دراسة المجتمع العميري تقديم: أولى الباحثون المعاصرون في الميدان التاريخي اهتماما كبيرا بالكتابات الجهوية الدقيقة، التي تعنى بالبحث و التنقيب في تاريخ منطقة معينة في شتى المجالات و عبر امتداد زمني طويل. و نظرا لأهمية هذه المونغرافيات في كتابة التاريخ الوطني الشمولي، فقد تعددت الدراسات و الكتابات التاريخية التي تناولت مناطق محددة من جهات مختلفة من التراب الوطني، فيما لازالت الكثير من المناطق تعرف خصاص في هذا النوع من الدراسات. و الدراسة التي نحن بصدد القيام بها، عن منطقة الكريفات التي ننتمي إليها تعتبر نموذجا لهذا النوع من الكتابة التاريخية، و على هذا الأساس جاء هذا البحث المتواضع كمحاولة نسعى من خلالها كشف و لو جزئيا عن بعض من تاريخ الكريفات التي تنتمي لقبيلة بني عمير. و قد وقع اختيارنا على هذا البحث المتعلق بدراسة المجال و السكان لمنطقة الكريفات، لدوافع ذاتية و أخرى موضوعية: أما الموضوعية فنذكر منها: - الإلمام بالمجال المدروس الشيء الذي يسر لنا سبل المعاينة الميدانية، التي كانت أساسية و ضرورية في إنجاز البحث. - أن المنطقة لا نجد عنها كتابات ودراسات خاصة اللهم بعض الإشارات التي تطرق إلها من تناول قبيلة بني عمير و المجال التادلي. - أهمية المنطقة من الناحيتين الاجتماعية و الاقتصادية داخل قبيلة بني عمير و تادلا أزيلا ل بشكل عام. أما الذاتية فتتمثل في: - الرغبة الجامحة في خوض غمار البحث الميداني والتسلح بمجموعة من الأفكار المسبقة عن تاريخ المنطقة. - انتمائي للمنطقة و حملي لهم القيام بدراسة تاريخية اجتماعية منذ كنت صغيرا، خاصة و أن المنطقة تعرف إهمالا كبير من حيث الدراسات و الكتابات المعاصرة. ولانجاز هذا البحث اعتمدنا على عدة من المصادر والمراجع بالإضافة إلى الرواية الشفوية. أما المصادر والمراجع. فقد اعتمدنا لتلك التي تعرضت لمنطقة تادلا التي كنا نجد بين ثناياه ما يشير لقبيلة بني عمير التي تنتمي إليها الكريفات. وإذا كانت المصادر والمراجع، لم تسعفنا إلى حد ما في توفير المعلومات الضرورية عن المنطقة فكان لزاما علينا التسلح بالرواية الشفوية التي شكلت في نظرنا أهم ركائز البحث، لان الذاكرة الشفوية تعتبر في الغالب السبيل الأساسي للوصول إلى سبر أغبار الذاكرة المحلية، خاصة عند الشعوب التي لم تدون تاريخها المحلي ومصدرا لاغني عنه في إطار البحث في تاريخ المجال المدروس، وقصد بلوغ هذا المسعى لجأنا إلى مسائلة كبار السن من الساكنة المحلية لأن ذاكرتهم تحتفظ بقسط وافر من المعلومات حول التاريخ المحلي للمنطقة، لكن هذا لا يمنع من القول إن توسلنا بالرواية الشفوية كان توسلا مطلقا بل ميزنا فيها الصواب من الخطأ وأضفنا إليها ما يناسب من اجتهادنا الشخصي. وقد سعينا من خلال هذا البحث الإجابة عن إشكالية أطرت منذ الوهلة الأولى مسار وتوجه دراستنا لهذه المنطقة ألا وهي إبراز خصوصيات المنطقة في فترات مختلفة في الزمان والمكان، مع تتبع لأحوالها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، حتى يتمكن الباحث والقارئ من تكوين صورة واضحة وكاملة عن المنطقة في فترات تشكلها التاريخي. وخلال مرحلة الجمع للمادة الخام لهذا البحث، اصطدمنا بمشكلة رئيسة تمثلت أساسا في ندرة إن لم نقل انعدام الكتب التي تناولت المنطقة بشكل مباشر، مما فرض علينا تصفح ثنايا بعض الكتب التي تناولت بني عمير في إطار المحيط التادلي. وقد اعتمدنا للقيام بهذه الدراسة على منهجية تقوم على دراسة متفاوتة في الزمان والمكان، إذ لم نرسم للمنطقة حدودا تاريخية محددة بذاتها لان طبيعة هي التي فرضت ذلك. و اعتبار لما سبق ارتأينا تقسيم البحث إلى فصلين بالإضافة إلى مقدمة و خاتمة. تعرضنا في المقدمة لذكر الأسباب التي كانت وراء اختيار البحث، مع الإشارة للمشاكل التي اعترضت طريقنا أثناء القيام بهذا البحث. تطرقنا في الفصل الأول للمعطيات الطبيعية و البشرية، و قسمناه إلى مبحثين تناولنا في الأول منه للمعطيات الطبيعية من موقع و تضاريس و مناخ و شبكة مائية... فيما تناولنا في المبحث الثاني الخصائص التاريخية و البشرية التي تمكن من فهم السيرورة التاريخية للمنطقة، من أصل التسمية و أصل السكان و التركيبة البشرية و طريقة انتظامها داخل المجال. خصصنا الفصل الثاني لدراسة الحياة الاقتصادية و الاجتماعية عبر امتدادها الزمني منذ وصول القبائل الهلالية حتى اليوم، و تناولنا في المبحث الأول الحياة الاقتصادية من فلاحة و صناعة و تجارة، وفي المبحث الثاني عرضنا للحياة الاجتماعية للكريفات، حيث اتبعنا فيه أسلوبين الأول الوصفي وصفنا فيه الخدمات و المرافق الاجتماعية. و الثاني تحليلي حللنا فيه العلاقات و الفئات المكونة للمجتمع الكريفي. الخاتمة جعلناها كخلاصة لمجموع الاستنتاجات التي خرجن بها جراء القيام بهذا البحث. الفصل الأول: المعطيات الطبيعية و التاريخية المبحث الأول: الاطار الجغرافي الموقع: إذا كانت الكريفات جزء من سهل بني عمير فلابد من تحديد المجال العميري الواسع أولا، من اجل توطين منطقة الكريفات داخله ثانيا. فأين تقع بني عمير، وماهي حدودها الجغرافية؟ تقع قبيلة بني عمير في الجهة الغربية لسهل تادلا أو ما كان يطلق عليه بتادلا السفلى، تحدها قبيلة بني موسى من الجنوب و ورديغة من الشمال وايت الربع من الشرق وقبائل بني مسكين من الجهة الغربية. وتنقسم إلى قسمين: بني عمير غربية وتضم فرق بني شكدال وبني وكيل وأولاد علي الدهيرات ...وبني عمير شرقية:وتضم البرادية والخلفية و الكريفات التي تهمنا.فأين تقع وما هي حدودها وطبيعة تضاريسها؟ تقع الكريفات وسط سهل بني عمير كحد فاصل بين بني عمير الشرقية و بني عمير الغربية، حيث تحدها من الجهة الشمالية كل من جماعة الخلفية و جماعة أولاد عزوز. ومن الجنوب جماعة أولاد زمام وجماعة بني شكدال. أما من الشرق فتحدها جماعة أهل الربع ومن الغرب جماعة بني وكيل. وهي تابعة إداريا لإقليم الفقيه بن صالح المستحدث سنة 2009. وتنبغي الإشارة إلى أن هذه الجماعة لا تشكل تجمعا سكنيا واحدا، بل هي عبارة عن عدة تجمعات سكنية: دواوير تمتد على شكل حزام دائري يحيط ببلدية الفقيه بن صالح. التضاريس: من حيث الإطار الجغرافي وطبيعة التضاريس تتشكل جهة تادلا ازيلال من مجموعتين طبيعيتين أساسيتين وهما السهل و سلاسل جبلية يتوسطها مجال يعرف بالدير. والجدير بالذكر أن السلاسل الجبلية هي المهيمنة على مجال جهة تادلا ازيلال وتمتد على شكل حزام في القسم الجنوبي للجهة، فيما يمتد سهل تادلا على شكل حوض عند قدم السلاسل الجبلية، و لكون الكريفات تنتمي لسهل تادلا فهي كذلك تتميز بسهولة و انبساط تضاريسها التي تتشكل من وحدة تضاريسية وحيدة و المتمثلة في السهول الرسوبية و التي يتراوح ارتفاعها ما بين 400 و 420 متر على سطح البحر. المناخ : فيما يخص المناخ فجماعة الكريفات لا تخرج عن المجال الذي تنتمي إليه و المحصور بين السلاسل الجبلية من الجهة الجنوبية و هضاب الفوسفاط من الجهة الشمالية، حيث يسود المناخ شبه الجاف المتميز بشدة البرودة شتاء إذ تصل فيه الحرارة إلى 5 درجات أثناء فصل الشتاء، و شدة الحرارة صيفا إذ تتعدى درجة الحرارة خلال منتصف النهار45 درجة. كما يتميز بعدم انتظام التساقطات التي لا تتعدى 300 ملم، و من خلال التوزيع المجالي لكمية الأمطار المتساقطة يلاحظ أن الفترة الممطرة تمتد من أكتوبر إلى ماي، في حين تمتد الفترة الجافة ما بين يونيو و شتنبر. تنبغي الإشارة إلى ظاهرة غريبة تجتاح المنطقة أثناء فصل الصيف و الخريف و هي ظاهرة العجاج، و هي عبارة عن رياح قوية تحمل معها الكثير من الأتربة، تهب على الخصوص من الجهة الشمالية في اتجاه الجنوب و تنطلق ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال و تستمر حتى الثامنة مساء. و هي الظاهرة التي كان قد أشار إليها شار دوفوكو أثناء زيارته للمنطقة و هي لازالت كما وصفها لنا حتى يومنا هذا. الشبكة المائية: إن الحديث عن الشبكة المائية يحيلنا للحديث عن مصادر المياه السطحية و الجوفية، و منطقة الكريفات تتوفر على موارد مائية سطحية و باطنية مهمة، فيما يخص الموارد السطحية يعتبر واد أم الربيع و سد تادلى التلي أهم المصادر المائية، رغم أنهما لا يوجدان فوق أراضي الجماعة إلا أنها تستفيد منهما النشاط الفلاحي عن طريق قنوات الري الانحداري. و نظرا للموقع الجغرافي المتميز تتوفر الكريفات على خزانات مائية مهمة مشكلة بذلك احتياطا مائية كبيرا نظرا للثروة الباطنية التي تشكل موردا استراتيجيا نتيجة انتشارها المجالي و قلة الاستثمارات لأجل تعبئتها، رغم هذا تجدر إشارة إلى أن الفرشة المائية ابتعدت عن سطح الأرض نظرا لقلة التساقطات. التربة و الغطاء النباتي: التربة: لمعالجة هذا الموضوع لا ينبغي فصل التربة الموجودة بمجال الكريفات عن سهل بني عمير، فهذا الأخير تتكون تربته من طبقة سميكة من الرواسب المنحدرة من الهضاب و السفوح المجاورة للسهل. و يوضح الجدول التالي أهم المكونات التي تتحدد بها تربة أراضي بني عمير و معها أراضي المجال المدروس النسبة مكونات التربة 35 كالسيوم نيزيوم 30 كميات متساوية من الذبال 12 أكسيد نصفات الحديد 23 مواد مختلفة 100 عموما يمكن حصر أنواع التربة الموجودة بالمجال في نوعين: 1- تربة بياض: وهي تربة بيضاء تتوزع بشكل كبير في مجموع الأراضي الممتدة في شرق المجال الكريفي. 2- تربة الحمري: تربة قريبة من اللون الأحمر و هي تربة خصبة و تسود في الشمال و الغرب . الغطاء النباتي: يتميز سهل بني عمير بغطاء نياتي ضعيف نظرا لعوامل مناخية صعبة كارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف و توالي سنوات الجفاف. ومجمل ما يتم تسجيله هو وجود شجيرات السدرا و التزغا و الشدير و تازمورت و الزريكة. فهذا النوع من النباتات يتحمل درجات الحرارة، وشكل على الدوام مصدرا للماشية. و تجدر الإشارة الى أن عمليات الحرث و استغلال الأراضي يعجل من اندثار و انقراض العديد من النباتات و الشجيرات، فدورة الحرث الموسمية تجعل الأرض خالية باستثناء فصل الربيع الذي تتنوع فيه النباتات و الأعشاب. و غير بعيد عن المجال و بالضبط بالمنطقة التي يمر منها نهر أم الربيع، يتميز الغطاء النباتي بنوع من الوفرة، و ذلك على طول ضفاف النهر حيث تنشر الأشجار المتنوعة من نخيل و دفلى و صفصاف و طارفا و نبات السمار و الخرواع... و أشار الرحالة الفرنسي ايتيان ريشيت الذي مر من المنطقة سنة 1902" كان أهم توقف لنا منذ رحلنا من مكناس بتادلا على ضفاف وادي أم الربيع...كانت جذوع النخيل و أشجار الدفلى من محيط القرية الزيدانية حيث وضعنا رحالنا تحث ظلال الأشجار الوارفة و الحمام يهدر فوق رؤوسنا." لائحة المصادر و المراجع المعتمدة: لائحة المصادر ابن خلدون أبو زيد عبد الرحمان بن محمد ، تاريخ ابن خلدون، المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربرو من عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، المجلد السادس، الطبعة الثانية، بيروت : دار الكتب العلمية. ابن خلدون ، مقدمة ابن خلدون. أبو العباس أحمد خالد الناصري، الاستقصاء لأخبار دوا المغرب الأقصى، الجزء الثاني. علي ابن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب و تاريخ مدينة فاس . ابن عذاري المراكشي أبو العباس أحمد ابن محمد، البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب، الجزأ الثاني، طبعة بيروت دار الثقافة، 1983. الافراني نزهة الحا لائحة المراجع: الحوار الوطني حول اعداد التراب الوطني عناصر تمهيدية مديرية اعداد التراب الوطني، عكاظ الرباط قاسمي محمد أحمد ، تاريخ قبيلة بني عمير و المحيط التادلي، الطبعة الأولى 2005. ايتيان ريشيت، رحلة إلى مراكش الحسين أبو القطيب، جوائح و أوبئة. بول بريفول، معجزة الري. بول باسكون، الأساطير و المعتقدات بالمغرب، مجلة بيت الحكمة، العدد الثالث السنة الأولى، أكتوبر 1986. منغرافية الكريفات. إعداد:فتح اللح الحديوي و هشام الخرقي/ إشراف:الشراضي عبد الغاني.