كل تلك التحولات المتسارعة، التي قادها شباب أخذتهم الجرأة إلى حمل مشعل التغيير، كشفت بالواضح عن أمرين أساسيين: ويتعلق الأول بوصول المحكومين ذروة السخط والقمع وما شابه ذلك من الألفاظ التحقيرية المهينة للفرد داخل الشعوب العربية..، أما الثاني فيكشف عن الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب السياسية، من داخل هذه الشعوب "المحتقرة"، والتي تؤدي ضريبتها غالية اليوم. أحزاب منها من حقق مكتسبات على درب الديمقراطية الداخلية وحمل شعار التغيير استحقت أن تنال بفضلها ثقة المواطنين، لكن سرعان ما فقدتها بدخول اللعبة السياسية في حلقتها القذرة والمتآمرة على أبناء الشعب ونجحت الأنظمة في إذابة الأحزاب وتفكيكها وإضعاف من حاول الصمود في وجه الاستبداد.. ما يقع في العالم العربي عموما، والذي لا نستثني منه المغرب من حراك اجتماعي، بات يفرض على صناع القرار على رأس هرم السلطة التقاط الإشارات والرسائل المشفرة التي يبعث بها المواطنون الغاضبون من جهة، ومن جهة ثانية ترك الأحزاب وشأنها لتقوم بدورها الذي أحدثت من أجله تأطير المواطنين حتى لا تقع مثل هذه الانفلاتات التي نلحظها اليوم. إن الحراك الذي نعيشه اليوم يفرض على الأحزاب لعب دورها الحقيقي بالكف عن الجري وراء المصالح الشخصية لقياداتها والتفكير في مصلحة الوطن والمواطن، الذي يستحق مؤسسات حزبية حقيقية تحتضنه وتدافع عن أفكاره ومواقفه الرافضة للإهانة والصارخة في وجه "بلطجية" ينبسون لمن أئتمنوا على هذه الأوطان بأن كل شيء على ما يرام ويوهمونهم بشعوب واقعها بات مزورا في الحقيقة
إن الوصول إلى مشهد سياسي قوي وبالتالي أنظمة رصينة وديمقراطية لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود أحزاب حقيقية قوية وقادرة على التأطير الحقيقي للمواطنين المستديم وليس تأطير المناسبات.