لا أدري هل الصواب أن نرفع سقف نضالنا وندبر إكراهاته وتحدياته، أم إن الصواب أن نخفض هذا السقف ونبحث له عن تبريراته ومسوغاته. فرغم انتمائي إلى حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه، وغيرتي عليه ونضالي داخله وحرصي على تميزه وسمعته، فإن ذلك لن يمنعني من نصح قادته والتعرض عليهم بالنقد والملاحظة، ولعمري إن أسلوب الحزب في تدبير بعض الملفات الحارقة والشائكة – في السنوات الأخيرة – كان فيها أقرب إلى تخفيض سقف النضال والبحث عن تبرير يداري فيه ضعفه وسقوطه منه إلى تحدي إكراهات الواقع السياسي مع الدولة، وصعوبة الموقع الرئاسي داخل الحكومة. لقد استعمل بعض قادة وزعما الحزب بعض العبارات والمفاهيم والمصطلحات الجديدة في اتجاه إعادة تشكيل العقل المغربي وإعداده لتقبل مجموعة من التنازلات والسقطات التي وقع فيها الحزب. وإن إعادة تشكيل العقل المغربي هو أخطر من التنازل أو السقوط نفسه، ذلك أنه إذا كان أمد التنازل والسقوط وقتي أو ظرفي، فإن أمد إعادة تشكيل العقل طويل، وتأثيره عميق، وانتشاره واسع، ونتائجه في غاية الخطورة. ومن هذه المفاهيم والعبارات التي استهدفت مؤخرا العقل المغربي عامة، ومناضلي الحزب خاصة من أجل إعادة تشكيله ما يلي: 1/ إن هذا القرار جاء في سياق معين وفي ظروف خاصة: 2/ لا يجب على الحزب أن يصطدم مع الدولة أو يعارض قراراتها واختياراتها… 3/ الحزب جزء من كيان الدولة فلا يمكن أن يخالفها أو يعارضها… 4/ لقد تم القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والممارسات التي فيها بعض الانتهاكات تبقى محدودة وفردية ولا يجب تضخيمها… وغير ذلك من العبارات والمفاهيم الجديدة لا يتسع المقام لحصرها … كل هذه العبارات والمفاهيم الغريبة تلعب دور غسل دماغ الأعضاء والشباب وتجفيفه من مفاهيم المقاومة والممانعة بكل أشكالها، والتأقلم مع واقع سياسي يرتكس سنوات إلى الوراء، وإحلال قيم نضالية جديدة تحدد سقفا منخفضا من النضال، ومجالات محددة وضيقة تكون موضوع نقاش أو انتقاد أو اعتراض… إذا "اضطر" بعض قادة الحزب تقديم تنازلات تحت مسمى "الواقعية السياسية"، وإذا خضعوا أو أُخضِعوا على اتخاذ قرارات ضدا على مبادئ الحزب التاريخية وهويته الثقافية ونضاله السياسي الذي كان يقوده "صقور الحزب" سابقا، الذين كانوا بالأمس القريب في الصفوف الأمامية ضد حملات التدجين الثقافي والتمييع السياسي والفساد الاقتصادي والانتهاك الحقوقي والتطبيع الصهيوني … فلا يجب أن يضيقوا الخناق على بعض المناضلين الذي قرروا تذكير هذه القيادات بذلك التاريخ التليد، الذين أرادوا القبض على جمرة تلك المبادئ والحرص على عدم انطفاء جذوتها، وإعادة إشعالها من جديد مع جيل جديد.. لابد أن يبقى نفس المقاومة السياسية والحقوقية يسكن نفوس الأعضاء – خاصة الشباب – ضد أي محاولات التطويع والتطبيع مع واقع سياسي يزداد تمييعا، وواقع حقوقي يزداد اختناقا، وواقع أمني يزداد انتهاكا، وواقع اقتصادي يزداد فسادا وتأزما، وواقع اجتماعي يزداد احتقانا وترديا. كل المؤشرات تشير إلى أن المستقبل غامض، والمصير مجهول، والحلول عسيرة، والانفراج بعيد… وإذا أخذ منكم التعب – أيها القادة والزعماء – مأخذه، وأضناكم ثقل المسؤولية، وأنهكتكم جسامة المهمة، وأعيتكم المقاومة أو لم تجدوا فيها فائدة، فعلى الأقل اتركوا الجيل الجديد يبحث عن حل له ولواقعه ومستقبله، أو خذوا من الصمت حكمة.