أتباع الراحل عبد السلام ياسين لم يكونوا المكون الإسلامي الوحيد داخل حركة 20 فبراير التي قلبت الموازين، بل إن كتلة متراصة يغلب عليها السواد، لعشرات من النسوة المنقبات يحملن لافتات تطالب بالإفراج عن أزواجهن السجناء والمدانين بناء على قانون محاربة الإرهاب، ظهرت في ساحة باب الأحد صبيحة يوم الأحد 20 فبراير 2011. هذه الكتلة كانت جزءا من أولى مسيرات «الربيع العربي» في نسخته المغربية. مشهد، ورغم طابعه الحقوقي المشروع والحائز لاعتراف واسع بوجود ظلم وحيف طالا أصحاب اللحى الطويلة واللباس القصير في المملكة؛ فإنه كشف عن حضور ميداني للتيار السلفي، وقدرته على التعبئة والنزول إلى الشارع إلى جانب باقي مكونات الطيف السياسي والشعبي. كان المغرب، طيلة السنوات العشر الأخيرة، يعيش على وقع إعلان السلطات الأمنية بالمملكة تفكيك خلايا «إسلاميين متطرفين»، الذي يعيد شبح أحداث 16 ماي 2003 إلى الواجهة، ومعها حصيلة ال45 قتيلا، ليعيش المغرب على إيقاع سنوات طويلة من مطاردة السلفيين، بل أدت هذه الحرب المفتوحة إلى تداعيات سياسية تمثلت في محاولة بعض أطراف السلطة جمع مكونات الطيف الإسلامي في سلة واحدة، اعتمادا على مقولة «ليس في الإسلاميين أملس»، إلا أن «الربيع العربي» سرعان ما قلب الآية، وحملت رياحه إسلاميي تونس وليبيا ومصر إلى سدة الحكم. وبعدما أدت الحرب المفتوحة على ما يعرف ب«إسلاميي المؤسسات»، أي الناعمين المعتدلين، إلى جعل ملف السلفية والسلفيين، بمختلف ألوانهم وأطيافهم، يتوارى إلى الخلف، ويبتعد عن لائحة أولويات القائمين على الشأنين الديني والأمني، حيث لم تنفع اعترافات أعلى سلطات البلاد بوجود أخطاء في اعتقالات ما بعد 16 ماي 2003، في زحزحة القرار الأمني من مكانه، بل طالت آلة العقاب والتضييق حتى ما يعرف بالسلفية التقليدية، بفعل الحرب التي استهدفت الشيخ محمد المغراوي ومدارسه القرآنية على خلفية ما اعتبر فتوى تزويج بنت التاسعة؛ لم يكن عبد الإله بنكيران وحزبه المعتدل وحدهما من تنفس الصعداء وكسر قيود عهد «الحرب على الإرهاب» واجتثاث الإسلاميين بمجيء «الربيع العربي»؛ بل كان السلفيون أول من تلقف ثمار الربيع، حيث أخذت الدولة تراجع موقفها من رموز السلفية بمختلف أنواعها، بدءا من المغراوي ومدارسه القرآنية وكتلته البشرية الوازنة في مواجهة التحرك الشعبي والميداني لجماعة العدل والإحسان، وانتهاء بمن كانوا يعرفون بشيوخ السلفية الجهادية المعتقلين حينها في السجون. «هناك أدبيات قديمة تؤصل للمشاركة في العمل السياسي، منذ زمن بعيد»، يقول «الشيخ» السلفي محمد عبد الوهاب رفيقي، موضحا أن الحراك الشعبي أجبر الكثيرين على الرجوع لها والالتجاء إليها، لتبرير الاستفادة من الحراك والربيع، «وقد رأينا كيف استقبل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق استقبالا حافلا عند عودته إلى مصر، فقد عاد الكثير من المشايخ لما أصله في فقه المشاركة السياسية، والتعامل مع الديمقراطية، وموازنة المصالح والمفاسد في هذا الباب، واعتبار هذه الوسيلة مدخلا لإقناع الشعوب برجحان الشريعة الإسلامية، وصلاحيتها لحكم البلاد والعباد». استعداد للانخراط في اللعبة السياسية، ومؤشرات عن احتمال ظهور أحزاب سلفية في المغرب، لا تشكل أي تهديد أو مصدر قلق لحكومة عبد الإله بنكيران. فسلفيو المغرب خارجون لتوهم من عشرية عسيرة، فككت خلالها الأجهزة الأمنية ما كان يمكن أن يصبح نواة تنظيمية لهم. وجل «الشيوخ» والقيادات مروا بتجارب اعتقال وتضييق في السنوات الأخيرة، سواء الجهاديين أو «التقليديين» مثل محمد عبد الرحمان المغراوي، بل إن الأخير شكل سندا انتخابيا وسياسيا حاسما لفائدة حزب بنكيران في الاستحقاقات الانتخابية.