رغم أن حرفة الإعلام الرئيسية تقوم على نشر الحقائق وتقديم المعلومات الصحيحة وإقرار الفضيلة ومحاربة الرذيلة في المجتمعات، إلا أن ترويج الأكاذيب ونشر الشائعات انتشر عبر وسائل الإعلام المصرية في هذا الوقت الدقيق الذي تمر به مصر، بشكل غير مسبوق، وسط غياب المساءلة وعدم تطبيق القانون، وضياع هيبة الدولة والحاكم والمحكوم، حيث أصبحت بعض وسائل الإعلام وبعض الصحفيين ومقدمي البرامج هم من يقودون الشارع ويوجهون الناس. ذلك أنه، خلال أيام قليلة، انتشرت كثير من الأخبار الكاذبة، أخبار لعبت دورا كبيرا في تهييج الشارع وإغضاب الناس. تبعا لم سبق ذكره، فإنه بعد نشر الخبر في صحف الصباح أو المواقع الإخبارية، أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي توجهها بعض الجهات، يتم تناول الموضوع في برامج التوك شو في المساء، ليلعب التراكم الإخباري للأكذوبة أو الإشاعة دورا كبيرا في تهييج الناس وشغلهم لعدة أيام. وعلى سبيل المثال لا الحصر، حينما تحدث وزير التموين، الدكتور باسم عودة، عن أن ما تنتجه مصر الآن من الخبز في كل المخابز لا يزيد عن رغيفين لكل مواطن، طبقا لعدد السكان والكمية المنتجة، وأن هدفه في المرحلة القادمة هو زيادة الإنتاج ليصبح ثلاثة أرغفة لكل مواطن، أي زيادة كمية رغيف الخبز المنتج بنسبة 30% لتغطية حاجة الناس. الخبر كان واضحا تماما، ذلك أن الوزير يهدف إلى تغطية العجز الحاصل في رغيف الخبز ، لكن وسائل الإعلام التي تنشر الفتن والأكاذيب أخذت الخبر وحورته، وقالت إن الوزير يريد أن يوزع ثلاثة أرغفة لكل مواطن فقط في اليوم. حيث أبلغوا البسطاء، الذين لم يقفوا أو يفهموا مغزى الخبر، أن الوزير سيقوم بتوزيع رغيف على كل مواطن في كل وجبة فقط ، وأن الأرغفة ستصرف على عدد أفراد الأسرة. وكتبت المقالات وأجريت البرامج وخرجت النكت حول أكذوبة ليس لها أصل، نتجت عن تحوير الخبر. وخلال يومين متتاليين طال وزارة الدفاع خبرين كاذبين: الأول هو أن ابنة وزير الدفاع قد عينت في القابضة للمطارات براتب كبير، واضطر الناطق باسم وزارة الدفاع أن ينفي الخبر جملة وتفصيلا، كما نفت وزارة الطيران المدني أن يكون موظفوها يتقاضون مثل هذه الرواتب. ولما فشل هذا الخبر في إحداث مفعول أو أثر وارتد على مروجيه، نشر خبر آخر مفاده أن الرئيس سيقيل وزير الدفاع، وانتشر الخبر مما أثار الغضب داخل المؤسسة العسكرية واضطر الرئيس بنفسه إلى أن يخرج بتصريح يجدد فيه ثقته في وزير الدفاع. الإشاعات هنا تضرب في عمق مؤسسات الدولة، لاسيما المؤسسة العسكرية الأكثر انضباطا من بين كل مؤسسات الدولة التي تعاني حالة من الفوضي وانعدام الثقة. ومن الواضح أن الذي يحرك هذه الإشاعات والأكاذيب ليس فردا، وليست نتاجا للفوضى الإعلامية في البلاد، ولكنها تحرك من خلال نظام مؤسسي، لينشغل الناس بالشائعة عدة أيام، وقبل أن ينتهي مفعولها يتم تزويد الإعلام بإشاعة أخرى يظل الناس منشغلين بها أياما أخرى، وهكذا يؤدي تراكم هذه الشائعات إلى إثارة البلبلة ونشر الفوضي في البلاد . أما الخبر الكاذب الآخر، وهو علي سبيل المثال لا الحصر أيضا، أن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قد التقى مع نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، لمناقشة الأوضاع الأمنية في المحافظات. وهذا الخبر هدفه إثارة الفوضي في وزارة الداخلية التي تعاني من أوضاع صعبة، لكن مسؤولا بالداخلية خرج مساء الاثنين لينفي الخبر جملة وتفصيلا، ويؤكد أنه عار تماما من الصحة . إذن، نحن أمام منظومة كبيرة وجهاز خفي يعمل على التضليل ونشر الأكاذيب والشائعات، لنشر الفوضى في المجتمع، يساعده فريق كبير من الإعلاميين الذين لا يحبون بلادهم، ولايريدون لها أن تستقر، وبدلا من البناء يقوم بالهدم. مثل هذه الأكاذيب تؤدي إلى انهيار البورصة، وهروب السياح، وإلى تردي الأوضاع العامة، وتفشي البطالة، لكن مصر ستتجاوز أزماتها، وسوف تنقلب الأكاذيب حسرة على مروجيها