تحت عنوان "زوكربيرغ، ترامب والاحتجاج: تحول فيسبوك المرتبك" أعدته حنا ميرفي لصحيفة "فايننشال تايمز"، جاء أن مدير شركة فيسبوك الذي يبدو بوجه صبي، مارك زوكربيرغ، أخبر عددا من المستثمرين العام الماضي في كشف نادر أنه لم يعد يهتم إن أحبه الناس أم كرهه. وبدلا من ذلك قال لهم إنه يرغب "بفهم" الناس له. و"من أجل تكون محلا للثقة يحتاج الناس لمعرفة أين تقف". ووجد مدير "فيسبوك" في وباء فيروس كورونا فرصة للتعبير عن موقفه وكسب احترام الناس من جديد، وحاول استخدام الأزمة لإعادة تأهيل صورة "فيسبوك" والقضاء على الصورة التي انطبعت في أذهان الناس أن محتويات المنصة الاجتماعية تسهم في تسميم الحياة السياسية. وكان زوكربيرغ وعلى المستوى الشخصي المحسن الكريم حيث بث حوارات مهمة مع الخبراء وتبرع من أجل توفير الأقنعة وجهود الإغاثة لمواجهة الوباء. وفي اجتماع للمساهمين الافتراضيين بالشركة قال لهم إن مهمتها لم تعد "ربط الناس" بل المساعدة في دعم جهود "الرد الصحي" من خلال توفير المعلومات والمساهمة في تعافي الأعمال التجارية الصغيرة من خلال توفير القروض والبيانات عبر الإنترنت، إلا أن جهود العمل الخيري لمواجهة وباء كورونا لم تكن كافية لتحسين الصورة، والسبب يكمن في علاقة الشركة مع أقوى رجل في العالم. فقد واجه زوكربيرغ أكبر فحص وإن كان عليه اتباع مسار منافسته شركة "تويتر" في رفض رقابة ومنع تغريدات الرئيس دونالد ترامب المثيرة للانقسام أو التي تخالف قواعد النشر في الشركة. وكان رد مدير "فيسبوك" على ما ينشره ترامب على صفحته في "فيسبوك" هو عدم التحرك متعللا بحرية التعبير. ومثل بقية وسائل التواصل الاجتماعي يخشى زوكربيرغ الانجرار إلى الخلافات السياسية قبل ما يعتقد أنها من أكثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية المثيرة للاختلاف في التاريخ الحديث. وقرر زوكربيرغ الابتعاد عن فحص محتويات الإعلانات السياسية. وتخشى الصناعة من إغضاب ترامب الذي سيجد مبررا في اتهام منصات التواصل الاجتماعي بالتحيز ضد الجمهوريين وأمر بمراجعة قانون 1996 الذي يمنح شركات التواصل الحصانة من المحاكمة حول المحتوى الذي تنشره. وأثنت المجموعات المحافظة على قرار زوكربيرغ عدم متابعة مسار "تويتر" التي قررت تصحيح ومنع ما يكتبه ترامب ويكون مخالفا لسياسات المنصة. إلا أن عددا من النقاد المتزايدين الذين اتهموا الشركة بتغليب الربح على المبادئ وما تتسبب به من ضرر على الديمقراطية كان صائبا إلى حد كبير. وقال روجر ماكنامي، المستشار السابق لزوكربيرغ والذي تحول لناقد كبير لسيلكون فالي: "ما تقوم به شركة "فيسبوك" هو قرار تجاري محض"، وأضاف أن شركة "فيسبوك" واسعة الانتشار و"لهذا يجب أن تصطف مع السلطة حتى تبعد المخاطر السياسية عن التجارة، وهو ما يخلق موضوعات كبيرة لأن تأثير "فيسبوك" على الحوار الوطني عظيم". وعانت شركة "فيسبوك" من عام متقلب حيث تراجعت أسهمها في بداية أزمة كورونا لكنها استعادت أسهمها في الشهر الماضي من خلال إعلانها عن التجارة الإلكترونية ودكاكين "فيسبوك" التي يقول "دويتشه بانك" إنها فرصة قد تعود على الشركة ب 30 مليارا في العام. ومع بطء التطور في الدول المتقدمة كانت الشركة مشغولة بتنويع استثماراتها في الأسواق الصاعدة باستثمارات كبيرة في الهند وإندونيسيا. ورغم تأثر الإعلانات بالوباء إلا أن استخدام المشاركين في المنصة زاد بسبب الإغلاق. وفي الوقت نفسه وطد زوكربيرغ من سلطته داخل الشركة حيث استبدل مؤسسي كل من "واتس آب" و"إنستغرام" بمدراء يثق بهم. وهو ماض في خططه لدمج التطبيقات الثلاثة بواحد مترابط يتم فيه تشفير كل الرسائل وإضافة أدوات للدفع. فكاست كعنوان أو محور للخصوصية سيقدم "فيسبوك" خطوة واحدة إلى "التطبيقات سوبر" المعروفة في آسيا مثل "ويتشات" والتي لا يحتاج فيها المستخدمون لترك المنصة وإرسال الرسائل أو دفع المال أو التسوق، بشكل يمنح الشركة بيانات مهمة تغذي من خلالها نموذجها الإعلاني. إلا أن نجاح هذا يعتمد على قدرة زوكربيرغ تقوية صورته العامة والتي تلقت ضربة بعد الكشف في عام 2016 عن التدخل الروسي في الانتخابات الروسية وتسريبات كامبريدج أنالتيكا. ورغم عدم تأثر موقعه كرئيس ومدير تنفيذي ومساهم مسيطر إلا أن قراره عدم التدقيق فيما ينشره ترامب من محتويات أدى إلى نوع جديد من النقاد وهم العاملون معه. ومع بدء التظاهرات احتجاجا على مقتل جورج فلويد في مينيابوليس كتب ترامب تغريدة ورد فيها: "عندما يبدأ النهب يبدأ القتل" وهي عبارة مستعارة من تصريحات رئيس شرطة ميامي في مواجهة الاضطرابات في ستينات القرن الماضي. وقامت شركة "تويتر" التي اتخذت قرارا لفحص محتوى تغريدتين له، بإضافة تصنيف جديد للتغريدة الأخيرة "تمجد العنف". وعندما ظهر نفس التعبير على صفحة ترامب في "فيسبوك" رفض زوكربيرغ التحرك حيث قال إن على الشركات الابتعاد عن لعب دور "المحكم". وفي لقاء افتراضي مع موظفي الشركة اتسم بالتوتر أخبرهم أنه لا يعتقد بوجود تاريخ عن قراءة العبارة كرسالة تدعو للعنف. ولهذا السبب لم تخرق القواعد. وحظي موقفه بدعم من اليمين المحافظ. وبحسب جيسي بلومنتال، نائب مدير سياسات الإبداع في مركز "ستاند تاغذر" والمرتبط بالملياردير المحافظ تشارلز كوتش، فإن فحص المعلومات لا يمكن تحديده ويحتاج لقدرات لوجيستية. وقال: "يبحث مستخدمو "فيسبوك" عن أحد لينوب عنهم في محاسبة السياسيين". و"لكنها عملية حمقاء فلا يمكنك الحصول على تكنولوجيا تحل المشاكل بكبسة زر. وفي النهاية فالساسة هم المسؤولون عن أعمالهم لا الوسيلة التي يستخدمونها". إلا أن ردة الفعل الداخلية كانت سريعة وحاسمة حيث قامت أعداد من 50.000 موظف وبعضهم في مواقف بارزة بالاحتجاج علنا عبر "تويتر" وانتقدوا المدير للسماح للرئيس كي يستخدم المنصة كأداة للتحريض على العنف. وقال أحد الموظفين: "بصراحة، لماذا لا يزال هذا الرجل في مكانه؟ ويجب على المدراء التنفيذيين اتخاذ قرارات تتعلق بسياسة المحتوى"، وأضاف أن "مارك لا يقوم بعمل جيد، وهو بحاجة للجلوس وأن يكون متواضعا وتقوية أحد يمكنه العمل". وقام عدد من الموظفين بتنظيم خروج من العمل عبر المجال الافتراضي، فيما هدد آخرون بالاستقالة وفعل بعضهم. ونشر موظفون سابقون رسالة غاضبة. وقال موظف في فيسبوك إن المزاج في داخل الشركة كان متمردا. وقال تيموتي أفيني، المهندس الذي قرر الاستقالة بسبب موقف زوكربيرغ: "رأيت أكثر من مرة أن مارك لا يلتزم بمبادئه. وأخبرنا زوك مرة بعد الأخرى أنه لن يتم التسامح مع دعوات العنف حتى لو كانت من رئيس الولاياتالمتحدة". وكان رد زوكربيرغ بنشر منشور تعهد فيه بمراجعة سياسات المحتوى المتعلقة بتهديدات العنف ومراجعة عمليات اتخاذ القرارات والبحث عن خيارات مثل إضافة تحذيرات لتصنيف المنشورات، إلا أن منشوره افتقد للتفاصيل المحددة. ويرى بول باريت نائب مدير مركز ستيرن للتجارة وحقوق الإنسان بجامعة نيويورك أن الاضطرابات داخل الشركة نابعة من الوضع المحرج الذي وجدت نفسها فيه. ومثل بقية العاملين في شركات التكنولوجيا لم يرغب العاملون فيها الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ وفي الحرب ضد الظلم. وفي الوقت نفسه تواجه الشركة الضغط من إدارة ترامب والتي نشرت معلومات مثيرة للشك حول منشأ فيروس كورونا. ولا تعتبر الأزمة مهددة لزوكربيرغ إلا أنها قد تدفع بأعداد من المشاركين على المنصة وعددهم 2.6 مليار شخص خاصة الشباب للبحث عن منابر أخرى. وهناك أعداد كبيرة باتت تبحث عن منصات مثل تيكتوك. وقال: "الخطر الرئيسي هو الشعور بالخيبة بين قطاع الموظفين" و"على المدى البعيد، وهو الأهم في هذا السياق، وهم المستخدمون الذين يساندونك. وشركة "فيسبوك" اليوم قد تبدو أثرا من الماضي غدا لو لم تتواءم مع مشاعر المستخدمين". ويقول سيفا فيداياناثان المحاضر في علوم الميديا بجامعة فيرجينيا: "لم يكن مارك زوكربيرغ مستعدا للدفاع عن مصالح مستخدمي فيسبوك ويغلبها على مصالح دونالد ترامب". ويشير الكثيرون إلى أن المخاوف من قوانين مكافحة الاحتكار والخصوصية حول العالم هي ما يدفع الشركة لعدم التحرك، إلا أن فيداياناثان يرى أن فيسبوك تواجه مشكلة أعمق من قادة أقوياء مثل ترامب والفلبيني رودريغو دوترتي والبرازيلي جايير بولسونارو. وتأتي المشكلة في وقت تحاول فيه شركة "فيسبوك" ترضية طرفي النزاع السياسي الأمريكي، فمن جهة تتعرض الشركة لنقد ناشطي حقوق الإنسان الذين يتهمونها بعدم عمل اللازم لفحص المحتويات السياسية المضرة. وفي الوقت نفسه كافحت الشركة لتبديد الصورة عنها أنها تحاول تشجيع الخطاب الاستقطابي كإستراتيجية لحث النقاش وتوليد الدعايات. وفي خطاب ألقاه العام الماضي بجامعة جورج تاون قال إنه رأى أدلة عن تشجيع الإنترنت الاستقطاب السياسي مدافعا عن نموذج "فيسبوك" وأنه مصمم لعدم تشجيع المحتويات الداعية للاستقطاب. ولم يحظ هذا الكلام بدعم حتى من العاملين المخضرمين في سيلكون فالي. وقال مدير سابق: "تريد المنصات نزاعات كبيرة وتريد دفع المستخدمين لمشاهدة الإعلانات، وتزيد من ثمن الإعلانات"، وأضاف: "عادة ما تحقق المنصات عشرات الملايين بالدقيقة وأحيانا تصل إلى مئات الملايين في فترات الذروة هذه". وتقول شركة فيسبوك إنها اتخذت الإجراءات لمنع الاستقطاب من ناحية الحد من الإعجاب بالصفحات والجماعات التي تخرق القواعد بشكل مستمر. وفي الوقت نفسه تحاول شركة "فيسبوك" الحفاظ على السلام مع ترامب الذي يتهم شركات التكنولوجيا بأنها تدار من موظفين ليبراليين لا يحبون المحافظين. وهناك أدلة على انشغال زوكربيرغ بهذا، ففي كتاب "فيسبوك: القصة من الداخل" كتب الصحافي ستيفن ليفي أن الشركة التزمت الصمت حول الأدلة للتدخل الروسي في انتخابات عام 2016 حتى لا تغضب الرئيس المنتخب. وفي الفترة الماضية دعي زوكربيرغ لحفلات عشاء وتلقى مكالمات من الرئيس إلى جانب بيتر ثيل المستثمر المعروف وأحد أعضاء مجلس إدارة فيسبوك والمعروف بتبرعاته الكبيرة لحملة ترامب. وعندما قررت "تويتر" مراقبة محتويات تغريدات ترامب أوكلت به فريق السلامة والثقة المسؤول عن حماية المستخدمين على الإنترنت. وهذا مقارنة مع شركة فيسبوك التي وقع فيها زوكربيرغ على القرار الذي أعده فريق ضم مونيكا بيكرت المسؤولة عن سياسات تحكيم محتويات المنصة وجويل كابلان المسؤول عن السياسة العامة للشركة في واشنطن والذي يتواصل مع السياسيين وأهم جمهوري فيها. وقال أليكس ستاموس المسؤول السابق في الشركة والأستاذ حاليا بجامعة ستانفورد: "المشكلة الجوهرية في فيسبوك هي أن مجموعة واحدة مسؤولة عن القواعد للمنصة وإرضاء الحكومة".