وكأن إحساس المنية كان يدنو من المفكر التونسي محمد الطالبي، فأخبره بقرب أجله، فاختار الكلمات بعناية ليختتم آخر لقاء صحفي له مع مجلة « الجمهورية » التونسية متحدثا عن الموت باعتباره « الباب الذي نخرج منه من جنة الله الدنيوية إلى زينة الآخرة وهي أكمل وأجمل وأروع والباقية الخالدة ». بهذه الكلمات ودعت تونس الخضراء مفكرها محمد الطالبي صباح اليوم، فاتح من ماي، في تونس العاصمة عن عمر يناهز 95 سنة، بعد قضاءه عمرا متنقلا بين ضفاف الكتب باحثا عما يدافع به عن مواقفه، أبرزها قراءة النص القرآني مباشرة، عبر مراعاة القصد من الكتاب المقدس وليس الأحكام الصادرة في حقبة ماضية والتي جاءت بها الشريعة، بالإضافة إلى حدثه عن عدم تحريم البغاء ورفضه فكرة الحجاب. ولد محمد الطالبي في تونس العاصمة سنة 1921، والتحق بمدرسة الصادقية التي تخرج منها أكبر الشخصيات التونسية على رأسهم الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة. شد الطالبي الرحال إلى عاصمة الأنوار ليحصل على شهادة الدكتوراة من جامعة «السوربون» الفرنسية العريقة، ليعود بعدها للجامعة التونسية سنة 1955 ويصبح أول عميد لكلية الأدب في تونس. دافع الطالبي قيد حياته على اعتقاده بالدين الإسلامي وإيمانه بالله عز وجل ورسوله محمد(ص) والتزامه بأركان الإسلام الخمسة، إلى أنه رفض الشريعة واعتبرها مجهودا فكريا للإنسان تم تدوينها من طرف علماء الدين قرنين بعد وفاة الرسول محمد (ص)، وتساهم في التشجيع على تعاطي العنف خلافا لجوهر القرآن الكريم. استمر الطالبي في إثارة الجدل بمواقفه التي اعتبرها الكثيرون معادية للدين الإسلامي، وذلك بعد قوله « إن القرآن الكريم لم يحرم البغاء إلا على المرأة المتزوجة، أما إذا أرادت الغير متزوجة أن تبغي مقابل المال، فلها الحق في ذلك، كما أن نساء في عهد الرسول مارسوا البغاء ولم تتم معاقبتهن ». مواقف الطالبي تضمنت كذلك حديثه على عدم فرض الحجاب على المرأة المسلمة، واصفا هذا الفرض ب »كلام فارغ »، وذلك خلال حضوره ضيفا على حوار بثته قناة « تلفزة تي في » سنة 2014، مشيرا إلى أنه « لا توجد آية واحدة تحدد عقوبة من لا ترتدي الحجاب، والمرأة بإمكانها الخروج إلى الشارع كما « ولدتها أمها » و لا يوجد في القرآن آية واحدة تفرض عقابها ». آراء الطالبي لم تقتصر على الدين فقط، بل كان المؤرخ التونسي من أشد المعارضين للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، حيث إنه أيد ثورة الياسمين وشجع الشباب من خلال ندواته الفكرية على الصمود في الشارع إلى حين مغادرة بن علي. حارب محمد الطالبي توظيف الدين في السياسة، واعتبرها « البلية الكبرى » التي وضعها الخليفة عثمان، وكان أول من وظفها ليبلغ مراده عن طريق التكفير بغير حق، وبموقفه هذا تحفظ فكريا على حزب النهضة التونسي باعتباره الحزب الإسلامي في البلد. مواقف محمد الطالبي وثقها في كتب أبرزها مؤلفه الذي أصدره سنة 2002 بعنوان « كونية القرآن » و »مفكر حر في الإسلام » الذي أصدره في نفس السنة وكتاب « مرافعة من أجل الإسلام » الذي أصدره سنة 1998.