أول ما استوقفني و آثار انتباهي، عند ولوجي المحطة، هي امرأة في الخمسينات من عمرها، كان يتجمهر حولها الناس وهي تصرخ » وعباد الله نصبو عليا « ، وعلامات الحسرة والغضب بادية على محياها، كانت في حالة هستيرية لا يمكن وصفها، حاولت تهدئتها واستفسرتها عن الأمر، فقالت لي بأنها تعرضت لعملية نصب من طرف أحد الوسطاء أمام بوابة المحطة، حيث أوهمها هذا الأخير أنه محصل تذاكر، و باع لها تذكرة مزورة ، بخمسين درهما ، و اقتادها إلى أحد الحافلات الرابضة داخل المحطة، ليختفي بعدها عن الأنظار و تكتشف في النهاية أنها تعرضت لعملية نصب. هذا غيض من فيض، هذا فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد وما خفي كان أعظم ، فعلاوة على النصب والإحتيال، هناك ظواهر أخرى مستفحلة داخل محطة أولاد زيان، لاتقل خطورة عن الإحتيال، كالسرقة و النشل، فقد صادفت خلال زيارتي للمحطة، تعرض شاب في العشرينات من عمره لسرقة محفظة نقوده، وذلك عندما كان منهمكا بمتابعة شجار نشب بين سائق إحدى الحافلات وأحد الوسطاء، حيث استغل اللص حالة الإزدحام والفوضى التي كانت، ليستل محفظة الشاب من جيبه الخلفي كما تستل الشعرة من العجين دون أن يشعر الشاب بذلك، وبعد دقائق معدودة، اكتشف هذا الأخير الأمر وراح يصرخ » ناري تشفرت » لكن بعد فوات الآوان . مثل هذه المشاهد أصبحت مألوفة وعادية بل جزء لايتجزء من واقع المحطة اليومي. ومن الأمور التي لا يمكنك أن تغض عنها الطرف، أو تصرف عنها النظر عند زيارتك لمحطة أولاد زيان، هي كثرة المتشردين المنتشرين في مختلف أرجائها، الذين قادتهم الأقدار إلى استيطان المحطة واتخاذها مأوى لهم، في الليل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وفي النهار يتسولون، يتسكعون، يسرقون، ويحتالون، يفعلون أي شئ من أجل الحصول على المال ليسدو رمق جوعهم . والغريب في الأمر أنهم يقومون بهذه الأفعال أمام مرأى ومسمع من الجميع . إستفحال هذه الظاهرة بهذا الشكل المريع بات يقض مضجع المسافرين، ويشوه منظر المحطة. فريد مراهق في الرابعة عشر من عمره، من مواليد مدينة مراكش، هو أحد أطفال الشوارع الذين التقتهم جريدة « فبرايركوم » داخل محطة أولاد زيان، سألناه عن الأسباب والظروف التي قادته إلى دروب التشرد و الضياع داخل محطة أولاد زيان، فأجاب بأن الظروف الإجتماعية و الإقتصادية الصعبة، والفقر والهشاشة، كانت وراء خروجه للشارع … فتعنيف أبيه له بصفة متكررة وإجباره على العمل في ورشة لصيانة و إصلاح السيارات لمدة عشر ساعات يوميا في ظروف صعبة وقاسية لم يقوى على تحملها، دفعته إلى أن يحزم أمتعته ويشد الرحال صوب العاصمة الإقتصادية الدارالبيضاء، هربا من واقعه الإجتماعي و الأسري المرير. إلا أن واقعه الجديد بمحطة أولاد زيان لم يكن أفضل حالا ، حيث وجد نفسه عرضة للتحرش والتعنيف و المطاردة، محاطا بذئاب بشرية تحاول أن تنهش لحمه حيا، وأردف فريد في معرض حديثه للموقع أن محطة أولاد زيان هي عبارة عن غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ومرتع لشتى أنواع الموبقات . ليل المحطة ليس كنهارها، فبمجرد أن يرخي الليل سدوله، ويحل الظلام، حتى تبدأ كائنات بشرية من نوع آخر بالتوافد على المحطة، كائنات ليلية لا تخرج إلا في الظلام كالخفافيش، إنهن فتيات في مقتبل العمر و أخريات بلغن من الكبر عتيا، دفعتهن ظروفهن الإجتماعية والإقتصادية، إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ، الدعارة، يتجولن داخل المحطة بكل أريحية، يتربصن، ويبحثن عن زبون قد يأتي وقد لا يأتي، وسط صخب المسافرين وزخم المحطة، فيما فضلت عاملات جنس أخريات الإستسلام للنوم والإنصهار وسط المسافرين، مفترشات « الكارتو »ن وملتحفات السماء. تشكل المحطة الطرقية أولاد زيان الملاذ الرئيسي لفتيات الليل والشوارع، و رغم الحملات التطهيرية التي تشنها السلطات العمومية بين الفينة والأخرى يبقى عددهن في تزايد مستمر. أكدت سناء [ 21 سنة] وهي إحدى فتيات الليل اللواتي يترددن باستمرار على محطة أولاد زيان، أنها تعرضت مرارا و تكرارا، لمختلف أنواع الإعتداء ات سواء المعنوية أو الجسدية، و أضافت والدموع تنهمر من عينيها أنها تعرضت مؤخرا لاعتداء بالسلاح الأبيض على مستوى يدها اليمنى بإحدى الأحياء المجاورة للمحطة، وذلك عندما دخلت في عراك مع جانح حاول أن يسرق منها هاتفها المحمول . » بلقاسم » بائع متجول داخل محطة أولاد زيان منذ ما يزيد عن 14 سنة، قال في معرض حديثه، أن ظاهرة بنات الليل أضحت أمرا مألوفا وعاديا داخل المحطة، لكن الخطير في الأمر، كما جاء على لسان » بلقاسم » هو تربص شبكات الدعارة بهؤلاء الفتيات، خاصة الوافدات الجدد و إجبارهن على العمل كمومسات بأثمنة بخسة وزهيدة محطة ولاد زيان أكبر من محطة طرقية للسفر والتنقل، المحطة مدينة داخل مدينة، لها قواعدها وقوانينها وأعرافها و »محاكمها » التي يلجأ لها « سكانها » كلما جد جديد أو طرأ أمر ما.