"شكون حنا؟". أبدا لم يكن لهذا السؤال آنية مثل هاته التي يمتلكهااليوم خصوصا بعد النقاش الموؤود الذي قتله بنكيران وصحبه بخصوص الهوية المغربية. بالنسبة لهؤلاء وقد رأينا كيف هاجوا وماجوا إلى أن تمكنوا من نزع فتيل التقدم من مشروع الدستور بخصوص هذه النقطة بالتحديد: نحن مسلمون بالفطرة والسليقة والضرورة والفعل. عرب بالقوة والإجبار والاختيار والضرورات, منتمون للعوالم التي يعتقدونها هي الموجودة فقط, وغير قادرين على اختيارات أخرى قد تكون أكثر ملاءمة للتعبير عن هويتنا هاته بطريقة مخالفة وقادرة على التعبير عن كل المكونات والروافد. ولكم أضحكني الزميل مصطفى الخلفي في برنامج "موعد مع الدستور" الذي ناقش الهوية المغربية بسرعة معيبة بعض الشيء, حين استدل على هويتنا بتسرع خرافي بدراسة أنجزها منصف بلخياط قال فيها إن الشباب المغربي هم 57 في المائة مسلمون, و31 في المائة أو مايقارب هذا الرقم مغربية, ونبينا عليه السلام, قبل أن يذبح كل محاولة للحديث بالقول "يعني أن مايفوق التسعين بالمائة من المغاربة يقدمون أنفسهم باعتبارهم مسلمين أولا ومغاربة ثانيا", وصافي.
أولا أتصور أن مصطفى لايعرف جيدا كيف ينجز منصف بلخياط الكثير من دراساته, ولو اطلع قليلا على طريقة تمرير بعض الصفقات لهذه الدراسات في وزارة الشبيبة والرياضة لما تجرأ على أن يقدم لنا نموذج دراسة لمنصف حول الهوية المغربية ليستدل بها في الموضوع. ثانيا لا يمكننا أن نختزل هذا النقاش بالتلويح بالدراسات السوسيولوجية هنا وهناك التي تتحدث لبعض المغاربة ولا تقول للآخرين أي شيء, والتي ينجزها أصحابها في مكاتبهم المكيفة بعيدا تماما عن حقيقة الهوية التي يعيشها المغربي ليل نهار, والتي لاتشكل له هذا البعبع المخيف لبعض من يريدون التحدث عنها أن اللعب بها باعتبارها المبرر الانتخابي الأبرز لوجودهم. هل نحن مسلمون؟ طبعا ولا أحد يجادل في الأمر. لكننا مسلمون إسلامنا المغربي, وهي صفة تزعج كثيرا المتشددين دينيا لأنها تحيلهم على النموذج الفعلي للممارسة الدينية مثلما يفهمها ويمارسها شعبنا. وهي ممارسة تستعصي على كل وصف التجسيد الكاريكاتوري لها بامتياز (وأنص على كلمة الكاريكاتوري لئلا يقلق أصدقاؤنا كثيرا) هو مايقع في رمضان حين تمتلئ المساجد عن آخرها برواد صلاة التراويح الذين يبكون بالدموع الصادقة مايعتبرونها ذنوبا ارتكبوها العام كله, قبل أن يسارعوا فور انتهاء الصلاة إلى الخروج إلى المقاهي والشوارع للتملي بما يتيه الحسن المغربي المتجول على رجليه من مناظر الماء والخضرة والوجه الحسن مما جبلنا على إقامة التلاؤم بينه وبين ديننا منذ قديم الزمان دون أي إشكال إطلاقا.
قالها عصيد يومها في البرنامج ذاته الذي قدمته "دوزيم" عن إسلام إيمازيغن الذي يدخل البهجة والسرور إلى الدين العربي القح مثلما أتانا من قريش التي يعصب عليها أن تفهم الطبيعة المغربية, ويصعب عليها أن تفهم كيف يمكن أن يلائم المغربي بسهولة بين الانفتاح المطلق على الحياة وبين التشبت المطلق بالدين. وعندما كنا نكتب منذ سنوات بعيدة إننا "لاعلاقة لنا بالعالم العربي المريض", لم نكن نهدف من وراء ذلك إلى فض العلاقة مع الاستفادة التي قد تكون جغرافية وقد تكون اقتصادية وقد تكون تواصلية مع هؤلاء "القوم ", لكننا كنا ننص على صعوبة بل استحالة تحول العقلية المغربية إلى شبيه بهذه العقلية العربية القح (وهذه كلمة مثل صميم ومحض لاتقبل التأنيث في العربية ولا إضافة التاء عكس الخطأ الشائع دليلا على مشكل حقيقي في العلاقة مع المؤنث لانعيشه نحن في المغرب), وكنا نعبر عن الإيمان الذي يعرفه كل مغربي بتصورنا نحن لهذا الدين.
لذلك أيضا ظللنا عصيين على الوهابيين وفكرهم رغم كل ماتم تيسيره لهم من سبل التوسع في المغرب. لذلك أيضا ظللنا بعيدين عن الفتوى وحمى الإفتاء التي اجتاحت العالم الإسلامي والتي حولت أي راغب في ذلك إلى قادر على أن يحدد للمسلمين مايصلح لهم وما لايصلح في أمور أصبحت تنافس بعضها بعضا في التفاهة إلى أن وصلنا اليوم إلى جواز إرضاع زميلاتنا في العمل لنا إذا ما أردنا الاستمرار معهن تحت سقف مؤسسة واحدة دون خشية من انقضاضنا عليهن أو انقضاضهن علينا حسب كل حالة وحسب هرمونات كل واحد منا.
إن النقاش الذي تم وأده بمناسبة تقديم هذا الدستور الجديد حول الهوية المغربية الحقيقية سيظل نقاشا مؤجلا إلى حين فقط, ولن يتمكن البعض بمجرد الصراخ الجاهل "نحن مسلمون ومن مس بهويتنا الإسلامية سنحاربه" من فض الاشتبااك المعرفي والهوياتي الكبير هذا, تماما مثلما سيظل حلم الدولة المدنية مؤجلا بدوره إلى حين آخر, ولن تنفع مئات الألاعيب السياسوية في حرمان شعبنا أخيرا من طرح السؤال على نفسه حول هويته ومعتقداته الدينية وأسس الدولة المدنية فيه بداعي أن كل هذا سيزعزع إسلامه. شعبنا لحسن الحظ لاينظر للمسألة من هذا المنظار الضيق, وهذه هي الضمانة الوحيدة التي لدينا أن هذا النقاش لم ينته عند هذا الحد اليوم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق نزول الزوايا من أجل تأييد الدستور والتصويت بنعم مسألة ذات حدين فعلا, مثلها مثل الاستععانة بخطبة الجمعة من أجل حض الناس على التصويت الإيجابي. يوما ما يجب أن نصل إلى مغرب آخر يكون فيه التحريم الكامل على الجميع من استغلال الدين في السياسة, مايجعل هذه الملحوظة لها علاقة بما سبق, ويعطيها بعض القرابة مع الموضوع أعلاه. الروحانيات للزوايا, نعم وبكل فرح مثلما نقول. اللعب بهؤلاء لكي نضرب بهم الآخرين: المسألة تبدو صابة في اتجاه من نريد ضربهم مهما زيناها أو بحثنا لها عن عديد التخريجات من أجل ابتلاعها. هذا مايقوله المنطق السليم, والله أعلم على كل حال