ترأس أمير المؤمنين الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم السبت بالقصر الملكي بمدينة الدارالبيضاء، درسا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وألقت درس اليوم بين يدي الملك، الأستاذة أماني برهان الدين لوبيس، رئيسة مجلس العلماء الإندونيسي لشؤون المرأة والشباب والأسرة، متناولة بالدرس والتحليل موضوع : « بناء الحضارة الإسلامية بين الأصل المشهود والتجديد المنشود »، انطلاقا من قول الله تعالى « والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ». واستهلت المحاضرة درسها بشرح معاني هذه الآية الكريمة التي تتضمن قضايا تتعلق بذلك النموذج الحضاري والتجرية التاريخية الفريدة التي أسس بها الإسلام مجتمعه الأول على المؤاخاة بين المهاجرين من مكة والأنصار الذين آووهم في المدينة، مضيفة أن الآية الكريمة أبرزت الموقف الرائع للأنصار الذين لم يجدوا في أنفسهم حسدا بالنسبة لما خص به المهاجرون وهم الذين أشركوهم حتى في أموالهم. وأوضحت أن الحكمة البالغة والسبب الموجب لجعله تعالى حظا من أموال الفيء للمهاجرين فلأنهم هاجروا نصرة لمبادئ التغيير إلى الأفضل، هاجروا إلى الأنصار وهم الأوس والخزرج، وتبوءوا دار الهجرة والإيمان، فكان ذلك سببا في قوة الإسلام وانتشاره. وبخصوص المنطلقات الدينية لبناء المجتمع، أبرزت المحاضرة أن الهجرة النبوية كانت نقطة تحول مهمة في تاريخ الإسلام وبداية البناء العملي لدولته في المدينةالمنورة، ذلك البناء الذي قام على المؤاخاة وترسيخ فقه التعايش، أفضل نموذج في تاريخ البشرية، سواء فيما بين المسلمين، أو فيما بينهم وبين الطوائف الأخرى من سكان المدينة. واعتبرت أن في مؤاخاة الرسول بين المهاجرين والأنصار أقوى مظهر من مظاهر عدالة الإسلام الإنسانية الأخلاقية البناءة، مبينة أن المهاجرين قوم تركوا في سبيل الله أموالهم وأراضيهم، والأنصار قوم أغنياء بزروعهم وأموالهم وصناعتهم » فيحمل الأخ أخاه ويؤثره على نفسه. وفيما فعله المهاجرون والأنصار نزلت العديد من الآيات تثني على سلوكهم ». وأشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن لليهود من سكان المدينة دينهم وللمسلمين دينهم، ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بينه وبين بقية سكان المدينة، من يهود ووثنيين « وثيقة المدينة »، مذكرة بأن هذه الوثيقة اجتمع عليها قبل عامين بدعوة من المملكة المغربية مئات من الشخصيات الفكرية وممثلي الأقليات في العالم، وصدر عن اللقاء إعلان مراكش الذي نص على أن الإسلام سبق لإقرار حقوق الأقليات من خلال وثيقة المدينة، وأنه لا سند في هذا الدين لمن يريد أن ينقص من حقوق الأقليات، مؤكدة أن « أصداء إعلان مراكش هذا ما تزال تتردد في العالم ».