الكثيرون يصفون وزير الدولة عبد الله باها بأنه العلبة السوداء لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، فهو البوصلة التي استند إليها بنكيران كلما اختلطت عليه الأمور، بل حتى وإن لم تختلط، إذ لا قرار ولا موقف يصدر عن بنكيران إلا وأشر عليه رفيق دربه عبد الله باها. ناذرا ما يتكلم عبد الله باها، ومعروف عليه أنه يتقن فن الإنصات بشكل لا يُتخيّل، وكثيرٌ من ملامح هذه الصورة «الجامدة» عن وزير الدولة باها تصير مختلفة عندما يوضع تحت مجهر تقييم زوجته فاطمة معنان، التي هي أيضا علبة سوداء موسّعة تجمع أسرار الصديقين معا، بنكيران وباها.
باها، العلبة السوداء لزعيم العدالة والتنمية، انتقل بدخوله للحكومة من وضعية الصديق الأمين إلى الوزير الأمين، وذلك بشهادة أسرته، وعلى رأسهم زوجته فاطمة معنان.
من شدة الارتباط بينه وبين بنكيران، أوكل باها مهمة تزويجه للمرة الثانية إلى بنكيران وزوجته. وعُرف عن باها بأنه من قيادات الحزب التي لجأت إلى التعدد، وكانت نبيلة بنكيران وزوجها هما من اختارا فاطمة معنان، وجعلاها زوجة ثانية لباها.
تنفتح أسارير فاطمة معنان، التي يعرفها المقربون منها على أنها امرأة بسيطة، وهادئة لحظة حديثها عن الجانب الاجتماعي لأسرة عبد الله باها، فهذا الأمر يثير في نفس فاطمة رغبة جامحة في تعداد خصال الرجل، ف»الله رزقني بزوج لطيف وأب حنون يوفر لعائلته جوا هادئا تتمناه كل العائلات»، تقول معنان، مضيفة «لذلك من الصعب جدا أن يغير المنصب شيئا فيه، لأنني كما عهدته قبل 22 سنة ما زال هو نفسه لم ينل منه الزمن ولا الأضواء ولا المناصب».
لم يكن تعيين باها وزيرا في حكومة بنكيران مفاجأة بالنسبة لأسرته، على الرغم من أنه «كان يحب دائما الابتعاد عن الأضواء، كما أنه قرر سابقا ألا يعود إلى البرلمان ليتفرغ للحزب»، تقول زوجته، لكن «المنصب أقبل عليه، وهو الآن رفقة باقي أعضاء الحكومة في وضع لا يحسدون عليه».
ينحدر باها من أسرة بسيطة، وهو إلى اليوم، يتكلف بأمورعائلته الكبيرة والصغيرة معا. يعيش في شقة متواضعة جدا في حي المحيط بالرباط، وهي الشقة التي لا يزال يقطن فيها لحد الآن. ينزل يوميا في الدرج مع نفس الجيران الذين ظل يلتقيهم ما يفوق 10 سنوات عندما حل بهذا البيت، ويتبادل معهم التحية قبل أن ينصرف إلى عمله. تقول فاطمة معنان، «قبل الانتخابات كنا نفكر في تغيير المنزل، لأنه صار ضيقا، خاصة بعد أن عقدت ابنتي حكمة، البالغة من العمر 20 سنة، قرانَها، وصرنا نشعر بالحرج كلما حضر زوجها لزيارتنا، وقد حصلت على إرث من عائلتي قمت ببيعه، وكنا سنوفره لشراء بيت أوسع، لكن بعد دخول زوجي الحكومة تراجعنا عن الفكرة بطلب منه، حيث خشينا أن تتم قراءتها قراءة مغلوطة، خصوصا من قبل محيطنا القريب»، لذلك، تقول باستسلام «بقينا في نفس البيت».
حافظت أسرة باها، على نفس عاداتها. يوميا تخرج الأم إلى السوق مع مساعدتها لقضاء أغراضها، والأبناء يتوجهون إلى مدارسهم بشكل عاد جدا. تقول «قد يحدث أن يتأخر ابني يوسف عن سيارة المدرسة، ونحن نمنحهم أجرة الطاكسي ليلتحق بفصله، وأبنائي يدرسون بمدارس خاصة منذ البداية». لم يسلم أبناء باها من ألسنة زملائهم، الذين يتساءلون دائما «لماذا ليس لكم سائقين مادمتم أبناء وزير؟» لماذا لم تغيروا مدارسكم نحو مدارس أرقى وأحسن؟ لكن، «ليس هناك ما يستدعي كل هذا التغيير، فالمنصب مسؤولية ونحن نسعى إلى التغيير الشامل للمجتمع وليس للأسرة.
تعمل فاطمة زوجة باها، في مختبر للتحليلات الطبية منذ 28 سنة، وتتقاضى منه راتبا متواضعا. وتقول «بعض المقربين استغربوا لأنني لم أترك عملي بعد أن صار زوجي وزيرا، لكنني محتاجة إلى أجري الشهري، بالإضافة إلى أن عملي هو عمل إنساني بالدرجة الأولى». وتضيف «أجرة الوزير لا تدخل بيتنا كاملة، لأن فيها حصة الحزب والمساعدات الإنسانية ومصاريف العائلة الكبيرة والصغيرة»، قبل أن تردف «لم نصر أغنياء حتى أتخلى عن عملي، كما أنني أحب عملي بشكل كبير». برنامج العائلة لم يتغير بشكل كبير، فيوميا يستيقظ باها وزوجته مبكرا، وبعد صلاة الفجر، تجتمع الأسرة على طاولة الإفطار، ثم يتكلف الوزير باها بنقل زوجته إلى مقر عملها، بعد ذلك يعود الوزير باها إلى البيت ليطالع الصحف إلى أن يحين موعد التحاقه بالوزارة، ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل.
لا تعلم فاطمة أشياء كثيرة عن تفاصيل عمل زوجها، فباها، كما يعرفه الجميع رجل كتوم، حتى مع أسرته. تقول زوجته «عبد الله رجل حكيم ومتحفظ، وقد حباه الله بحكمة وبصيرة حيث يأخذ وقتا طويلا ليجيب على سؤال بسيط، وهو لا يميل إلى التسرع». وتضيف «لا نعرف أشياء كثيرة عن أسرار عمله، وكلما تلقينا معطيات عبر الصحافة والإعلام نسأله، وطبعا يناقش معنا»، أما الأمور الحساسة «فهو لا يشرك فيها أحدا ويظل كتوما إلى أبعد حد». طبعا، «يكتمها على الجميع، باستثناء شخص واحد، هو عبد الإله بنكيران، الذي يبقى أقرب الناس إليه». «في المرتبة الأولى يوجد السي بنكيران وبعده أنا»، تقول فاطمة بابتسامة عريضة. وتضيف «هم إخوة، أكثر من ذلك فالسي بنكيران وزوجته نبيلة هم من قاموا بخطبتي لعبد الله باها، حيث كنا نشتغل معا في إطار حركة التوحيد والإصلاح، وكانت بيننا علاقة احترام وود، مازالت إلى الآن، كما أن علاقتنا بأسرة بنكيران لم تتغير وبقيت قوية في كل اللحظات». في اليوم الذي تم فيه تنصيب الحكومة الجديدة، توجهت فاطمة معنان إلى بيت عائلة بنكيران لإلقاء التحية.
ولحظة وصولها، تقول «صادفت رئيس الحكومة خارجا رفقة زوجي، وقد خاطبني ضاحكا «الآن سأنتقم منك شر انتقام»، فأجبته «لماذا معالي رئيس الحكومة»، فرد علي قائلا «دائما كنت أطلب منكِ أن يبقى معي السي باها للغذاء يوم الجمعة وكنت تقفين حاجزا أمام هذا الأمر، والآن سأنتقم منك». وتعلق فاطمة على ذلك ضاحكة «كنت أحرص على أن أجتمع بزوجي على طاولة الغذاء يومي الجمعة والثلاثاء، والسي بنكيران كان يعرف هذا الأمر ويستسلم له، وبعد تنصيب الحكومة يبدو أن هذه العادة بدأت تغيب بسبب الانشغالات الحكومية، لكنني أخبرت السي بنكيران أنني مستعدة للتضحية بهذا الحق في سبيل خدمة الوطن، فرد علي ضاحكا «الله يرضي عليك آ الأخت».