المغاربة يسألون: هل تم إلغاء طقوس حفل الولاء هذه السنة أم لا؟ البعض يقول إن الطقوس التي أثارت جدلا سياسيا ودينيا قد تم تأجيلها فقط هذا العام لأن عيد العرش تزامن مع رمضان ومع ذكرى وفاة السلطان محمد الخامس. البعض الآخر قال إن حفل الركوع للملك في ساحات القصر وهو راكب فوق فرسه انتهى مع زوال القداسة من الدستور، وأن الملك أعطى الإشارة الأولى عن بداية نهاية الطقوس المخزنية المثيرة للجدل، ودليل هؤلاء أن بلاغ وزارة القصور والأوسمة سكت عن حفل الولاء هذا العام، ولم يقل لا بالتأجيل ولا بالإلغاء، وهذا له معنى واحد في العرف المغربي: طي صفحة هذا الطقس دون إعلان ذلك. الطقوس والرموز والبرتوكولات المحيطة بالحكم كانت ومازالت وستبقى جزءا من السلطة.. أي سلطة، أكانت حديثة أم عتيقة، الفرق يكمن في نوع حضور هذا البرتوكول وما إذا كان خفيفا أم ثقيلا ومدى انسجامه مع تطور المجتمعات وثقافتها أم اتجاهه ضد مجرى النهر.
منذ مدة وأصوات عديدة في المغرب تدعو إلى خضوع «البرتوكول المخزني» المتوارث عبر قرون وقرون لنوع من الحمية القاسية لكنها صحية، حتى تنسجم هذه الطقوس مع الصورة التي أراد الجالس على العرش أن يعطيها عن نفسه وعن عهده وعن أسلوبه في الحكم. منذ أن سمح الملك بنشر صوره وهو في البحر، ونشر صور الأميرة زوجته، وتكليفها بمهام إنسانية واجتماعية، كان من الضروري أن تواكب صورة الملك الشاب البسيط القريب من الشعب تغييرات هامة في «التقاليد المرعية»، مثل حفل الركوع أمام الملك وتجديد البيعة وتقبيل اليد... خاصة وأن هذه «التقاليد» وهذه «الرموز» لم تكن خالية من إرث وحمولات سلطوية ما قبل الدولة الحديثة، التي أرست قيم الحكم الديمقراطي النابع من إرادة الأمم والشعوب...
ربما كان الملك الراحل الحسن الثاني بحاجة إلى هذه الأعراف المرعية، وتكليف جنرال قاس، مثل مولاي حفيظ العلوي، بتقعيد هذه الأعراف وحراستها، وإلزام الناس، بالقوة والإهانة، باحترامها، وذلك بالنظر إلى مناخ الصراع حول السلطة الذي طبع جل فترات حكم الملك الراحل، وخاصة مع المعارضة اليسارية. فكان الملك يستعين بالدين وطقوس المخزن وأعراف الأجداد لمواجهة الإيديولوجيات اليسارية التي كانت قوية في الستينات والسبعينات والثمانينات، وكانت تهدد أقوى الأنظمة التقليدية في العالم العربي والعالم الثالث، أما اليوم فإن الملك محمد السادس ليس في حاجة إلى هذه «الترسانة» الرمزية من الطقوس والأعراف، حيث تم إرساء توافق واسع حول النظام الملكي، وحتى التيارات الصغيرة التي تتطلع إلى نموذج حكم آخر لا تجرؤ على قول ذلك علنيا. لقد رأينا أن حركة 20 فبراير، وعلى مدار سنة كاملة من التظاهر والاحتجاج والاحتكاكات التي لم تخل من عنف، لم تطالب بأكثر من ملكية برلمانية، وبقي احترامها للعاهل المغربي خطا أحمر، باستثناءات قليلة جدا تؤكد القاعدة أكثر من أي شيء آخر. الحسن الثاني، رحمه الله، كان بحاجة إلى أدوات حكم المخزن، ومنها «الطقوس والأعراف»، لأنه كان في حرب مفتوحة ودائمة ضد خصومه وأعدائه. وفي الحرب يلجأ الإنسان إلى كل الأسلحة، أما محمد السادس فقد تحولت تلك «الترسانة» في عهده إلى عبء وليس إلى أسلحة. إنها أسلحة صارت بلا مفعول من زمن مضى، وحملها يشكل عبئا لا لزوم له في زمن يحتاج من الحكام إلى أن يتخففوا من الأثقال حتى يستطيعوا أن يتكيفوا مع ضرورات العصر وواجبات التطور... لكل زمن أناسه، ولكل حكم رجاله ونساؤه، ولكل عهد طقوسه وأعرافه. المحافظون القدامى والجدد الذين يخشون اليوم على طقوس المخزن البالية لا ينتبهون إلى أن العهد الجديد صارت له طقوسه الجديدة، وأعرافه المستحدثة التي تفوق في تأثيرها الإيجابي الطقوس القديمة.