استوقفنى ضباط الجمارك فى مطار القاهرة وقالوا لى: نريد أن نتحدث معك فى أمر مهم. اعتقدت فى البداية أنهم سوف يتحدثون معى بشأن المطالب الفئوية التى يتعجلها كثير من المصريين، لكن رئيس الوردية قال لى: نحن فى مأزق إنسانى وأخلاقى ومهنى وفى نفس الوقت شديد؛ بسبب القرار الرئاسى الأخير بشأن الدولار، قلت له: ما طبيعة هذا المأزق؟ أخرج من جيبه صورة ضوئية للقرار الرئاسى المتعلق بمصادرة أى مبالغ تزيد على 10 آلاف دولار مع أى مسافر أو قادم إلى مصر، ثم قال لى: هذا القرار فيما يتعلق بالمسافرين يعتبر عاديا وكان موجودا من قبل وهو يساعد فى الحفاظ على رصيد الدولار الرسمى ويمنع تهريب العملة، لكن المشكلة أو الجديد فى الأمر هو تطبيقه على القادمين، وهذا معناه أنك تمنع وصول العملة الصعبة مع القادمين وتزيد من أزمة الدولار وتصادر أموال الناس بغير حق، فكثير من المصريين العاملين فى الخارج، لا سيما البسطاء من الناس، يجمعون أموالهم طوال العام ثم يأتون بها نقداً معهم ثم يفاجَأون بنا نصادرها حينما تزيد على 10 آلاف دولار. وقد وقعت مآسٍ كثيرة خلال الفترة الماضية بسبب هذا القانون العشوائى وغير المدروس الذى يطبق على جميع القادمين من كل الجنسيات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أحد القادمين الخليجيين جاء يحمل معه زكاة ماله وكانت تزيد على 100 ألف دولار وقال لنا: لقد تعودت كل عام أن آتى إلى مصر بمثل هذه المبالغ التى هى زكاة مالى حتى أوزعها على الفقراء بنفسى، وقد درست فى مصر وأدين بالولاء لأهلها، وهذا أقل ما يمكن أن أقدمه، أنتم الآن تصادرون زكاة مالى وتمنعوننى من فعل الخير بحجة تطبيق القانون، أى قانون هذا الذى يمنع الناس من فعل الخير؟ كما أنى أجلب لكم المال ولا أهربه، وقعنا فى حرج شديد مع الرجل لكننا قلنا له: نحن فى حرج شديد بين فعلك النبيل ومالك الحلال وبين القرار الذى أصدره رئيس الجمهورية ونحن ملزمون بتطبيقه.. هذه قصة. قصة أخرى لمصرى من البسطاء من الناس جمع كل شقاه وغربته وكان معه 30 ألف دولار نقدا، عثرنا عليها حينما فتشنا حقائبه، قلنا له القانون لا يسمح لك إلا بدخول 10 آلاف ويجب أن نصادر 20 ألفا، وبالفعل صادرنا المبلغ وكاد الرجل يصاب بسكتة قلبية وهو يرى شقى عمره يصادَر بسبب عشوائية القرار الرئاسى الذى لعب دورا كبيرا فى شح الدولار ومصادرة أموال البسطاء من الناس. قصة أخرى لرجل أعمال مصرى تعاقد مع رجل أعمال أردنى على أعمال وأنجز المصرى أعماله وجاء الأردنى يحمل أموال المصرى وكان المصرى ينتظره بالخارج، حينما وجدنا معه ما يزيد على 10 آلاف دولار صادرنا المبلغ فخرج الرجل وأبلغ المصرى الذى كان ينتظره فى الخارج وقال له: أموالك لدى المصريين، صادروها. فاستغرب المصرى وسألنا فأخبرناه بحقيقة الأمر.. خرج المصرى عن شعوره وأعصابه ولعن الرئيس والدولة والحكومة ومصر وما فيها ومن فيها، وكاد يكفر بالله. قصة أخرى لسورى جاء هاربا من سوريا مع عائلته ومعه حوالى 50 ألف دولار يتعيش بها مع أهله، فوجئ بنا نصادر ما زاد منها على 10 آلاف دولار، كاد الرجل يصاب بالجنون وقال لنا: هذا كل ما أملك وأسرتى وجئت هاربا إلى مصر لتؤوينى لا لتستولى على رزقى ورزق أولادى، كنا فى حرج بالغ لكننا نطبق القرار الذى أصدره الرئيس. استأنف رئيس الوردية كلامه قائلا: هل تريد المزيد من القصص أم ترفع شكوانا هذه لرئاسة الجمهورية حتى تلغى هذا القرار الجائر فيما يتعلق بالقادمين، وأن تسمح لكل من يريد أن يدخل أموالاً إلى مصر أن يدخلها أيا ما كان حجمها، أما المسافرون فليفرض عليهم ألا يتجاوز حدهم 10 آلاف دولار؟ قلت له: لماذا لم ترفعوا شكواكم لمدير الجمارك ووزير المالية؟ قال: لقد رفعناها وعلمنا أن وزير المالية قد خاطب الرئاسة بالفعل، لكن الرئاسة دائما متأخرة فى اتخاذ القرارات الصائبة. قلت له: أعدكم أن أكتب هذا وآمل أن يصل الأمر للرئاسة لإلغاء هذا القرار فورا، ليس هذا فحسب بل يجب رد كل تلك الأموال التى صودرت إلى أصحابها؛ لأنها أموال سحت أُخذت دون وجه حق، وإلا فليتحمل الرئيس مرسى وزرها أمام الله وأمام الناس والتاريخ.