نحن الآن في أواخر سنة 1999، والحسن الثاني يودع الحياة، والعالم يتابع ما سيحدث في مملكة محمد السادس، صفحة تُطوى، وأخرى تُفتح، سنوات الرصاص والمعتقلات السرية والكثير من مآسي العهد الماضي بدأت تترك مكانها رويدا رويدا للرغبة في المصالحة الوطنية المفتقدة حينها في السياسة وفي غير مجالات السياسة، ولذلك ظل الكثير من المتتبعين في الداخل والخارج، يراقبون الطريق التي ستسلكها البلاد في عهد الملك الشاب محمد السادس. مضت السنة الأولى، وتلتها السنة الثانية، ثم الثالثة، ومع توالي السنوات الأولى من بداية العهد الجديد، بدأت نسائم الفرق بين العهد الذي ولى، والعهد الذي أخذ يرسم ملامحه، تظهر شيئا فشيئا، وفي نفس الفترة التي شرعت فيها مملكة محمد السادس في وضع لمساتها الخاصة في تدبير الشأن العام الوطني، كان الملك الشاب يرسم لنفسه سياسته في الشأن الوطني، كما في حياته الخاصة، ولذلك بالضبط، كانت المفاجأة حينما أعلن محمد السادس، علانية، خبر خطوبته من الشابة سلمى بناني، مهندسة الدولة في الإعلاميات، التي سحرته وخطفت قلبه وهو ما يزال حينها وليا للعهد. هي حكاية النظرات الأولى التي جمعتهما، ولازال سرا المكان والزمان الذي التقت فيه عين ولي العهد بابنة الشعب: هل في الهولدينغ الملكي "أونا"، الذي كانت تقضي خلاله الشابة الجميلة فترة تدريب بعد تخرجها من المدرسة العليا في النظم والمعلوميات أم كان اللقاء في حفل خاص احتضنته شقيقة الملك ولي لعهد حينئذ للا حسناء؟ كيفما كان الحال، وأيا كانت ظروف اللقاء الذي توج بقصة زواج تظل الحديقة الخاصة لملك وزوجته كما أكد الملك محمد السادس نفسه في لقاء صحافي له مع مجلة "باري ماتش الفرنسية"، فإن الصدفة لعبت دورها في لقاء استثنائي بين ابنة فقدت أمها مبكرا ترعرت في بيت متواضع مع جدتها بحي ديور الجامع وبين ولي عهد سيرث عرش الملك الحسن الثاني، ومثلما يقول المثل المأثور، الصدفة خير من ألف ميعاد، بدأ التعارف بدون ترتيب... لكن راديو الشارع سار في نسج الكثير من الروايات والحكايات حول أشهر علاقة حب بالمملكة الجديدة، ومنها أن الزوجة المقبلة للملك محمد السادس، سلمى بناني، المهندسة في الإعلاميات، ابنة بناني المصرفي الكبير... وبنفس المنطق الذي أصر محمد السادس أن يرسم به علاقته بالمغاربة، وعلى النقيض مما كان يحدث في عهد الحسن الثاني، خرج الملك إلى وسائل الإعلام، ليضع حدا لمثل هذه الإشاعات، ولذلك بالضبط قال في الحوار الشهير مع الصحفية الفرنسية آن سنكلير سنة 2001 :" في ما يخص خطيبتي، سلمى بناني، التقينا منذ أكثر من سنتين، إنها مهندسة في الإعلاميات، وليست ابنة مصرفي كما قيل، وإنما هي ابنة رجل تعليم يقطن بفاس". سنة بعد ذلك وبالضبط يوم الخميس 21 مارس سنة 2002 تم عقد القران في القصر الملكي بالرباط وبدأت حفلات الزفاف التي اطلع عليها الشعب المغربي والعالم بأسره في مدينة مراكش يوم الجمعة 12 أبريل 2002، ومُنحت زوجة الملك محمد السادس لقب صاحبة السمو الملكي، مع العلم أن زوجات الملوك كن يلقبن بأم الأمراء و أم الشرفاء. لأول مرة، تعرف المغاربة على خبر زواج الملك في وسائل الإعلام، ولأول مرة، تعرف المغاربة على زوجة الملك، ولأول مرة تابع المغاربة حفل زواج الملك، ولأول مرة أيضا اكتشف الجميع طقوس زواج الملك التي تمت وفق نفس التقاليد المغربية،
اليوم، يكون قد مر عقد من الزمان على زواج الملك ب"ابنة الشعب"، حوالي عشر سنوات، توجت بازدياد ولي العهد الذي اختار له محمد السادس اسم والده، والأميرة للا خديجة، والكثير من التطورات التي لامست مجال تحرك الأميرة للا سلمى، عقيلة الملك، التي قررت الخروج إلى الميدان لمحاربة داء السرطان... بعد عقد من الزمان، أشياء كثيرة تغيرت في مسار ابنة الشعب، ودعت الخجل والتوجس اللذين ولجت بهما أسوار البلاط، باتت اكثر ثقة في نفسها وطبْعت مع طقوس دار المخزن التي فاجأتها تفصيلها المعقدة في البداية، وبعد ان كانت ابنة الشعب التي تنظر بفضول الى ما وراء أسوار القصر اصبحت اليوم ام ولي العهد والنصف الثاني للملك محمد السادس والمتكلمة في اذن الجالس على العرش، ولها كلمة في محاربة السرطان وفي العديد من الأنشطة الصحية والاجتماعية والديبلوماسية..