موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصيد: تخصصت في غسل الأواني وأسجل موالا مع ابنتي
نشر في فبراير يوم 25 - 04 - 2020

هو مفكر فوق العادة. قد لا يتقاسم معه الكثيرون نفس الرأي، لكنه لا ينفك يناقش ويجادل ويقارع، حتى أولئك الذين يسبقون إلى تكفيره، قبل الانصات إلى فكرته، التي يكون جوهرها تنموي ديمقراطي.
في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ بلادنا، تحدث الأستاذ عصيد في حوار مطول عن إكراهات الجائحة، وعن يومياته في الحجر الصحي، وصوّر لنا كيف يسجل موالا أمازيغيا رفقة ابنته التي تشق طريقها كصحافية لامعة في المعهد العالي للصحافة في الرباط.
يقول بالحرف: » قد كنت دائما أقول شخصيا بأن من أسوأ ما تسبب فيه الإسلام السياسي فكرة إمكان استعمال الدين في كل شيء مكان العلم والعقل وقيم المواطنة، وقد تورطت الدولة نفسها في ذلك بغرض المزايدة على التيار المتشدد، فتناسلت أعداد المساجد والزوايا والأضرحة، وهجرت المدارس والمعامل وأفلست المقاولات، فأصبحنا أمام مشهد كئيب عنوانه التخلف والانحطاط الشامل. اليوم في هذا الظرف العصيب احتاجت الدولة إلى مواطنيها وإلى مغاربة وطنيين، فلم تجد مجتمعا مساعدا على تدبير حالة الوباء بالالتزام والانضباط الضروري، لأنها لم تصنع ذلك من قبل، لقد حقنت الناس بكميات كبيرة من المخدر الديني، وعندما احتاجت إلى وعي المواطن وإلى التفكير العلمي والواقعي واجهها الناس بالدين وبالنزعة السلفية التي غذتها من قبل. »
عن النزعة القدرية وعن أسئلة جائحة كورونا وما بعدها، التي تطرح نفسها على المثقف، وعن تغيير العلاقة بين السلطة والمجتمع، وجعلها علاقة تعاقد جديد مبني على احترام القانون وعلى المبدأ الذي يقول إن مهمة الدولة خدمة مواطنيها وحمايتهم. عن كل هذا فتح لنا الأستاذ عصيد قلبه في حوار مطول. قراءة ممتعة.
باتت حياة المغاربة لا تطاق لا عمل، لا مسجد، لا مقهى، لا زيارة الأقارب والأصدقاء، لا تمارين بدنية، لا مشاهدة مباراة كرة قدم … لم تعد الجمعة يوم جمعة، ولا الأحد يوم أحد، ولم يعد أي معنى ل « عطلة نهاية أسبوع سعيدة ». لم يعد للزمن إيقاع، كمفكر مغربي، كيف تقرؤون الوضع، خصوصا، حينما يتعلق الأمر بأسر تعيش في غرفة واحدة في دور الصفيح وفي السكن الاقتصادي أو العشوائي؟
الوضع غير مسبوق ليس للمغاربة فقط بل لجميع سكان الأرض، فنحن أمام حجر صحي يطال ما يقرب من أربعة ملايير من البشر، وهذه وضعية فريدة من نوعها في تاريخ الإنسانية، وتقتضي تفكيرا مغايرا كليا لما كنا ندبر به وضعيتنا السابقة في الأيام العادية. لقد تعود الناس على عاداتهم اليومية، في أنماط حياة متباينة، وهي اليوم عادات موقوفة التنفيذ إلى أجل لا أحد يستطيع تحديده بنوع من الجزم واليقين، وخاصة أن من تلك العادات ما يلعب دور التوازن النفسي بالنسبة للكثيرين مثل المسجد والبار والمقهى والحدائق، والأصعب هي وضعية الذين هم بحاجة إلى دخل يومي وإلا سيجدون أنفسهم بلا قوت، ومنهم الباعة المتجولون واليد العاملة في المهن الحرة والفنانون الشعبيون البسطاء، طبعا من أسباب الشقاء عدم تقبل الوضع، فالمطلوب أن يتفهم المواطنون الحالة القهرية التي يفرضها الحجر الصحي باعتباره حاليا الحل الوحيد لإنقاذ حياتهم في غياب اللقاح الفعال، كما أن من الضروري أن تعمل الدولة على تزويد العائلات التي تعاني من الهشاشة بما يلزم من ضروريات الحياة، مع العلم أن الجانب النفسي له دور كبير في الشعور بالطمأنينة، ما يجعل الفضاء المنزلي مساعدا أو غير مساعد على التأقلم مع الوضع الجديد، فالكثير من العائلات الممتدة و المتعددة الأفراد كانت تعتمد على النهار في توازنها الاجتماعي حيث يتفرق أعضاؤها خارج البيت، الذي لا يسع الجميع في نفس الوقت. واضطرارهم إلى المكوث جميعا في البيت في الآن نفسه يشكل وضعا لا يطاق، ما يفسر عدم التزام الكثير من سكان الأحياء الفقيرة بالحجر الصحي، هذا بجانب ضعف الوعي المواطن الذي من المفروض أن يفهم قرارات الدولة في إطار معنى الصالح العام وليس القهر والغلبة.
الدين خلق ارتباكا وكان من الصعب خلق قطائع، وهذا ما شاهدناه مع مغاربة خرجوا في فاس وطنجة لقراءة اللطيف، واكتظوا في مسيرات، عوض التزام الحجر الصحي، وهو الأمر الذي سبقته تصريحات شيوخ سلفيين، هل تعجز البراغماتية والرغبة في الحياة عن وقف النزيف؟
هذه الظاهرة لا تعود إلى أسباب دينية فقط، خاصة وأن الدين يستعمل اليوم في الكثير من المآرب غير الدينية، هناك سبب اجتماعي يتمثل في مهن ثلاث فئات متضررة من الحجر الصحي: فئة خطباء المساجد الذين لم يتقبلوا الوضع الجديد الذي فرض إغلاق المساجد وفض التجمعات التعبدية، التي كانوا يشعرون خلالها بممارسة وصايتهم على عقول الناس، فئة « الرقاة الشرعيين » الذين يقتاتون من الشعوذة والخرافة والهشاشة النفسية لغالبية المواطنين البسطاء، هؤلاء الرقاة وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة الوباء المعولم، الذي لا يمكنهم أن يزعموا قدرتهم على مواجهته بالرقى والتعاويذ، وهذا أضعف من قيمتهم في أعين الناس، كما أن الحجر الصحي جعلهم تقريبا بدون عمل، والفئة الثالثة هم الباعة المتجولون الذين لم يتقبلوا قرار الدولة الذي يناقض تماما مصلحتهم، هذه الفئات الثلاثة هي التي تزعمت العصيان السلفي بالشمال، وقد كنت دائما أقول شخصيا بأن من أسوأ ما تسبب فيه الإسلام السياسي فكرة إمكان استعمال الدين في كل شيء مكان العلم والعقل وقيم المواطنة، وقد تورطت الدولة نفسها في ذلك بغرض المزايدة على التيار المتشدد، فتناسلت أعداد المساجد والزوايا والأضرحة، وهجرت المدارس والمعامل وأفلست المقاولات، فأصبحنا أمام مشهد كئيب عنوانه التخلف والانحطاط الشامل. اليوم في هذا الظرف العصيب احتاجت الدولة إلى مواطنيها وإلى مغاربة وطنيين فلم تجد مجتمعا مساعدا على تدبير حالة الوباء بالالتزام والانضباط الضروري لأنها لم تصنع ذلك من قبل، لقد حقنت الناس بكميات كبيرة من المخدر الديني، وعندما احتاجت إلى وعي المواطن وإلى التفكير العلمي والواقعي واجهها الناس بالدين وبالنزعة السلفية التي غذتها من قبل.
جولة في بعض الأحياء الشعبية، تؤكد أن مجموعة من المغاربة يرفضون الامثتال للحجر، بدعوى « موتة واحدة اللي كاينة »، ربي غادي يحمينا.. ماعيشينش ما عيشينش.. أي ايديولوجيا أي فكر وأي حل يمكن أن يكون ناجعا لتغيير سلوك مغاربة يرفضون الحجر؟
النزعة القدرية من أخطر وأسوأ ما زرعته الأشعرية في نفوس المسلمين السنة منذ 1200 عام، أي منذ أن حكمت الخلافة الإسلامية على العقلانية المعتزلية بالانقراض، وشجعت الأشعرية التي وافقت توجهاتها السياسية، حيث من خلال تفسير عقيدة القضاء والقدر خيره وشره بأنها تعني انعدام إرادة الإنسان أمام الإرادة الإلهية، التي تتدخل في كل جزئيات الكون والسلوك البشري، فتحت الباب على كارثتين اثنتين: الأولى هي نزعة اغتيال فكرة الحرية وإشاعة التواكل التام وعدم الإيمان بأن الإنسان قادر بإرادته على اختيار مصيره بنفسه، والثانية إنكار العلوم وعدم قبول استقلالية العقل المفكر والمبدع، فالنزعة القدرية ادت إلى إنكار « السببية » التي هي أساس التفسير العلمي للظواهر، وكانت الكارثتان معا من أكبر أسباب تخلف المسلمين وانحطاطهم، والعكس تماما بالنسبة للغرب فانتصار مسلسل العلمنة وتعظيم الإرادة الإنسانية ورد الاعتبار للعقلانية العلمية وللحرية والمساواة جعل دينامية الخلق والإبداع تنطلق بقوة. فالمواطنون الذين يقولون « لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا » يعتقدون فعلا بأن كل جهود البشر لا طائل من ورائها أمام ما هو مقدر سلفا، وهذا ساهم بشكل كبير في إضعاف حملة الدولة التي اعتمدت معطيات الطب والعلوم والتحسيس العصري. كما خلق هذا ارتباكا كبيرا واضطرابا لدى التيار الإخواني المشارك في الحكومة، حيث ظل ممزقا بين قناعاته الإيمانية وقرارات الدولة وتدابيرها الإجرائية، ويتجلى هذا الارتباك في التناقض الموجود بين تصريحات العثماني بوصفه رئيس حكومة وبين تدويناته الشخصية على الانترنيت. ومن آخر الكوارث بهذا الصدد مناداة بعض أتباع هذا التيار بالصلاة الجماعية في البيوت، في الوقت الذي دعت فيه الدولة الى احترام المسافة بين الأفراد حتى داخل البيوت، بسبب ما لوحظ من إصابة عائلات بكاملها دفعة واحدة..
في نفس الآن، تابعنا في أحياء أخرى، كيف وزع مواطنون الورود على رجال السلطة، وأدوا النشيد الوطني، في نوع من التصالح بين السلطة والشعب، كيف تفسرون ذلك؟
هذه فئة أخرى تضم نوعين من المواطنين: النوع الأول موالون للسلطة ومناصرون لها حتى عندما تخطئ في تدبير ملف ما، حيث يؤمنون بضرورة غلبة الدولة وقوتها وقدرتها على الردع والإخضاع، وهم على العموم نتاج الترويض الإيديولوجي الذي اعتمدته السلطة على مدى عقود، والنوع الثاني هم مواطنون على درجة هامة من الوعي المواطن ويأملون ان يلعب هذا الظرف الجديد دور تغيير العلاقة بين السلطة والمجتمع وجعلها علاقة تعاقد جديد مبني على احترام القانون وعلى المبدأ الذي يقول إن مهمة الدولة خدمة مواطنيها وحمايتهم.
كيف تتوقع العالم عموما والمغرب خصوصا، ما بعد كورونا؟
هذا سؤال ينشغل به حاليا المحللون والمثقفون والفلاسفة، لأنه سؤال قيمي بالدرجة الأولى، يتعلق بالوعي البشري وبقدرته على قراءة الواقع واستخلاص العبر، إذ من المؤكد أن تعرض العالم لخضة من هذا النوع الذي حدث مع الوباء، سيؤدي حتما إلى تغييرات وانقلابات سواء على صعيد نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى العالم أو على مستوى أساليب تدبيره للعديد من شؤونه في الدولة والمجتمع، وشخصيا أرى أن ثمة خمسة أمور سيتم فيها تغيير كبير بالنسبة لمجتمعنا ولجزء هام من بلدان العالم: أولا، يتعلق الأمر بالتعاقد المشار إليه آنفا بين الدولة والمجتمع، إذ سيكون أمرا حتميا تغير العلاقة بين الطرفين، إما في اتجاه مزيد من السلطوية وهذا أسوأ التوقعات، أو على العكس إرساء علاقة جديدة على أسس المواطنة الحقة، وهذا سيقتصي تنازلات حكيمة من الطرفين. ومن الجدير بالإشارة أن ثمة مقدار مهم من عودة الثقة لدى فئات من المجتمع في الدولة ومؤسساتها رغم ضعف الإمكانيات.
ثانيا: على مستوى قيمة العلم والبحث العلمي، لقد اتضح من هذا الوضع بأن المغرب عندما خرج من الوصاية الفرنسية وترك لشأنه وحده، اضطر إلى البحث عن حلول عملية وإلى الاختراع والإبداع كما هو شأن النمور الأسيوية، كما أدى الوباء إلى ثقة أعداد كبيرة من الناس في العلم والبحث الطبي وتوصيات الأطباء، حيث اهتمت فئات عريضة بمعنى الفيروس وخصائصه الميكروسكوبية وكيفية انتقاله وطريقة العدوى وطرق الوقاية الخ، بينما كان العلم موضوع استخفاف من قبل، ليس فقط لدى الجمهور بل عند المسؤولين أنفسهم الذين يخصصون للبحث العلمي أقل الميزانيات شأنا (ما بين 0.1 و 0.8 ) لا أكثر.
ثالثا: على مستوى التضامن والتآزر بين الفئات المختلفة، فقد أظهر الوباء تأثير بقايا القيم العريقة في المجتمع، بينما كان الانهيار القيمي بسبب الليبرالية المتوحشة، قد خلق تصدعات كبيرة في البنيان المجتمعي المغربي. وبهذا الصدد ينبغي التذكير كذلك بأن الوباء المعولم قد خلق نزعة إنسية عميقة عبر العالم، من المفروض أن تعوض أنانية الشمال ورغبة الجنوب في الانتقام، بعقلية جديدة قوامها التضامن الإنساني.
رابعا: من النتائج المرتقبة كذلك إعادة النظر في وضعية الدين وتوظيفاته المختلفة، حيث أدى الزلزال الذي أحدثه الوباء إلى إعادة طرح اشكالية العلاقة بين الدين والدولة، وقد رأينا مثلا في إيطاليا كيف قامت فتيات عاريات بوضع الصلبان المسيحية في مؤخراتهن، قائلات ما جدوى هذه الأشياء، في ظل ما تعانيه ايطاليا من جراء الوباء؟ كما لاحظنا في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط صراعا قويا بين التيارين العلماني والإسلامي حول احتكار رمزية التفسير والتأويل، فبينما تحيز الأوائل إلى التفسيرات العلمية والطبية التي تفرض نفسها بقوة، عاد الطرف الآخر إلى نفس التفسيرات الدينية القديمة حرفيا والمتمثلة في أن الوباء عقاب وانتقام إلاهي بسبب الفجور وعدم الاهتمام بالشعائر الدينية، وأن الحل هو العودة إلى الله، وأن الوباء رحمة للمؤمنين ومن مات به فهو شهيد، وأنه عذاب للكافرين إلى غير ذلك من المواقف الفقهية المعروفة منذ القديم وعبر التاريخ الإسلامي، وطبعا لوحظ اضطراب كبير لدى الطرف المحافظ بسبب عجزه عن تدبير وضعية جديدة بأفكار قديمة لم تعد مستساغة اليوم، حيث تشير الوقائع إلى خلاف ما هو معتقد، كما أن العديد من الأطباء من التيار الإسلامي تهربوا من القيام بواجبهم متصنعين المرض، ما يجعل القناعات الدينية المتداولة سابقا تتعرض لنقد كبير، وبهذا الصدد أشير إلى أن الاقتصادي الفرنسي الكبير جاك أتالي كتب قبل أسابيع في جريدة لوموند، يقول إن من أهم التطورات الكبيرة التي حدثت بعد الطاعون الكبير الذي ضرب أوروبا في القرن الرابع عشر هو إعادة النظر في مكانة الدين في الدولة وعلاقته بالسياسة، حيث دعا رجال الدين الناس إلى التوبة والصلوات في حين لم يكن الناس يفعلون إلا ذلك دون أن ينجيهم ذلك من العقاب الإلهي، ما أدى إلى طرح أسئلة جوهرية حول مدى تدخل الإرادة الإلهية في حياة البشر، وما أنتج بالتالي نوعا من النزعة الإلحادية، التي أرجعت كل المسؤولية في تدبير شؤون البشر للبشر وحدهم.
من المؤكد أن الناس سيصبحون في المغرب والعالم أكثر عناية ببيئتهم، حيث أدى الحجر الصحي إلى انتعاش الغطاء النباتي والحيوانات وتنقية الأجواء من التلوث، كما أن الفضلات الملقى بها أصبحت أكثر تعقلا، حيث لم نعد نرى كميات من اللحوم والمواد الصالحة للاستهلاك ملقاة في المزابل. إن الوعي البيئي درس عظيم أتمنى أن يفهمه المغاربة ما بعد كورونا.
تعاني مغربيات في صمت بسبب العنف الزوجي، كيف يمكن حمايتهن في زمن كورونا؟
العنف الزوجي كارثة ينبغي محاربتها في وعي الناس، حيث ترسخت فكرة الحق الشرعي للرجل في التصرف في جسد زوجته، إذ تعطي الشريعة الدينية الحق للرجل في حالة نشوز زوجته أي مخالفتها لرأيه ورفعها لرأسها أمامه ومناقشتها له أن يعظها ثم يهجرها في الفراش ثم يضربها بعد ذلك، ولم تحدد الشريعة موقفها من « نشوز » الرجل أي مخالفته لرأي زوجته ورفعه رأسه أمامها وشتمها وشتم عائلتها، وإنما تمت دعوته إلى « الرفق » بها حسب مزاجه بوصفها كائنا ضعيفا وهشا، دون تحديد عقوبات في حالة عدم » الرفق »، ولهذا تجدين الجمعيات النسائية للتيار الإسلامي تستقبلن النساء المعنفات وتأمرنهن بالصلاة والدعاء وطاعة رجالهن وعدم اغاظتهم، هذه العقلية هي السائدة، ومن الطبيعي أن بقاء الرجال في البيوت لمدة أطول من المعتاد سيجعلهم يتدخلون في كل التفاصيل التي كانت النساء تقمن بتدبيرها بمهارتهن، ما يؤدي إلى خلافات ينتج عنها العنف المسلط دوما على جسد المرأة ونفسيتها، والحل هو حملة وطنية ضرورية لحماية النساء المعنفات والتنديد بالسلوك الذكوري الفج، والعمل على خلق وعي جديد يرفض التطبيع مع العنف الزوجي. كما ينبغي معاقبة الخطباء والدعاة الذين يستغلون منابر الوعظ لتحريض الرجال على النساء وتبرير عنفهم بوصفه مجرد « تأديب » للزوجة وأنه « واجب الرجل » إلى غير ذلك من الكلام الخطير.
بماذا تنصح شبابا يضيعون الوقت في الفراغ، كيف يمكن ان يجعلوا يومياتهم مثمرة للخروج من الحجر الصحي بزاد معرفي مهم ؟
هناك أولا المطالعة الحرة التي يمكن أن تتيح للشباب فرصا ذهبية لتدارك فقرهم المعرفي، ولاكتشاف الكثير من الأشياء التي لا يفهمونها أو لديهم عنها أفكار وتصورات مشوشة، من جهة أخرى لديهم فرصة للتمتع بالفنون بشكل مغاير للمعتاد، وكذا اختبار مواهبهم وتنميتها كل حسب مجال اختصاصه، إضافة إلى الجانب الأسري حيث يتيح الحجر الحالي لهم فرصة الاقتراب من أفراد عائلاتهم و »إعادة اكتشافهم » من خلال اللحظات الحميمية التي سينعمون بها بجوارهم، دون أن ننسى طبعا المساعدة والتآزر والتضامن الأسري حيث من واجب الشباب أن يساعدوا أمهاتهم في العمل المنزلي واليدوي.
كيف تدبر يومياتك؟ هل تساعد زوجتك في المطبخ، أم تكتفي بالمطالعة والكتابة؟ هل تقضي وقتا أكبر في القراءة؟ ما هو الإحساس الشخصي الذي شعرت به، بغض النظر عن الكاتب والمفكر الأستاذ عصيد؟
ذكرني هذا الحجر بفترة الشباب عندما كنت خريجا عاطلا وكنت أنعم بإمكانية التصرف في جميع وقتي كما أريد، ولأنني كنت أدرك قيمة ذلك الوقت فقد كنت أستغله في أمور لم تتح لي إمكانيتها فيما بعد، ولعل أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الإنسان هو اعتبار هذا الزمن مهدورا وبلا قيمة، ذلك أنه زمن ينبغي أن نعيشه بامتلاء، وألا نتركه يمر دون أن يترك فينا أثرا بليغا، بالنسبة لي شخصيا فقد أخضعت الكثير من أفكاري للتدقيق والمراجعة، وتحررت في مطالعاتي من الروتين السابق المحكوم بالعمل والنشاط المدني اليومي، كما استمتعت بالموسيقى وقمت بإعادة ترتيب مكتبتي ودخلت في محاورات شعرية قوية مع شعراء الشفاهة الأمازيغيين عبر الواتساب، وأنتجت منذ بداية الحجر الصحي شعرا أمازيغيا غزيرا هدفه التوعية وتصحيح الوعي الشعبي، وطبعا أشاهد فيلما في اليوم، كما أنني أقوم بالعمل اليدوي يوميا، إذ تخصصت في غسل الأواني التي يهرب منها الجميع، وأجد راحة كبيرة في ذلك.
وضمن انشغالاتي فيما يخص الكتابة عملي على كتابي الجديد « الصراع حول القيم بالمغرب، بين حرية الفرد وسلطة الجماعة ».
علمنا انك توزع وقتك بين التأليف والكتابة ومشاهدة الأفلام وغسل الأواني وإعادة ترتيب مكتبتك. هل يمكن ان تخصنا رفقة الحوار بمقاطع تغني فيها مثلا مع ابنتك، لان الفيديو الذي صورته معها وأنت تصحبها في السيارة منذ مدة حقق نجاحًا باهرًا. مثلا تقرآن معًا أو تناقشان أو تغنيان، نعطي فكرة عن جو سليم لحجر صحي. جواب:
في الواقع لقد اقترحت عليها ذلك منذ بداية الحجر الصحي، أن نسجل موالا توعويا في هذا السياق، ولكنها كانت ملزمة باجتياز اختبارات المعهد، الذي تدرس به عبر الانترنيت، ما أخذ منها كل الوقت، ولكننا سنحقق هذه الفكرة معكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.