الأساليب القديمة، لهم ملفات في .. المحاكم مع الضرائب، ومع الوكالات الحضرية، ومع المجالس الأعلى للحسابات، ومع الوزارة الوصية..؟ لكن الموضوع أبعد من هذا، فهناك رجال سلطة مثقفون وأذكياء ونزهاء ووطنيون يعرفون أن ملك بلادهم وممثل الدولة الأسمى ورئىسها يريد انتخابات بلا فساد ولا مفسدين. كانوا أذكياء أو كانوا «رعوانيين».. ويعرفون بأن ملك بلادهم لا يريد أن ينزع أحد عن المغرب الريادة في الدائرة العربية، ويريد بالفعل كفاءات ونزهاء لا يسرقون حلوى افتتاح الدوارت البرلمانية، ثم يهربون من الجلسات العامة إلى .. دورات المياه! لا يفرقون بين دورة برلمانية ودورة المياه...
المغاربة شعب ذكي، لكن الكثير من المفسدين المعروفين والواضحين، يحاولون اليوم أن يغرروا بهم من أجل لحظة جوع أو لحظة عوز .. أما السياسة بما هي خدمة للصالح العام والترتيب لمغرب آخر، فتلك قضية لا تهم مرشحي الانتخابات على الطريقة .. الخاوية! 10/29/2011