⁨هل نجح أخنوش فعلا في معركة المؤسسات المستقلة دستوريا واستبعاد كل الذين يغضبونه؟⁩    الرباط وموسكو.. تاريخ مشترك يُبعث من جديد عبر "نادي لحظة الحقيقة"    إعلان حالة الطوارئ في سلوفاكيا بسبب تفشي الحمى القلاعية    الذهب يستقر مع تزايد القلق من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية    ماذا نحتاج لنكون سعداء؟    سماء المغرب على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة يوم السبت    فوضى بمحطة قطار.. شخص مضطرب يثير الرعب ويخرب تجهيزات السكك الحديدية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    المندوبية السامية للتخطيط تحذر من كلفة ضعف التمكين الاقتصادي للقرويات    مسلسل رحمة في مرمى الانتقاد بسبب مشاهده الحميمية    جزيرة "مان" البريطانية تقنن مفارقة الحياة بمساعدة الغير    "سيعودون في توابيت".. "حماس" تحذر إسرائيل من محاولة استعادة الأسرى بالقوة    المغرب يتصدى بحزم لمناورات الجزائر التضليلية بمجلس الأمن الدولي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    وزير الخارجية الإسباني يشيد بمستوى العلاقات الثنائية مع المغرب    رسالة مفتوحة إلى الوالي التازي: هذه أبرز الاختلالات المرورية بشوارع طنجة التي تتطلب تدخلاً فورياً    22 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    اتهامات بسوء المعاملة داخل السجن المركزي بالقنيطرة: الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تطالب بفتح تحقيق عاجل    "البلاصا الجديدة" بطنجة.. سوقٌ يحمل في طياته أسرارًا من زمن الحرب الأهلية الإسبانية ومصيره اليوم الهدم لإحداث مشروع مندمج    قطاع غزة يسجل 39 قتيلا في يوم    الشاعر نور الدين الدامون في ذمة الله    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    الخطوط الملكية المغربية وChina Southern Airlines توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الربط الجوي ما بين إفريقيا والصين    المغرب المتضرر من الجفاف يمدد دعم استيراد القمح حتى نهاية العام    زيدان يشيد بدور المركز الجهوي للاستثمار في تحفيز التنمية بجهة فاس – مكناس    تصعيد عسكري إسرائيلي على عدة جبهات وتحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية    وليد الركراكي : المهارات الفنية صنعت الفارق أمام تنزانيا    تطورات ملف الصحراء المغربية.. سيناريوهات الحسم مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    المغرب يقود جهود إعادة دمج دول الساحل وإفريقيا الوسطى في الاتحاد الإفريقي    دراسة توضح تأثير استخدام شات جي بي تي على الشعور بالوحدة    اعتقال المتسبب في أعمال تخريبية بمحطة القطار الرباط المدينة    المغرب في المرتبة 64 عالميا في سرعة الإنترنت    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    كأس العالم 2026: الأرجنتين تسحق البرازيل برباعية وتصبح أول المتأهلين للنهائيات عن أمريكا الجنوبية    بنعلي تُبرز تجربة المغرب ببريطانيا    الركراكي يعبر عن رضاه عن أداء لاعبيه ويقول إن هناك عملا كبيرا ينتظر المجموعة قبل كأس إفريقيا    تطور جديد في قضية وفاة الأسطورة مارادونا    المنتخب المغربي يهزم تانزانيا … بدون إقناع … !    تنقيط أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي بعد الفوز المثير على تنزانيا    تصفيات المونديال.. فلسطين تهزم العراق وتعزز آمال الأردن    شكوى حقوقية حول إصابة طفلة بفيروس الإيدز إثر عملية أذن في مستشفى جامعي    الركراكي: التأهل للمونديال أصبح اعتياديًا.. وهذا دليل قوة الأسود    الدورة الثلاثون للمعرض الدولي للنشر والكتاب فضاء لمواصلة السعي الواعي إلى النهوض بالكتاب والقراءة (بنسعيد)    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    تركيا.. القبض على 41 متهماً ب"شتم أردوغان وعائلته"    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات الربيعية...في ديمقراطية المفهوم 1

أضحى موضوع الثورات الربيعية، عفوا، بل الثورات "العربية" كما شاء له بعض الأوصياء أن يكون، موضوع استثمار وسمسرة بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين أصبحوا يعتبرون ذواتهم مثقفين، ومن ثمة أوصياء على الثقافة والمجتمع العربي. هكذا نجدهم يدافعون بكل ما أتوا من قوة على مفهوم "الثورات العربية" من دون أن يتيقنوا إلى أن المفهوم يحمل في طياته بذور القمع والتسلط ونزعة التسيد. وقد عبرنا، في مقال سابق، عن رفضنا للوصاية الفكرية والأخلاقية ولا زلنا نعلنها للجميع: نريد ثقافة بأصوات متعددة، لا ثقافة أحادية أو موحدة – موحدة بالقوة- أو ذات بعد واحد، نريد لثقافتنا أن تكون لوحة فنية مشكلة من ألوان مختلفة وليس هيمنة لون واحد على باقي الألوان الأخرى. إن التعدد يؤدي إلى التنوع وبالتالي إلى الغنى والقوة وليس إلى الانضغاط والانكماش والتقوقع على الذات. لكن لما كانت ثقافتنا هي ثقافة الشيخ والمريد ما كان لنا إلا أن ننساق، بدون وعي نقدي ولا إعمال للعقل، لنصائح الشيخ حتى ننال بركته.
إذا ما كانت الثورات "العربية"2 أعلنت عن مولدها لتحقيق الديمقراطية والمساواة والحرية...فإن تحليل المفهوم يكشف عن كونه يحمل في ثناياه نقيض ما هو معلن. إن تحليل مكبوت المفهوم يجعلنا نقف على مدى تسلط الثقافة العربية، بل ليس الثقافة فقط وإنما أيضا أوصياء الثقافة العربية وخادموها وجندها وشرطيوها، وقد يكون من نافلة القول أن الثقافة العربية هي ثقافة المطلق، أي ثقافة لاهوتية ، هذا اللاهوت الذي يمكن اختزاله في مبدأي الترغيب والترهيب.
لعل أن بوادر اللامساواة واللاديقراطية تكمن في الاصطلاح ذاته"الثورات العربية" علما أن الثورات لم تكن عربية فقط، لم تكن بصوت واحد، بل اتخذت أصواتا متعددة، أصواتا مختلفة امتزجت في سمفونية واحدة من دون أن يظهر فيها أي نشاز في نوطاتها ولا تعارض في رناتها، لكنها كانت بحق سمفونية، ذات إيقاع واحد وإن كانت آلاتها مختلفة. إن كان الأمر كذلك فما المشكلة إذن؟
إن المشكلة لتكمن في التناغم، فإذا كان الفيتاغوريون أعلنوا قبل الميلاد عن كون الموسيقى هي أصل الوجود أو العالم، ومن مزايا الموسيقى التناغم فإن الثورة"العربية" –كاصطلاح- تنقصها هذه الخاصية ، وإذا كان التناغم - حسب الفيتاغوريين- هو نتاج تناسب الأعداد فإن ما ينقص المفهوم هو هذا التناسب، هناك غياب أو تغييب للتناسب في الكم والكيف ، بحيث لا يطغى إلا عنصر أو لون واحد دون باقي الألوان الأخرى، مما يؤدي إلى تشويه وتعتيم اللوحة، فيحرمها من الاستنارة ومن ثمة من عكس الحقيقة. إذن أليس أن مفهوم الثورات "العربية" الذي يتخذ من مفاهيم : المساواة، العدالة، الحرية، الكرامة...إطارا نظريا لفلسفته يحمل في ذاته بذور الكبت والتسلط؟ فإلى أي حد يمكن الإقرار بديمقراطية المفهوم أولا ، إن كانت الديمقراطية تطال شتى الميادين، ليس المادية فقط إنما أيضا الرمزية، أو ليس أن المفكر المغربي محمد عابد الجابري قال" يجب [علينا] أن نقبلها [الديمقراطية] على علاتها وعلى فضائلها وإلا سنكون غير ديمقراطيين"3؟
ظلت الثقافة العربية، طوال تاريخها، تبحث عن الوحدة غير مكترثة للاختلاف والتعدد، لان التعدد يؤدي إلى التفرقة والفتنة، حسب اصطلاح الفكر الإسلامي السلفي، أو بمعنى أبلغ يؤدي إلى الشرك والجحود والإلحاد، بينما أن الأصل في المفهوم هو الوحدة، علما أن مفهوم الوحدة مفهوم سياسي في الأصل، مما يعني أن الثقافة الإسلامية منذ أن انطلقت في حياكة قميصها، سطرت لذاتها أهدافا سياسية وليس دينية كما هو شائع. إذن ، فهل يمكن الحكم على أن مفهوم الثورات "العربية" مفهوم سياسي؟
الإجابة: نعم. المفهوم سياسي في عمقه يتوخى عكس إيديولوجية عربية، إنه مفهوم ينزع إلى التمركز حول الثقافة. ولما كانت اللغة وجها من أوجه الثقافة ما كان لهم إلا أن يجعلوا منها المركز الذي تتصدر عنه الأنوار. هكذا إذن، فإن المفهوم، على مستوى اللغة، يعكس تناقضا صارخا في المبادئ المؤطرة لتوجه الثورة، إن جاز لنا تسميتها ثورة، هنا على المستوى اللغوي يتهاوى زعم الديمقراطية والمساواة والكرامة...فأين الديمقراطية والمساواة اللغويتين اللتين يطالب بهما أستاذنا اللساني المغربي عبدا لقادر الفاسي الفهري بالنسبة للغة العربية4، أليس أنه من الحق المطالبة بالمساواة المفهومية واللغوية، مادام ان اللغة هي هوية الإنسان، فهي تحمل التاريخ والذاكرة والأفكار والعادات والأعراف، بل اللغة – حسب الفيلسوف الألماني هيدغر – هي مأوى الوجود؟ أليس أن التسمية تحمل في تلابيبها حيفا وجورا في حق باقي اللغات كالأمازيغية والكردية والقبطية...؟ وإذا كان أستاذنا الفهري يطالب بديمقراطية لغوية ضدا على هيمنة اللغات الغربية على حقولنا الثقافية لصالح اللغة العربية، أفليس من حق باقي اللغات أن ترفع ذات الشعار لتحقيق ديمقراطية ومساواة مفهومية؟
إذا كان أستاذنا ينادي من موقعه بإنصاف لغوي، فإننا بدورنا ومن موقعنا نطالب بإنصاف مفهومي. طالما انتقدنا الثقافة الغربية الجائرة وغير المنصفة على المستوى اللغوي والثقافي أو الحضاري بشكل عام، لكن لا ينبغي لهذه الانتقادات أن توهمنا وتخدعنا وتزيح أنظارنا عن مكمن التسلط في ذواتنا.
طالما عانت الذات العربية من الانكسارات والتشققات والتصدعات إلى أن استفاقت على سمفونيات الثورات الربيعية، وهذه السمفونيات التي حاولت رتق التشققات واستصلاح الإنكسارات وبلسمة الانجراحات، إلا أن أصوات غريبة، لا نعرف من تكون ولا من أين أتت ولا طبيعة الخلفيات التي تحركها، رفعت صوت الرفض، ونادت بالتوحيد بدل الوحدة وبحق الخلاف بدل الاختلاف، رغم الاختلاف البادي بين المفهومين.
إن الوحدة لتتعارض مع التوحيد، إلى درجة تصبح العلاقة بينهما أحيانا علاقة تعارض بل وتناقض، ذلك أن التوحيد لا يكترث للاختلاف ويهمله، فهو يرتبط بالقوة والسلطة أو العنف المادي، مما يعني أن وظيفته تكمن في جعل المختلف موحدا دون الاكتراث للنسبي والخصوصي في ثقافة ما، بيد أن الوحدة على العكس من ذلك هي نتاج الاختلاف والتعدد، أي أنها تنشأ على أساس المشترك دون كبت أو رفض المختلف بل التعايش معه، لأن التعدد والتنوع هو مصدر الغنى والفاعلية والإبداعية.
وقد يكون من باب التذكير فقط القول بأن الأديان السماوية هي أديان توحيدية، اتخذت الوحدة كشعار وامتطت التوحيد كآلية ووسيلة. كلام قد يبدو مظللا إلى حد ما ، لكن لا بأس في إنارته وإضاءة بعض جوانبه.
إن الأديان التوحيدية هي كذلك لأنها قامت على توحيد الأمم، وعملية التوحيد هذه لم تتم بالعقل أو الحوار، أي لم تكن ثمرة نقاش وإقناع، وإن كان حراس الخطاب الديني يدعون العكس. وما دام أننا ورثنا أو تم توريثنا لهذا التراث الديني على المستوى الأخلاقي والاجتماعي والقيمي ما كان لنا إلا أن نتمركز حول ثقافتنا ونعمل عل توحيد المختلف والمتعدد والمتنوع، وإذا استعصى الحال قد نضطر حتى إلى تبريره شرعا، ونترك الأمر لفقهاء أو لدعاة وظيفتهم إحلال وتحريم ما يحلو لهم. إذن فلا غرابة في هذا الطرح ما دام أن ثقافتنا هي ثقافة الفقيه أو الشيخ والمريد وفق اصطلاح حمودي.
على الرغم من مرور سنة على كتابة هذا الموضوع إلا أنه يبدو لي أنه لا زال يحتفظ بنصيب من المقبولية والمصداقية، كنت اريد نشره السنة الفارطة لكن الامر لم يحدث. 1
أضع الثورات "العربية" بين مزدوجتين لأنني أرفض الإصطلاح عليها بالعربية، إنها ثورة تقال بالجمع لا بالمفرد، فهي ليست عربية فقط بل شارك فيها مجموعة من الأعراق والاجناس والاديان، شارك فيها العرب والامازيغ والاقباط والاكراد...2
عاب،محمد عابد، مواقف إضاءات وشهادات، العدد 25، ًص 112.3
الفهري، عبدالقادر الفاسي، التعدد اللساني والتحرر أولا، جريدة المساء، بتاريخ: 30-04-2012، العدد 1742. 4
عبدالفتاح السنون
أستاذ. الفلسفة، ثانوية الخوارزمي سوق السبت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.