لم تعد «بانكوك» القبلة المفضلة للسياحة الجنسية بحكم بعدها عن أوربا وانطفاء جاذبيتها بسبب انعدام الاستقرار السياسي بها. وقد أزاحتها مراكش الهادئة التي توفر تنوعا واسعا في العرض بتسعيرة لا تتجاوز 200 أورو في بعض الأمكنة الراقية نسبيا. وقد ازدهرت تجارة الجنس في الفنادق وفي الكثير من الإقامات الخاصة مع بداية أزمة العقار بالمدينة، التي ارتفع عدد ممتهنات الدعارة بها إلى نحو 20 ألف فتاة تتراوح أعمارهن ما بين 16 و30 سنة، يعرضن أجسادهن مقابل مبالغ مالية قد تصل إلى 15 ألف أورو شهريا. وكان الشواذ (اللواطيون) والسحاقيات قد ضربوا موعدا بالمدينة سنة 2008، وهو ما فجر عاصفة من الغضب اجتاحت أوساط المحافظين والإسلاميين الذين لم يتحملوا هذا «الغزو الأخلاقي»، ورفضوا بشدة أيضا أن تتم دعوة نجم البوب البريطاني، الجنوسي، إلتون جون، إلى مهرجان موازين الموسيقي المنظم سنة 2010 تحت رعاية الملك محمد السادس. ولم يقف الإسلاميون عند حد التنديد بالدعوة التي رأوا فيها استفزازا لمشاعر المغاربة المسلمين، بل ذهبوا إلى حد إثارة مؤامرة من تدبير الغرب بقصد النيل من «قيم المجتمع المغربي». والمتأمل في العلاقة بين القصر والإسلاميين، بخصوص منظومة الأخلاق التي يجب أن تسود المجتمع، يلمس أن للطرفين مصالح متطابقة في هذا الشأن، تجسدها الكثير من الحالات والمواقف الرادعة لكل ما من شأنه أن يخدش الحياء المجتمعي. فالملك، بصفته أمير المؤمنين وحامي الشريعة الإسلامية، يستمد شرعيته المؤسساتية من الإسلام، دين الدولة، كما هو منصوص عليه في الدستور. ومن هنا، فإن أية علاقة جنسية تتم خارج مؤسسة الزواج هي علاقة محرمة يتعرض أصحابها لعقوبة قضائية منصوص عليها. أما عن تفشي ظاهرة الجنس بمراكش، فتكفي نظرة مغرية من الزبناء الأجانب الباحثين عن لحظات استرخاء آمنة، ليبادر الشبان، وأعمارهم تتراوح بين 15 و18 سنة، إلى اقتراح خدماتهم. والأدهى من ذلك، أن البعض منهم لا يتجاوز، حسب دراسة عن الدعارة الطفولية، التسع سنوات. جميع هؤلاء يأتون من الملاّح، الحي اليهودي القديم، ليشكلوا في أعين السياح خزانا من اللحم الطري. أما سكان الحي فيعيشون على الهامش، يشترون كل شيء بالتقسيط (سجائر، زيت، سكر...) وفقا لحاجياتهم الآنية.. الرجال ينصرفون إلى مشاغلهم الصغيرة، فيما تمارس بعض النساء الدعارة في الأزقة الضيقة. وإذا كانت الدعارة مع الأجانب حاضرة بالمغرب قبل الموجة الغامرة الآسيوية، فإن تسونامي 2004 شكل حافزا قويا للسياحة الجنسية التي سهلت تدفق المنحرفين جنسيا وزبناء مقالع الدعارة بتايلاند، على المغرب، وبالخصوص على مراكش حيث 28 ألف أسرة تعيش من دون ماء ولا كهرباء، على بعد أمتار فقط من الفنادق والإقامات الفاخرة، وحيث المستوى المعيشي المتدني لمعظم المغاربة، ومعه القضاء القابل بسهولة للارتشاء، يفسحان المجال لأي أوربي لاغتصاب طفل من دون أدنى عقوبة. أسباب أخرى تقف وراء استفحال الظاهرة: الاستهتار بحقوق الطفل، وغياب التربية الجنسية بالمدارس، وتفسخ الخلية العائلية، وسوء معاملة شغالات البيوت. ومن هنا يجب الإقرار بأن شريحة واسعة من السياح تتوافد على المغرب من أجل الجنس والمخدرات والاستمتاع بلحظات مجونية لا يمكن توفيرها في بلدانهم. في عام 2006، بثت القناة الإسبانية الثالثة روبورطاجا مدويا عن السياحة الجنسية بالمغرب، أنجزه أربعة صحافيين متنكّرين. ويظهر الروبورطاج سياحا بالقرب من إحدى الإعداديات بمراكش، ومرشدهم السياحي يهمس: «هيا اختاروا من تشاؤون»، قبل أن تعرض عليهم سيدة ابنتها القاصر. وفي السنة نفسها، أنجزت القناة الفرنسية «م6» فيلما مماثلا يظهر بعض الوسطاء الشبان يعرضون أطفالا على السياح مقابل كمشة من اليوروات، فيما أنجزت فرانس24 تحقيقا بالكاميرا الخفية يفيد بأنه منذ القضية التي فجرها وزير التربية الوطنية، لوك فيري، بشأن ضبط أحد الوزراء متلبسا مع أطفال قاصرين قبل خمس سنوات، لم يطرأ أي تغيير على واقع الدعارة بالمدينة. ولما كانت كل الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات ترسم من بين أولوياتها سقف العشرة ملايين سائح في السنة، فإن الرباط تعمد، بين الفينة والأخرى، إلى غض الطرف عن الكثير من الانزلاقات، إن لم نقل الفضائح. فمتانة العلاقات السياسية بين المغرب وفرنسا، التي تصدّر أكبر قسط من السياح الأجانب، لا تساعد على تيسير عمل الجمعيات المهتمة بمكافحة الفساد الجنسي، حيث السلطات الأمنية تشن عمليات واسعة بين الفينة والأخرى ضد شبكات الجنس المتغلغلة في مراكش، لتعطي الانطباع بأنها تتحرك، لكنها ما تلبث أن تغض الطرف لشهور عن بؤر الجنس والدعارة.