ضاق الخناق على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون منذ جاء إلى « 10 داوننغ ستريت »، فكانت هزائمُه البرلمانية ستّا توجتها هزيمةٌ قضائيةٌ كبرى على يد المحكمة العليا التي أبطلت قراره تعليق البرلمان، ثم اتهامات صريحة له بتضليل الملكة في موضوع التعليق. ورأى مراقبون في قرار المحكمة قرارا تاريخيا غير مسبوق يشكل رسالة واضحة مفادها أن القانون فوق الجميع، بمن فيهم حكومة جونسون التي غدت الآن -بحسب مراقبين- ذات خيارات أقلَّ وهامش مناورة أضيق وسلطة أضعف، مما كانت عليه قبل أيام فقط. ويوجد جونسون حاليا في نيويورك، وأمامه أجندةٌ مزدحمةٌ في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ من المنتظر أن يدلي بأول خطاب له أمام هذه الجمعية. كما تنتظره على الأقل سبعة لقاءات مهمة مع رؤساء ورؤساء وزراء, من بينهم الرئيسان الأميركي والإيراني، فضلا عن زعماء أوروبيين آخرين. ورغم تصاعد الدعوات له بالعودة فورا إلى بريطانيا، فإن المراقبين يستبعدون تعجيله العودة أو اتخاذه أي قرار كبير كي لا يضيف مزيدا من الفوضى والهلع إلى المشهد السياسي المضطرب أصلا في البلاد. الأقصر حكما وبعودة مجلس العموم للانعقاد غدا الأربعاء، يتوقع أن تتجدد الاشتباكات مع حكومة جونسون الذي بات على رأس حزب لا يملك الأغلبية البرلمانية، ولذلك لا يستبعد مراقبون أن يستقيل جونسون ولا سيما بعد توالي الدعوات له بترك السلطة. بعودة مجلس العموم للانعقاد غدا الأربعاء يتوقع أن تتجدد الاشتباكات مع حكومة جونسون (رويترز-أرشيف) وقال الوزير الأول الويلزي مارك دايكفورد إن « ما حدث يعد انتصارا لقوة القانون، ومن الأشرف لأي رئيس وزراء مثل جونسون أن يقدم استقالته بعدما حاول التلاعب بالدستور ». والدعوة ذاتها وجهتها لجونسون زعيمة حزب الديمقراطيين الأحرار جو سوينسون التي قالت إنه « لا يصلح للحكم بعدما اتضح أنه حاول إسكات صوت البرلمان وصوت الناس الذين صوتوا لنوابهم ». من جهتها، قالت رئيسة الوزراء الأسكتلندية نيكولا ستيرجن إن استمرار جونسون في منصبه « أمر لا يمكن تخيله ». أما زعيم حرب العمال جيرمي كوربين -وهو الخصم اللدود لجونسون- فقد عزز دعوته له كي يستقيل، واصفا جونسون بأنه « سيكون رئيسَ الوزراء الأقصرَ حكما في تاريخ البلاد ». انتخابات في الأفق؟ ويدعو أنصار البريكست لانتخابات عامة مبكرة، واصفين ما يحدث بالمواجهة الشرسة بين البرلمان كمؤسسة مناصرة للاتحاد الأوروبي وبين رئيس للوزراء من واجبه تنفيذ رغبة المصوتين في استفتاء 2016 الذي قضت نتائجه بضرورة الطلاق بين المملكة المتحدة والكتلة الأوروبية. جلسة سابقة لمجلس العموم البريطاني (رويترز) وإذا تحقق سيناريو الانتخابات المبكرة، فقد يسفر عن فوز الحزب الذي يتزعمه جونسون حاليا، إذ أشار استطلاع رأي نشرته صحيفة « الأوبزرفر » في الآونة الأخيرة، إلى أن حزب المحافظين ما زال يتمتع بشعبية أكبر من نظيره العمالي الذي حصل على تأييد 22% مقابل 37% للمحافظين. داوننغ ستريت وباكنغهام وجاء تعليق البرلمان بعد طلب تقدم به جونسون وأخذ صبغة قانونية تنفيذية بنيله الموافقة الملكية. ورغم أن الملكة لا سلطة تقديرية لها في هذا الملف بحسب الأعراف، فإن المراقبين يرون أن جونسون بافتقاده شرعية الوصول للحكم عبر انتخابات عامة قد أثر سلبا على قرار التوقيع الملكي على طلبه القاضي بتعليق البرلمان. وقد أكدت رئيسة المحكمة بريندا هيل -أثناء نطقها بقرار الحكم- أن تأثير تعليق البرلمان على أسس « ديمقراطيتنا كان بالغا ». أما رئيس الوزراء السابق جون ميجور فقال إنه لم يوجد رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا « عامل الملكية والبرلمان بهذا الشكل ». وسلط هذا الحدث الضوء على زوايا معتمة في علاقة رئاسة الوزراء بالملكية، وهي علاقة كانت تحكمها الأعراف والاتفاقات غير المكتوبة، لترتفع الأصوات بضرورة توثيق هذه العلاقة. هل سيعتذر جونسون؟ وعلق جونسون على قرار المحكمة قائلا إن القرار لن يجعل مهمته في تنفيذ عملية البريكست سهلة، مضيفا أن « البرلمان قد ناقش موضوع الطلاق البريطاني الأوروبي منذ ثلاث سنوات، وقد حان وقت التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي والخروج منه في الموعد المحدد ». متظاهر مناوئ لجونسون أمام محكمة في لندن (رويترز-أرشيف) وفي تعليقه، لم يشر جونسون إلى رغبته في تقديم أي اعتذار، مؤكدا أنه غير مقتنع بالحكم القضائي، ولذلك يستبعد كثيرون سيناريو هذا الاعتذار إلا إذا مورست ضغوط أكبر على جونسون بعد اتهامه بتضليل الملكة. ورغم كل هذه التحديات المتربصة بجونسون، لا تزال أمامه فرصة تتمثل في توصله لاتفاق مع الزعماء الأوروبيين في قمتهم المرتقبة في بروكسل يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإقناع النواب البريطانيين بالتصويت لصالح مثل هذا الاتفاق. أما ما تبقى من خيارات فتبدو أقرب للاستحالة، مثل تحدي جونسون للقانون وإخراج بلاده بالقوة من الكتلة الأوروبية بحلول 31 من الشهر المقبل، وحينها سيلجأ المعارضون له إلى القضاء مرة أخرى. وإذا صوّت النواب حاليا لسحب الثقة من حكومة جونسون فقد ينادى بضرورة إجراء استفتاء ثانٍ على البريكست، وليس بالضرورة لانتخابات عامة. وهكذا سيبقى مشروع الطلاق البريطاني الأوروبي رهين معارك سياسية ضارية داخل البلاد، لتبقى كل السيناريوهات مفتوحة وتبقى العيون في أسواق المال والأعمال هنا معلقة على ردهات ويستمنستر و10 داوننغ ستريت. المصدر : الجزيرة