فتوى القيادى الإخوانى بعدم جواز تهنئة الأقباط بعيد القيامة لم يحالفها التوفيق لا فى المضمون ولا فى التوقيت. صاحب الفتوى هو الدكتور عبدالرحمن البر الذى أصدرها بصفتين إحداهما أنه عضو فى مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، والثانية أنه استاذ علم الحديث بجامعة الأزهر. وقد ذكر فيها ما خلاصته أن تهنئة شركاء الوطن من الأقباط فى مناسباتهم وأعيادهم المختلفة من الإحسان والبر الذى أمر به الله وحث عليه القرآن، طالما أن تلك التهنئة لم تشتمل على التلفظ بشعارات أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام. وقد اعبتر أن تهنئتهم بعيد الميلاد من الأمور المقبولة والمستحبة، لأن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عليه السلام هو رسول من أولى العزم من الرسل، وأنه بشر كانت ولادته آية من آيات الله، وكانت خيرا على البشرية. إلا أنه اعتبر التهنئة بعيد القيامة أمرا غير مشروع، لأنها من قبيل الأمور التى تتناقض مع عقائد المسلمين الذين يعتبرون أن المسيح لم يصلب حتى تكون له قيامة، وإنما عصمه الله من اليهود ورفعه إليه. وهو يسجل هذا الموقف ذكر أن ما ذهب إليه لا ينفى الإقرار بحق شركاء الوطن فى أن يعتقدوا ما يشاءون أو أن يفعلوا ما يشاءون. وقال إن التحية والمجاملة بمثل عبارة كل سنة وأنتم طيبون، «لا حرج على الإطلاق فى أن يقولها المصرى المسلم لغير المسلم فى أى وقت وفى كل مناسبة». بالمعيار النسبى تعد فتوى الدكتور البر أفضل وأكثر تقدما من فتاوى بعض السلفيين الذين لهم خصومتهم التقليدية مع الأقباط، بل ومع بعض المسلمين أيضا، وإذا قارنت نص فتواه المنشورة على شبكة التواصل الاجتماعى، والتى تحدث فيها عن استمرار تواصله مع الأقباط وتعدد زياراته للكنيسة، بآراء الآخرين الذين لم يجيزوا إلقاء السلام عليهم أو مصافحتهم فى أعيادهم، فستجد أن كلامه أكثر إيجابية من غيره، مع ذلك فإننى ما تمنيت أن أقارنه بالأسوأ، لأن التقييم الصحيح له يتم من خلال المقارنة بالأفضل والأكثر التزاما بمقاصد الشرع ومصلحة الوطن. من هذه الزاوية فإننى أزعم أن مقارنة فتواه بموقف الخطاب السلفى شبيهة بالمقابلة بين العور والعمى. وإذا حصرنا المقارنة فى هذه الدائرة فسوى نفضل الأولى على الثانية، بطبيعة الحال. إلا أننا إذا وسعنا الدائرة فسنجد أن تمام الإبصار أفضل بمراحل من هذين الخيارين. لقد ذكرت أن التوفيق لم يحالف شيخنا الجليل فى مضمون ما أفتى به وتوقيته. ومشكلة المضمون تكمن فى أنه حمل التهنئة ببعد عقيدى، فى حين أنها فى نظر المواطن العادى من قبيل المجاملة والتعبير عن المودة الإنسانية والمجتمعية التى لا شأن لها بالخلفية العقيدية. وللعلم فإننا لو حكَّمنا المنطق الذى اعتمده فلن نجيز تهنئة الأقباط بعيد ميلاد المسيح، رغم أنه أيدها. ذلك أن هناك خلافا عقيديا حول تقييم شخصية المسيح بين المسلمين وعموم المسيحيين. فالأولون يرون أنه نبى الله، والمسيحيون يعتبرونه ابن الله. وإذا استخدمنا منطق الدكتور البر فلن نعدم أحدا يقول بأن تهنئة الأقباط بتلك المناسبة تعد إقرارا من المسلمين بما يخالف رأى الإسلام فى نظرته إلى طبيعة المسيح. وإذا أخذنا برأيه فى أن تحية المسلم للقبطى فى هذه المناسبة تعد من قبيل المجاملة التى لا تعنى الإقرار بالموقف العقيدى فإن الحجة ذاتها تبرر التحية التى يمكن أن تصدر فى مناسبة عيد القيامة. ومن ثم تهدم تحفظه على مبدأ تهنئته للأقباط فى تلك المناسبة. إن شيخنا رأى فى التهنئة التى رفضها عنصرا ظنيا لا يخطر على بال المواطن العادى. لكنه لم ير بعدا قطعيا يصب فى صلب المصلحة العامة ووحدة الجماعة الوطنية. وهو اعتبار يستدعى فكرة الملاءمة فى توقيت إصدار الفتوى. ذلك أن وحدة الجماعة الوطنية مطلوبة فى كل الأوقات، إلا أنها فى الظروف الراهنة أشد إلحاحا. ليس فقط بسبب الاحتقان الطائفى الطارئ على المجتمع المصرى، ولكن أيضا لأن الإخوان المسلمين أصبحوا يشكلون طرفا أساسيا فى الحكم. ومن ثم تعين عليهم أن يقدموا نموذجا إيجابيا فى تأسيس علاقتهم بالأقباط. وهذا الذى قال به الدكتور عبدالرحمن البر لا يخدم ذلك الهدف، بل ويضر به. لأنه فى نهاية المطاف يبعد ولا يقرب ويضعف الوشائج ولا يوثقها ويقويها. إن نقطة الضعف الأساسية فى الفتوى أنها ركزت على ما هو عقيدى وتجاهلت ما هو سياسى. وذلك أمر يمكن تفهمه طالما أنه اجتهاد داخل الإخوان، ولكن حين تكون الجماعة طرفا أساسيا فى حكم البلاد فإن رؤية المصلحة الوطنية تصبح أمرا واجبا وملزما بذلك أزعم أن موقف الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة كان أكثر صوابا حين تقدم بالتهنئة للأقباط بالمناسبة، فى مبادرة تجاوز فيها رأى الدكتور البر وانحاز إلى مصلحة الوطن.وهو أمر محزن حقا أن تتحول مسألة تهنئة الأقباط بعيد لهم إلى موضوع للمناقشة فى وقت يواجه الوطن والثورة فيه تحديات كبرى تستحق من الجميع عقلا أكبر ونظرا أبعد وإدراكا أعمق للمقاصد والمصالح. إن بعض فقهائنا يخدمون الإسلام أكثر إذا سكتوا فاستراحوا وأراحوا.