يزعجها أن توصف بالحسناء في الوقت الذي يقترن هذا الوصف بعملها السياسي والنضالي. لا تقبل هذه التوصيفات المكررة التي وجدت لها صدى في الصحافة بعيد انتخابها أمينة عامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد. عينان عسليتان، تقاسيم وجه دائري وصوت أنثوي ... جميلة، أنيقة، هذه بعض التفاصيل التي تلفت انتباه من يصادفون أول زعيمة تقود حزبا سياسيا معارضا. نسألها بل ونلح في طرح السؤال: «أنت جميلة. كيف تتعاملين مع عبارات إطراء قد تتحول إلى تحرش مبطن أو صريح؟».
تتفادى الرد على موضوع لا تريده أن يكون شخصيا، وهذا حال أغلب اللواتي اتصلت بهن. وبعد طول إلحاح واتصالات متكررة، تذعن لأسئلة صحافية تسلط الضوء على واحد من الطابوهات المسكوت عنها ، قائلة: «أنا جميلة، فليكن. أنا سياسية ولست هنا ( تشير إلى مكتبها في مقر الحزب ) لاستعراض مفاتني. أنا مناضلة وعلى الجميع أن يخاطبني على هذا الأساس ».
ولأن الحديث ذو شجون، يأخذنا الكلام عن قضية لها حساسيتها وأهميتها إلى ميدان التحرير حيث ولدت الثورة المصرية. فتابعوا تسلسل أفكارها.
تقول نبيلة منيب: «أنا أيضا تعرضت لأنواع من التحرش، فهذا يصر على أن يصفني بالحسناء التي تتزعم الحزب الاشتراكي الموحد، والسياسية الفاتنة، والمناضلة الجميلة، والأمينة العامة الاشتراكية الأنيقة التي سُلطت الكثير من الأضواء على الساعة اليدوية الثمينة التي تضعها في يدها، ولست أدري لماذا لا يقولون إن الأمين العام لهذا الحزب «بوكوس»، أو يخاطبون الوزير فلان بالوزير الوسيم، ولا أفهم لما لا يقولون إن هذا المناضل في هذا الحزب السياسي الديمقراطي والاشتراكي أنيق؟ لماذا هناك إصرار على كل هذا التحرش الذي يعتقد الكثيرون، عن جهل، أنه ليس كذلك.
لماذا ينظرون إلى شكلي؟ إلى جمالي؟ إلى ساعتي اليدوية؟ ولماذا يصفونني بالحسناء التي تتزعم حزبا اشتراكيا. أنا لست شخصا، أنا مؤسسة، ولا أقود هذه المؤسسة مع فريق العمل بالاعتماد على الجمال، وإنما بالاستناد إلى مبادئ وأسس. لقد تربيت في بيت يحترم الأناقة والجمال، ويفرد لهما مساحة شاسعة، والدتي رحمها لها كانت ترتدي في البيت أجمل ما لديها لتجالسنا نحن الأبناء، وكانت الأكثر أناقة في نظري في بساطتها وفي اختيارها للألوان وتنسيق بعض التفاصيل، وأنا مدينة لها بتلقيني تلك التفاصيل وفلسفتها في الحياة وحب العيش، ومازلت أتذكر ترديدها للمثل المغربي الذي يقول : « لهلا يخلي لبومارت ما يورث » . أملك ساعة يدوية غالية الثمن، هكذا علقوا على ساعتي، فليكن ، لدي أجمل منها لحسن الحظ لم تطلها عدسة وفضول في غير محلهما. الحسناء منيب ! ما معنى ذلك؟ لدي ابنة رائعة الحسن، فهل سيكتبون غدا منيب الحسناء أم الأكثر حسنا ! ما هذه الخزعبلات؟ أنا بكل بساطة، وبكل وضوح، أيضا إنسانة ومناضلة أحمل أفكارا وتصورات، وعلى هذا فقط ينبغي التركيز ».
ولأنها رفضت أن تطيل في الحديث عن ذاتها فقد انتقلت إلى الظاهرة في شموليتها: «إن ظاهرة التحرش الجنسي موجودة في كل المجتمعات بمستويات مختلفة، وقوتها ترتبط بطبيعة الموروث الثقافي في المجتمع المغربي، وفي أي مجتمع آخر، وهذا الموروث المحافظ الذي يجعل المرأة في مكانة دونية، وكأنها مواطنة من الدرجة الثانية، والمثير أن هذه الصفة تلازم المرأة في البيت وفي الشارع وفي العمل، وفي كل مجالات الحياة العامة، وتختلف حدتها بتغير المكان، فمثلا قد يتضاعف التحرش كلما انتقلنا إلى حي أو سوق شعبيين أو أمام مدرسة أو ثانوية... والشخص الذي يتحرش بالمرأة يمارس شكلا من أشكال العنف، وهو بدوره شخص معنَّف، فالذين يمارسون التحرش بكل أشكاله هم في نهاية المطاف أشخاص مقصيون في المجتمع، وتنقصهم في حياتهم اليومية الحدود الدنيا للكرامة والعيش الكريمين، إنهم يشعرون بالإهانة، وإحساسهم بالنقص المستفحل من الداخل هو الذي يحرك كل ذلك العنف المخزن في دواخلهم. ولو خضع كل متحرش بمساعدة أخصائي نفساني لتشخيص موضوعي سيخلص إلى أن العنف الممارس عليه وراء جزء من تصرفاته تلك، لذلك كلما انتقلنا إلى وسط عنيف، حيث يستفحل الفقر المدقع، الحرمان وغياب الشغل، كلما ارتفعت نسبة العنف». هل هذا معناه أن التحرش طبقي، وأنه لا يطال إلا الأوساط الفقيرة؟ يأتي الجواب على لسان الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد: «لا، إنه داء لا يؤمن بالطبقية أو الفئوية، ويمكن أن تعاني منه المرأة التي تعيش في أوساط ميسورة، كما يمكن أن تعاني منه المرأة الفقيرة، لأن الصورة التي ترسم عن المرأة عموما، أي في الوسطين معا، هي صورة الحائط القصير الذي يمكن القفز فوقه بكل سهولة». وفي هذا الصدد، تورد مثلا بالحديث عن تحرش تعرضت له إحدى صديقاتها. يتعلق الأمر بأستاذة جامعية تُستقبل في الكثير من دول العالم استقبال الزعماء ورؤساء الدول، وهي سيدة وأستاذة مقتدرة، وهي في نفس الآن سيدة ثرية، وجميلة وغير متزوجة، وتخيلوا ما الذي وقع لها؟ «تقدم لخطبتها البستاني الذي جرت العادة أن يتردد على «فيلتها» بين الفينة والأخرى لتشذيب الحديقة، وفي يديه كيس يحوي قالبين من السكر، وطرق بابها وسمح لنفسه بأن يطلب موعدا من مساعدتها في المطبخ كي تستقبله، وهذا عيبا، وقد استقبلته بكل احترام، إنما العيب أن يفاجئها، وهو الأمي الذي لم يتردد يوما على المدرسة، بالتقدم لخطبتها وهي الأستاذة الجامعية، التي كما أسلفت، تُستقبل استقبال رؤساء الدول، وقد قال لها بالحرف : «جيت باش نسترك » . إن السبب الثاوي وراء التحرش الجنسي هو المنطق الرجولي الذكوري السائد في المجتمع، وهو ما يتسبب أيضا في العنف المادي والتمييز الرمزي الذي يمارس ضد المرأة، واسمحوا لي أن أقول لكم إن العنف المادي والرمزي والمعنوي يمكن أن يأخذ أشكالا وأنواعا متعددة، ويمكن أن يصل إلى مستوى التحرش الجنسي، والدليل على كلامي أن هذا العنف يمارس في الشارع بالتحرش اللفظي، وبالحركات، والإشارات... وقد يصل إلى حد الاغتصاب، فتتوالى الخطوات من: «راكي زوينة، ومنشوفوكش الزين»، إلى «غزالة مع راسك»... وما إلى ذلك، وصولا إلى أن يسمح الرجل لنفسه باستباحة جسد النساء، ويمكن أن يتطور الأمر من تحرشات لفظية إلى محاولات اللمس إلى الاغتصاب أو الشروع في ذلك. إنها عقلية تجذرت في المجتمع لأنها عثرت على تربة خصبة غرست فيها جذورها، ولها تمثلات في هذا المجتمع الذكوري، ويمكن أن يمارس هذا التحرش الجنسي بأشكال مختلفة في العالم الحضري كما في العالم القروي، حيث يستند التحرش الجنسي على منطق الفحولة والذكورية. وكما أسلفت، يتحرش الرجل بالمرأة من باب الترويج عن نفسه ككائن مقموع، وهو في الحقيقة يمارس عليها اعتداءات متتالية، حتى لا أقول ممنهجة. في مصر، مثلا، اضطرت النساء، وبسبب هذه التحرشات المتتالية، وبنفس المنطق الذي يمارس في المغرب، إلى ارتداء الحجاب و«القشابة».
لكن حينما قُص شريط الحرية والعدالة والمساواة بعدما وصلت رياح الربيع العربي إلى أرض الكنانة، سقط جدار الخوف، وتكسر حاجز التمييز، وتراجع التحرش فاسحا المجال لعلاقات أخرى بين الرجال والنساء الذين التقوا في ميدان التحرير، من أجل هدف أسمى، من أجل إسقاط الديكتاتور مبارك، من أجل احترام إرادة الشعب المصري، من أجل الحرية، والعدالة، ولذلك شعرنا أمام تلك المشاهد التي تتبعناها بأن المصريين والمصريات الذين خرجوا إلى ميدان التحرير وغير ميدان التحرير، أصبحوا يدا واحدة، رفاقا وإخوة من أجل محاربة كل تمظهرات الاستبداد والتمييز... ولذلك لم يعد بين المصريين، في تلك اللحظة التاريخية وهي لحظة الوعي الأكبر، أي فرق.
لقد جسدوا حقيقة المصلحة العامة، وتجاوزا المصلحة الشخصية، وانتقلوا من لحظة الاستبداد والتمييز إلى محاولة تجسيد وتنزيل شعارات دولة الحق والقانون، لأن القانون يساهم في تطوير العقليات، ولكل ذلك، تراجع التحرش اليومي الذي جرت العادة أن تعيشه المرأة المصرية في الشارع وفي المؤسسات التعليمية».