فوزية طلحاوي،البلجيكية من أصل مغربي،التي فازت أخيرا بعضوية مجلس الشيوخ البلجيكي، نموذج رائع وساطع وحي لاندماج المهاجرين في مجتمع الاستقبال.فهي الى جانب رفيقاتها ورفاقها في المجلس التشريعي البلجيكي أمثال نعيمة لانجري،وسلوى زويتن،وحسن بوستة،ورشيد مدران،ورشيد الخضريوي(البرلمان الاوروبي)،وجميلة الادريسي،وفضيلة لعنان،وزيرة الثقافة وقطاع الاعلام المرئي والمسموع في حكومة منطقة بروكسل والوني( الفرانكوفونية )،واللائحة طويلة،استطاعوا بجديتهم وحيويتهم ومثابرتهم تبوء اماكن متميزة في المشهد السياسي البلجيكي ومحيطه الاوروبي.وهذا المشهد يتكرربشكل لافت في هولندا،والى حد ما في فرنسا،من خلال وزيرة العدل السابقة،والنائبة الاوروبية،رشيدة داتي،وكذلك في كندا . ان فوز طلحاوي وغيرها من مغاربة المهجر بمقاعد في المجالس التشريعية هو إشارة واضحة الى انه حينما تتوفر العزيمة وارادة الحرص على الاندماج وسط اجواء ديمقراطية تتكافؤ فيها الفرص،لا بد من قطف ثمار وغلة ذلك.
وفي مقابل نموذج طلحاوي،هناك من يدعو الى ان يكون للمهاجرين تمثيلية في البرلمان المقبل لبلادنا،حيث قامت مجموعة من الجمعيات المغربية المهتمة بقضايا الهجرة،قبل اشهرقليلة،بتوجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، ووزير الداخلية، ووزير العدل،وإلى قادة الأحزاب السياسية،ورؤساء الفرق البرلمانية،من أجل تفعيل مشاركة مغاربة الخارج في الشؤون الوطنية عبر ادماجهم في اللائحة الوطنية .
ورغم ان هذا المطلب لم يتحقق،ولم يجد نفسه في القانون التنظيمي الجديد لمجلس النواب المغربي،وهو ما اغضب كثيرين،اجد لا مفر من الادلاء بدلوي في هذا الموضوع ،الذي أسال الكثير من المداد الصحفي،وانا احد المستقرين في ديار الهجرة،فأقول إن الداعين الى حصة للمهاجرين في البرلمان كان اولى بهم خوض غمار اتون الحياة السياسية في دول الاستقبال،بدل البحث عن مقاعد وثيرة ومريحة تحت قبة برلماننا الكائن في شارع محمد الخامس بالرباط العاصمة،تمنح لهم كريع يزيد من ترسيخ هذه الظاهرة التي ضجر منها الجميع.
ان الانخراط في العمل السياسي في دول الاستقبال، وتبوء مواقع عليا فيها سيخدم المهاجرين اكثر من الانخراط في سياسة الداخل ،مثلما سيخدم الوطن الاصلي ايضا من خلال الدفاع عن مصالحه الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية ، ومن هنا فإن اصرار البعض على تخصيص تمثيلية برلمانية للمهاجرين في بلدانهم الاصلية يدخل في باب البحث عن "الطرق السهلة "،واختزال المسافة لتحقيق مارب وطموحات شخصية تعذرتحقيقها في بلاد المهجر.
لقد ان الاوان بالنسبة للمهاجرين وخاصة النخبة المثقفة والمسيسة للنظرالى الامور بعقلانية،وتفادي الاندفاع الذي لن يقود الى نتيجة ايجابية حتى تنضج الامور بخطى محسوبة .ان الامر هنا لا يتعلق بتنظيم مباراة في كرة القدم ، اننا امام تأسيس تقليد سياسي ستكون له تداعياته على الوطن وابنائه جميعا هنا وهناك.
صحيح ان الفصل 17 من الدستور الجديد يقول :" يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة ، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات .ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية ، المحلية والجهوية والوطنية .ويحدد القانون المعايير الخاصة بالاهلية للانتخاب وحالات التنافي كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق التشيح ، انطلاقا من بلدان الاقامة"،لكن من الواضح ان ادماج مغاربة المهجر في اللائحة الوطنية الى جانب النساء والشباب يتعذر تحقيقه من الناحية التقنية سواء بالنسبة للدولة او الاحزاب السياسية ،والدليل على ذلك حالة النفوروعدم الرضا التي تم بها استقبال تعيين المجلس الاعلى للجالية المغربية في الخارج،اذ لم تحظ التعيينات باجماع الفاعلين السياسيين في المهجر،فما بالك اذا تعلق الامر بالتسابق للظفربالتزكيات للالتحاق باللائحة الوطنية،وتلك متاهة اخرى يصعب الخروج منها بدون خسائر.
يمثل مغاربة المهجر نسبة 10 في المائة من سكان بلادنا، ويعتبرون احد دعائم الاقتصاد الوطني جراء تحويلاتهم المالية الكبيرة الى ارض الوطن ، لكن هذا ليس مبررا لترسيخ ثقافة " عطيني نعطيك "، وكأن الوطن مجرد بقرة حلوب يتنافس من في الداخل والخارج على امتصاص حليبها حتى الثمالة.كما ان تحويل المهاجرين لجزء من مدخراتهم الى بلدهم الاصلي لا يجب ان ينظروا اليه على انه منة وصدقة منهم، مادامت تلك التحويلات توظف في استثمارات تدرعليهم ارباحا طائلة.
ان ابواب الوطن مفتوحة امام كل من تحدوه الرغبة في خوض غمار العمل التشريعي داخله،واذا عزم على ذلك فليشمر على ساعديه،وينظم حملة انتخابية،ويقنع الناخبين في دائرته الانتخابية بان لديه برنامجا جامعا مانعا سيخدمهم ويراعي مصالحهم ان هم صوتوا لصالحه ، اما ان يحصر المرء احلامه وطموحاته في منجم " اللائحة الوطنية " فذاك لعمري قمة الاتكالية والكسل السياسي الذي يروم تحقيق المتمنيات دون اي جهد او بلاء حسن.
فبالتحلي بالعزيمة والارادة القويتين سيمكن اي امرىء ،لا محالة، من الظفر بمقعد برلماني سواء كان مقيما في الداخل اوالخارج.وربما تبقى حظوظ النجاح في بلد الاستقبال أكبر ما دام العمل والحيوية واثبات الذات داخل المجتمع، هي التي تقود الى اعلى المراتب،مثلما ان عدم توفر مثل هذه الصفات ستبقي أيا كان في الدرك الاسفل،وعلى هامش سطح الحياة السياسية .
لقد عملت بعض الاحزاب السياسية المغربية على دغدغة مشاعر المهاجرين من خلال دعم مطالب بعض منظمات الهجرة المغربية للاخذ بها في القانون التنظيمي الجديد لمجلس النواب،وتأسفت تلك الاحزاب لعدم تلبية الحكومة مطلب اللائحة الوطنية للجالية المغربية في الخارج .
واذا كان قيام هذه الاحزاب بذلك أمرا طبيعيا ، انطلاقا من حسابات انتخابوية صرفة،نظرا لكون هؤلاء المهاجرين لهم اقارب ومعارف كثر داخل ارض الوطن،يمكن التأثير عليهم ب"ريموت كنترول" المهجر قبل توجههم الى صناديق الاقتراع، فإن هذه الاحزاب مطلوب منها الا تنوم هؤلاء في العسل،وتخلق لهم اوهاما تتجاوز حقيقة الواقع السياسي في بلادنا.
ان وجود ممثلين للمهاجرين في البرلمان المنتظر ليس هو من سيحافظ على عبق الوطن في جوارحهم . فالوطن محتاج اليهم هناك في الخارج اكثر من هنا في الداخل.ولتكن فوزية طلحاوي وامثالها قدوة حسنة لهم،وما أحوج بلادنا الى مهاجرين من طينة هؤلاء فبهم ينتشر اشعاعها ويتزايد في عالم اصبح قرية صغيرة،واصبحت الهجرة عملية افتراضية توفر رحلة الذهاب والاياب الى هذه القرية الصغيرة دون حواجز او عراقيل ، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لتمثيلية هنا أو هناك بقدر ما هناك حاجة الى العمل الجاد والنية الحسنة ازاء خدمة الناس والمجتمع اينما وجد المرء نفسه .