1- لو أخبرتك أن الله سبحانه وتعالى قد خلق 360 شخصا بطريقة مميزة فجعل فى قدرتهم أن يصنعوا الرعد والبرق والمطر ويتحكموا فى الشمس والليل والنهار، وأن هؤلاء الأشخاص المقدسين يتزوجون بنساء مقدسات مثلهم، لكنهم لا يضاجعون زوجاتهم كما يفعل الرجال العاديون، وإنما يتفوه الرجل المقدس بكلمة معينة أمام فم زوجته فيحدث الحمل فورا فى بطنها المقدس بغير حاجة لممارسة الجنس. هل يمكن أن تصدق هذا الكلام؟!
2- لو أخبرتك أن الله يطلب منك أن ترتدى سروالا معينا ولا ترتدى سواه أبدا، كما يأمرك سبحانه وتعالى بأن تلبس فى معصمك سوارا من الفولاذ، وأن تستعمل مشطا معينا لتصفيف شعرك، وأن تحمل خنجرا تعلقه على وسطك ولا تخلعه أبدا. هل يمكن أن تصدق أن هذه أوامر الله وأنك لو عصيتها ستحيق بك اللعنة؟
3- لو أخبرتك أن الله قد خلقك فى أدنى مرتبة إنسانية، وأنك ستعيش وتموت منبوذا محتقرا من الجميع، والسبب فى ذلك أن روحك فى حياة سابقة كانت تعيش فى جسد شخص شرير ارتكب الكثير من المعاصى والجرائم، وبالتالى عليك أن تتحمل احتقار الناس واضطهادهم لك طوال حياتك كعقاب عادل لروحك، وعندما تموت ستبعث روحك من جديد فى جسد شخص طيب، فتحظى عندئذ بجميع حقوقك واحترام الناس ومحبتهم.. هل يمكن أن تصدق هذه الفكرة؟!
عزيزى القارئ إذا كنت مسيحيا أو مسلما فسوف تجد الأفكار السابقة فى منتهى الغرابة وقد تسخر منها باعتبارها خزعبلات. اعلم أن هذه الطقوس والعقائد تنتمى- بالترتيب- إلى الصابئة والسيخ والهندوس وهذه الديانات الثلاث يؤمن بها ملايين الناس فى العالم، ويكفى أن تعلم أن أتباع الديانة الهندوسية يزيد عددهم على 900 مليون شخص يشكلون نحو 14 فى المائة من البشر، والعقيدة الهندوسية تأتى فى المرتبة الرابعة من حيث قوة انتشارها فى العالم (بعد المسيحية التى هى ديانة 33% من البشر، ثم الإسلام الذى يشكل عقيدة 21% من البشر، ثم اللادينيون الذين لا يؤمنون بدين، وهم 16% من سكان العالم).. المنتمون إلى ديانات لا نعرفها مثل الهندوسية ليسوا إذن حمقى ولا أغبياء ولا مشعوذين، وإنما أشخاص طبيعيون مثلنا، وكثيرون منهم أذكياء ومتعلمون جيدا، لكنهم بالرغم من رجاحة عقولهم يؤمنون بكل هذه الطقوس الغريبة فى نظرنا، ويعتبرونها حقائق مقدسة مطلقة يدافعون عنها بحرارة ويرفضون التشكيك فيها ولو من بعيد. تماما كما نؤمن، نحن المسلمين والمسيحيين، بمعجزات ووقائع دينية لم نرها بأعيننا، لكننا نقدسها ونرفض التشكيك فيها مطلقا، بينما قد يعتبرها البوذى أو الهندوسى أفكارا غريبة وغير قابلة للحدوث.
علينا هنا أن نعترف بأن الذين عاصروا نشأة الدين فى العصور القديمة هم وحدهم الذين اختاروا الإيمان بالدين بإرادتهم الحرة، لأنهم كان بوسعهم أن يرفضوه، أما الناس فى الأجيال اللاحقة، فهم غالبا لا يختارون أديانهم بإرادتهم الحرة، وإنما يولدون بها، ولو أنهم ولدوا بأديان أخرى لآمنوا بها بنفس الحماس. لو أن المسيحى ولد بوذيا لآمن بأن بوذا هو الحقيقة الوحيدة فى هذا العالم، ولو أن المسلم ولد هندوسيا لاعتبر أن الهندوسية دين الحق.. علينا أيضا أن نعترف بأن الإيمان بالدين اعتقاد عاطفى بالأساس، وبأننا قلما نستعمل العقل فى الوصول إلى الدين، إن دين أى شخص فى هذا العالم يتحدد ساعة زواج أبيه بأمه، نحن نرث الدين عن أبوينا، ثم نؤمن به بعواطفنا ونستعمل كل ما وهبنا الله من ذكاء لندلل على صحة عقيدتنا الدينية. الدين اعتقاد حصرى ومطلق، بمعنى أن كل صاحب دين لابد أن يؤمن بأن دينه الوحيد الصحيح، وبأن بقية الأديان كلها مزورة أو مختلقة أو محرفة. الإسلام يعتبر المسيحية واليهودية ديانتين محرفتين، والمسيحية لا تعترف بنبوة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، واليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام. أما بقية أديان العالم فالمسلمون والمسيحيون واليهود لا يعتبرونها أديانا سماوية من الأساس. لا جدوى إطلاقا من مناقشة أى إنسان فى صحة عقيدته الدينية، لأنه مهما كان متسامحا منفتحا فى المسائل الأخرى ما إن توجه أى نقد لدينه حتى يتوتر ويتعصب فى النقاش ويرفض مجرد التفكير فى أن يكون دينه على خطأ. الإنسان من أجل الدفاع عن معتقداته الدينية على أتم استعداد لأن ينكر حقائق واضحة كالشمس ويناور ويغالط ويكذب وقائع ثابتة قاطعة، بل إن الإنسان إذا تصور أنه يدافع عن دينه من السهل أن يعتدى على حقوق الآخرين، وقد يقتلهم إن لزم الأمر. من هنا فإن الصراعات الدينية، أكثر من أى عامل آخر فى التاريخ، كثيرا ما تسببت فى حروب ضارية ومذابح بشعة راح ضحيتها مئات الملايين من البشر. إن قتل الآخرين دفاعا عن الدين أسهل بكثير من قتلهم دفاعا عن الوطن أو الشرف. إذا كنت تعتبر أن دينك هو الوحيد الصحيح، فمن الصعب أن تعترف لأصحاب الأديان الأخرى (المزورة) بنفس الحقوق التى تتمتع بها، لأنهم فى ضلال مبين، بينما تملك أنت وحدك الحقيقة الإلهية. إنك تعتبرهم نوعا من البشر غير مكتمل الإنسانية تماما، لأنهم كفار أنجاس مقززون، وبالتالى فإن حقوقهم الإنسانية- فى نظرك- ليست ثابتة أو مطلقة، وإنما تتوقف على حسن سلوكهم، فإذا أساءوا التصرف فإن الاعتداء عليهم أو الاستيلاء على ممتلكاتهم أو حتى سبى نسائهم قد يكون فى لحظة ما مشروعا، وربما واجبا. الأديان جميعا فى جوهرها تدعو إلى الحرية والعدل والحق والخير. نحن نحتاج دائما إلى الدين، لأن الله قد خلق فينا عاطفة دينية عميقة جارفة (مثل عاطفة الأمومة) لابد أن نمارسها حتى نتوازن نفسيا، أضف إلى ذلك أن الدين يقدم تفسيرا لنشأة الكون وتصورا واضحا لما سوف يحدث بعد الموت، كما أن الدين يربط أفعالنا بنظام محدد للثواب والعقاب، فيحفزنا لفعل الخير ويخيفنا من ارتكاب المعاصى. الدين لا غنى عنه للإنسانية، لكن خلط الدين بالسياسة يؤدى دائما إلى الكوارث. كل من يمارس السياسة من منطلق دينى سوف يتحول حتما إلى شخص متعصب يمقت ويحتقر كل من يخالفه فى الرأى، ويستعمل وسائل الدفاع عن الدين فى تبرير سياسات بشرية قابلة بطبيعتها للصواب والخطأ. ما حدث فى مصر خلال عام واحد من حكم الإخوان أكبر دليل على ذلك. لقد خلط أتباع الإسلام السياسى بين تصرفات شيوخهم وبين أوامر الدين المقدسة، وها نحن نراهم يدافعون عن مرسى المعزول وكأنهم يدافعون عن عقيدتهم الدينية، فيغالطون ويجادلون وينكرون حقائق واضحة كالشمس، بل إن كثيرين من أنصار الإخوان قد أسبغوا على مرسى طابعا مقدسا، وأكدوا أنه مؤيد من الله وأن الإطاحة به معصية لأوامر الله ورسوله. محمد مرسى الفاشل الألعوبة فى يد خيرت الشاطر، والذى تم فى عهده اعتقال 3462 مواطنا ومقتل 143 شهيدا رميا بالرصاص أو تحت التعذيب، والذى أصدر إعلانا دستوريا عطل به النظام الديمقراطى وتحول إلى ديكتاتور يضع قراراته فوق القانون والدستور. كل هذه جرائم تكفى لعزل أى رئيس ومحاكمته، لكن أنصار الإخوان يمارسون السياسة من خلال عقيدتهم الدينية، الأمر الذى يمنعهم دائما من رؤية الحقيقة، إنهم يعتبرون الثورة التى أطاحت بمرسى مؤامرة ضد الإسلام، وبالتالى لا يتورعون عن قتل الأبرياء وتعذيبهم، بل وذبحهم والتمثيل بجثثهم بينما هم يكبرون ويهللون، لأنهم يؤمنون بأن معارضى مرسى ليسوا مجرد خصوما سياسيين، وإنما هم مجموعة من المنحلين أو الكفار أو عملاء للصهيونية، ما يجعل التنكيل بهم جهادا مقدسا فى سبيل الله. هنا يجب علينا أن نتعلم الدرس.. إن ملايين المصريين الذين صنعوا الموجة الثورية الكبرى فى يوم 30 يونيو لم يكن مطلبهم مجرد خلع مرسى، وإنما كانت رسالتهم واضحة وقاطعة بأن مصر لم تعد تتحمل ولم تعد تريد أحزاب الإسلام السياسى من أساسها. كنا نتوقع بعد 30 يونيو أن يتم حل الأحزاب السياسية التى قامت على أساس دينى وحظرها، كما نصت كل دساتير مصر منذ عام 1923، لكننا فوجئنا بدعوة حزب النور السلفى، وهو من أكثر الأحزاب الدينية رجعية وتشددا، ليشارك فى كتابة الدستور، ثم فوجئنا مرة أخرى بأحاديث بعض المسؤولين عن المصالحة مع الإخوان كأن ما حدث فى مصر ليس ثورة شعبية ضد حكم عصابة إرهابية فاشية، وإنما مجرد مشاجرة بين صديقين أو زوجين تنتهى باعتذار وأحضان وقبلات، ثم تعود المياه إلى مجاريها.. بعد أن رأينا بأنفسنا المصائب التى جرها علينا الحكم باسم الدين يجب علينا فى الدستور الجديد أن نفصل الدين عن الدولة ونمنع إنشاء الأحزاب على أساس دينى. بغير ذلك فسوف تقع مصر فى قبضة الفاشية الدينية من جديد وسنكون أشبه بمن بذل مجهودا كبيرا ثم اخترع فى النهاية عجلة فضاع جهده بلا طائل. ماذا نريد لمصر بالضبط؟! هل نريد لها أن تكون دولة ديمقراطية عصرية، أم نريد لها نظاما دينيا فاشيا مثل الذى يحكم أفغانستان والصومال والسودان؟!
إن فصل الدين عن الدولة لا يعنى إطلاقا محاربة الدين أو نزع الطابع الدينى عن الشعب والمجتمع. الدولة المدنية تحترم الأديان جميعا وتحمى حقوق الناس فى ممارسة أديانهم، لكنها لا تنحاز لأى دين بعينه ولا تزعم أنها تحكم باسم الله. إن الأحزاب الدينية لا مكان لها فى النظام الديمقراطى وليس فى منعها إقصاء لأحد. إذا أراد الإخوان والسلفيون العمل بالسياسة فعليهم أن ينشئوا أحزابا سياسية مدنية لا علاقة لها بالدين، وإذا تم انتخابهم عليهم أن ينفذوا سياساتهم باعتبارها اجتهادا بشريا قابلا للصواب والخطأ، وليس باعتبارها أوامر دينية ينفذونها فينا بأمر الله ويكفرون كل من يعترض عليها. إذا أرادوا الدعوة إلى الدين من حقهم إنشاء جمعيات دينية لا يكون لها أى علاقة بالسياسة. هذا الفصل بين الدين والسياسة يجب أن يمتد أيضا إلى دور العبادة، فلا يجوز أبدا أن تستعمل المساجد والكنائس لأغراض سياسية مهما تكن الظروف. الفصل الكامل بين الدولة والدين هو الدليل على أننا استفدنا من أخطائنا واستوعبنا الدرس جيدا، وهو خطوة أساسية لا غنى عنها من أجل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التى قامت الثورة لتحقيقها وقدم من أجلها آلاف المصريين حياتهم ودماءهم. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها جميعا بإذن الله.