"المقاومة الحقيقية ليست عملة قابلة للتصريف،وليست واجهة للبهرجة وتلميع الذات،بل هي فعل انساني وطني يسكن المقاوم ويحرك في عوالمه الداخلية ضروبا من البطولة والشجاعة ممزوجة بإيمان قوي" بهذه العبارات نطق المقاوم صالح الحداد وهو يفتح قلبه للجريدة محاولا نبش الذاكرة عن زمن المقاومة الجميل..زمن النضال والكفاح ضد المستعمر الفرنسي الغاشم الذي دخل مدينة تادلة في سابع أبريل1913 بزعامة الكولونيل مانجان الذي أعجب بموقعها الجيو استراتجي.بعيون تشع بالذكاء ولحية كثة بيضاء تسطع بالنور والصدق والوقار ونظارة طبية أنيقة وصوت جهوري رخيم وتقاسيم وجه شجاع ورؤية ثاقبة جعلت من المقاوم صالح الحداد توأما لقائد المقاومة المسلحة بليبيا عمر المختار،فهو شبيهه في الفعل والقول الفدائي. المقاوم صالح الحداد رجل مثقل بحمل هموم الوطن،منشغلا بما كان وما سيكون،واضعا نصب عينيه ماحققه من انجازات لهذا البلد،يتكل عنها في تواضع أشبه بتواضع العلماء والأتقياء والصوفية .مايزال شامخا في مواقفه بالرغم أنه بلغ من العمر عتيا،وعاصر ثلاثة ملوك، وتفاصيل مقاومته المثيرة تكمن في مشاركته ضمن المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي مع صهره المسمى محمد الفلوس الذي كان شرطيا عند المسمى عدي أوبيهي الذي كان يوجد بمنطقة الريش بالصحراء المغربية ويعمل لصالح المستعمر الفرنسي،حيث أن صهره امحمد الفلوس كان يستغل قربه من عدي أوبيهي ويجمع المعلومات من طرف عدي اوبيهي ويقدمها لصالح الحداد وهذا الأخير بدوره كان يقدمها للمقاومين ابان تواجد الاستعمار الفرنسي بالمغرب.وبمدينة قصبة تادلة تعرض للتعذيب وكل أشكال العنف من أجل الإدلاء بالأسرار في مواجهة المعمر الفرنسي وخاصة من طرف المدعو"بارك لاسورتي" الذي حاول المقاوم صالح الحداد قتله عدة مرات لكنه كان ينجو بأعجوبة ،وبالرغم من الخوف والرعب الذي كان يزرعه بارك لاسورتي عميل الاستعمار في نفوس المواطنين بقصبة تادلة،إلا أن صالح الحداد تمكن من حرق منزل بارك لاسورتي كاملا وما حوله من مرافق.كما تمكن من صنع قنبلة قام بتفجيرها داخل كنيسة بمدينة قصبة تادلة،وتم القبض عليه من طرف رجال الأمن وتعرض لمختلف أشكال التعذيب والإهانة من أجل النطق بصانع القنبلة ومصدر شراء الحديد بصفته كان يزاول مهنة الحدادة الى أن تمكن من الافلات من التهمة الموجهة إليه. كما قام الخونة وعملاء الاستعمار بقصبة تادلة على وضع عريضة مذيلة بمجموعة من التوقيعات تحث على نفي محمد الخامس بالمسبح البلدي بقصبة تادلة مما جعله يشارك في عملية تفجيرالمسبح البلدي بقنبلة نتج سقوط عدد كبير من القتلى.كما أنه اتصل برجال المقاومة بالدارالبيضاء من أجل إخبارهم بوجود عميلين للاستعمار بقصبة تادلة أحدهما يدعى القائد علي والثاني يهودي وتم إرسال امراة مقاومة ورجلين مقاومين باتا بمنزل صالح الحداد بإيعاز من خلايا المقاومة بالدارالبيضاء من أجل التخطيط لقتل القائد علي واليهودي باعتبارهما عملاء الاستعمار،بالاضافة الى كونه شكل علاقة مع المقاوم بوزيد من الدارالبيضاء في التخطيط لقتل القائد سعد بأولاد سعيد الواد.كما تعرضت للاعتقال وسجن بسجن خنيفرة . في سن العاشرة من عمره كان الطفل صالح الحداد يميل بكل حواسه الى مجلس العائلة وهم يتحدثون عن بطولات المقاومين الاحرار والمجاهدين الأبرار بمعركة بوكافر الشهيرة التي وقعت أحداثها سنة1933 والتي مني فيها الجيش الفرنسي بهزيمة نكراء خلفت مئات القتلى والجرحى في ساحة المعركة.وكان إعجابه يزداد بما سمعه من بطولات عن المجاهد عسو باسلام.الآن المقاوم صالح الحداد يبلغ من العمر120 سنة ومازال ذاكرته تحتفظ بأغنية أمازيغية كان يرددها المقاومون بالجبال وهم يواجهون العسكر الفرنسي: "أوتات أيعرمن ... أوتات إيرومين دويات غردات .... هاتين أونايموتين كالجهاد إداغر الجنة .... زرد العز" إيايت ماس" ومعناها: " اضربوا أيها الشبان،تقدموا الى الأمام لأن من مات في الجهاد يذهب الى الجنة ويترك العز لأهله وذويه" الرعيل الأول من جيل المقاومة في الأربعينات من القرن الماضي يعرفون المقاوم صالح الحداد معرفة تامة ،وفي كل شبر من هذه المدينة الصغيرة وزاوية من زواياها تعبق رائحة المقاومة الصادقة..إنه بحق رجل عظيم..لكنه اليوم يعيش مهمشا وحيدا بعدما لفظته معاول النسيان وواجهته حركات المقاومة بالنكران والجحود...لقد انتصر لهذا الوطن،فمن يمد له اليوم يد العون..بعدما عمر قرنا وعشرين سنة بارك الله له في عمره..واليوم في شيخوخته محتاج إلى هذا الوطن لكي يرد له ولو النزر القليل من تضحياته الجسام تجاه بلده المغرب.