بعد ثلاث وثلاثين سنة من الغياب عن الاتحاد الأفريقي، دقت ساعة لم شمل المغرب بعائلته الأفريقية حيث يريد استعادة مقعده في هذه المنظمة القارية الاسبوع المقبل خلال انعقاد قمة أديس أبابا، كما جاء في تقربر لوكالة الأنباء الفرنسية. وتعتبر هذه العودة المرتقبة نتيجة عملية واسعة اطلقت قبل نحو عشر سنوات، وأعلنها الملك محمد السادس رسميا في تموز/يوليو الماضي، فيما استعدت لها كافة مؤسسات المغرب ابتداء من أيلول/سبتمبر. وتوالت الجولات الدبلوماسية للعاهل المغربي في أفريقيا منذ نحو ستة أشهر، حيث عبر مرارا لنظرائه الأفارقة عن التزامه والتزام بلاده تجاه « الأشقاء » الأفارقة. ولإقناع الدول الأفريقية بأهمية استرجاع مقعده « داخل عائلته المؤسساتية القارية » عبأ المغرب امكانيات كبيرة تراوحت بين ما هو سياسي واقتصادي. ووقعت الرباط اتفاقيات اقتصادية « ضخمة » مع مختلف الدول التي زارها الملك الذي وعد أيضا بالعمل « من أجل السلام والأمن » وب »شراكة جديدة بين دول الجنوب » وب »مزيد من التنمية المستدامة » لأفريقيا. ويوضح جيل يابي المحلل السياسي الذي يرأس « واثي » (ويست أفريكا ثينك ثانك)، مجموعة تفكير مختصة في شؤون أفريقيا الغربية، أن « هناك رؤية على الأمد الطويل واستراتيجية تم وضعها من طرف المغرب (…) على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، مع حضور مكثف جدا ما ساعد على جعل المغرب لاعبا أساسيا ليس مع أوروبا فقط، لكن أيضا مع أفريقيا جنوب الصحراء ». داخليا، أطلقت الرباط منتصف كانون الأول/ديسمبر المرحلة الثانية من سياستها الخاصة بالهجرة لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين غير النظاميين على أراضي المملكة، والذين يتحدر أغلبهم من دول جنوب الصحراء، وهو معطى يخدم عودة المغرب في وقت تقوم فيه جارته الجزائر بترحيل وطرد هؤلاء المهاجرين. وحتى الأحزاب المغربية التي لم تتمكن من تشكيل أغلبية حكومية منذ نحو أربعة أشهر وجدت نفسها مجبرة على التعبئة لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي خدمة ل »المصلحة الوطنية العليا »، حيث اجتمع النواب البرلمانيون الممثلون لهذه الأحزاب بشكل معجل بداية هذا الشهر للتصديق على الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي. انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في أيلول/سبتمبر 1984 احتجاجا على قبول المنظمة عضوية « الجمهورية الصحراوية » التي شكلتها جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، وبقيت عضوية الرباط معلقة في المنظمة ثم في الاتحاد الافريقي الذي تأسس في تموز/يوليو 2001 ويضم حاليا 54 دولة. وقضية الصحراء هي الملف المركزي في السياسة الخارجية للمملكة. ويعتبر المغرب هذه المنطقة « جزءا لا يتجزأ » من اراضيه، حيث يسيطر على معظم أراضيها منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1975، أي بعد خروج الاستعمار الاسباني ما ادى الى اندلاع نزاع مسلح مع بوليساريو استمر حتى ايلول/سبتمبر1991 حين اعلنت الجبهة وقفا لاطلاق النار تشرف على تطبيقه بعثة للامم المتحدة. وقد أظهرت سياسة الكرسي الفارغ التي اعتمدتها الرباط في أفريقيا عدم فعاليتها بشأن قضية الصحراء، بحسب ما يؤكد جيل يابي خاصة وأن الاتحاد الأفريقي صار منظمة « لا يمكن تجاوزها على المستوى القاري وأيضا على المستوى الدولي ». كما نتج عن هذه السياسة حضور مكثف للجزائر التي اتهمتها الرباط مباشرة ب »صرف أموال الجزائريين » في أفريقيا والمحافل الدولية ل »معاداة المغرب وقضية الوطنية (الصحراء) ». لكن عودة المغرب الى الاتحاد الأفريقي تأتي في ظرف فيه ميزان القوى في الصحراء لصالح الرباط التي تنتهج سياسة الأمر الواقع في هذه المنطقة عبر ممارسة كافة الصلاحيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي المقابل تعيش بوليساريو حالة من الشك منذ وفاة زعيمها التاريخي في أيار/مايو 2016 ووصول زعيم جديد، فيما تشهد الجزائر الداعمة لها أزمة اقتصادية. ويقول إبراهيم غالي الذي يتزعم بوليساريو حاليا إنه أخذ علما بتصديق المغرب على الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي، موضحا أن بعض فصوله تؤكد على « ضرورة احترام الحدود الدولية للصحراء الغربية المعترف بها ». من جهتها لا تضع الرباط حاليا أية شروط من اجل عودتها إلى الاتحاد، لا سيما ذلك المتعلق بطرد « الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية » من المنظمة. ويفتخر المغرب حاليا بالدعم الذي تلقاه من أربعين دولة (من أصل 54) لعودته مؤكدا احترامه لاجراء العودة، حيث عبر وزير الخارجية صلاح الدين مزوار عن « الثقة والطمأنينة » إزاء هذه العودة. ويرجح أن يدعم وعد المغرب -سادس قوة اقتصادية في القارة- بتقديم تمويل جيد للمنظمة الأفريقية التي تحتاج دعما لموازنتها، من تقوية عودة المغرب إلى صفوفها. وتحاول المملكة المغربية « استباق الحواجز التي تحاول بعض الأطراف وضعها لعراقيل لوقف المبادرة المغربية من أجل العودة أو تأجيلها » على الأقل حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية. وهذه العراقيل ستكون حاضرة لا محالة أمام المغرب في أديس أبابا، خاصة من طرف « الجزائروجنوب أفريقيا اللتين تضغطان بقوة ضد عودة المغرب » حسب لييزل لوو، المحلل في معهد الدراسات الأمنية(ISS). ويذكر لوو أنه سبق للرباط أن اتهمت صراحة الجنوب أفريقية نكوسازانا دلاميني-زوما التي ترأس لجنة الاتحاد الافريقي بمحاولة « إفشال وعرقلة » عودته إلى الاتحاد متحججة بتفسيرات « تقنية للغاية » حول اجراء العودة. أما الجزائر فتبدو مواجهتها مفتوحة مع الرباط ويحتمل ان تكون سببا في خلق صدع داخل القمة، خاصة فيما يتعلق بإعادة انتخاب زوما مجددا أو استبدالها بشخصية أخرى. ويحتمل أن تؤثر هذه المواجهة على عمل المنظمة القارية التي يبدو أن الرباط تريد أن تلعب فيها دورا محوريا وليس دور المتفرج. وبحسب الصحافة المغربية فإنه « لا يوجد شك » من كون « الهدف على المدى المتوسط والمدى القصير هو التمكن من استبعاد جبهة بوليساريو » من الاتحاد، والتي قد تلجأ للعب ورقة المواجهة المسلحة في الصحراء لتعكير السيناريو الذي تصورته الرباط.