«ما تنساوناش» كانت هذه هي العبارة التي وجهها حسن أوريد، الباحث والناطق الرسمي السابق باسم القصر، إلى شباب حركة 20 فبراير، مطالبا إياهم بالقيام بنقد ذاتي حقيقي لتجربة الحركة الشبابية التي أشرفت على إكمال السنة الثانية من عمرها، وذلك بعد أن أورد قصة تعود إلى خمس سنوات حينما التقى في طريقه إلى محطة القطار بالدار البيضاء بأحد الشباب المنتمين إلى الشبيبة الاتحادية والذي خاطبه، بنفس الكلمة/ الاستنجاد «ما تنساوناش». أوريد الذي أصر أن يقدم مداخلته كباحث في الجلسة الافتتاحية لجامعة اليسار المواطن التي انعقدت مؤخرا بمركب محمد الزفزاف بالدار البيضاء، لم يتفق مع التحليل الذي وصف «حركة 20 فبراير بأنها مجرد فقاعات»، في إشارة إلى تصريحات المفكر عبد الله العروي، في آخر خرجاته الإعلامية، قائلا «صحيح أن شباب حركة 20 فبراير لم يكتبوا الدستور، لكن هم من أملاه، وضغطوا على السلطة للقيام بمراجعة دستورية»، ولم يخف أوريد توجسه المبدئي من دعوة الحزب الاشتراكي الموحد، للندوة التي صادف تاريخها يوم 11 يناير، وأن يكون هذا اللقاء احتفاء بأي شكل من الأشكال بوثيقة المطالبة بالاستقلال، معتبرا أن «الاحتفاء بهذه اللحظة هو مجرد اختزال لنضالات الشعب المغربي».
نقد أوديب فكل فعل سياسي، يُسجل أوريد، سواء من قبل من في السلطة أو المعارضة يجب أن يخضع للأزمنة الثلاثة المتمثلة في الماضي/ الذاكرة، والحاضر/ التدبير اليومي، وكذلك المستقبل، مستعيرا مقولة إدغار كيني «أنه في السياق الثوري يصبح المستحيل ممكنا»، معتبرا أن اللحظة تفرض على الحركة واليسار المغربي أن يقدم نقدا حقيقيا، كالنقد «الشجاع» الذي قدم في السابق من قبل أحد السياسيين المنتمين للحزب الاشتراكي الفرنسي، مذكرا «بقصة أوديب الذي فقع عينيه جزاء له لمضاجعته لأمه، فعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف أنها أمه قام بفقع عينيه كنوع من النقد الذاتي على فعلته، معتبرا أن هذا هو المطلوب من الأحزاب اليسارية اليوم، ليردف أنه «ربما علي أنا أيضا أن أفقع عيني».
فتحليل الواقع السياسي اليوم لمغرب ما بعد 20 فبراير 2011، يفترض التدقيق في مجموعة من النقط الأساسية، يسجل صاحب «الموريسكي»، من قبيل الدولة ودورها المستقبلي، مشيرا إلى أن «هذا السؤال لم يطرح إلى اللحظة من قبل القوى السياسية التي تولت تدبير شؤون الدولة، واختزل هذا التدبير في شعارات كما هو ملاحظ».
فخلق الثروة؛ يضيف أوريد يفضي بالضرورة إلى توزيع هذه الثروة، والسياق الحالي أظهر أن نظرية «الانسياب الاقتصادي»، والتي ترتكز على انسياب فوائد الدولة من الثروات إلى الطبقات الفقيرة، كانت خاطئة ومن استفاد من العولمة السعيدة هي الطبقة المتوسطة، التي تمثل فئة قليلة من المجتمع، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في العالم.
وفي سياق تحليله للإشكالات المرتبطة بالحقل السياسي المغربي ما بعد 20 فبراير 2011، قال الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، إنه تم الالتفاف على شيء أساسي وهو الطبقات، وذلك من خلال رؤية المجتمع من زاوية الطوائف والأعراق، مشيرا أنه لا يفهم، مسألة إشارة الدستور المغربي الحالي إلى انتساب المغرب إلى الروافد الهوياتية الأمازيغية واليهودية والأندلسية...، معتبرا أنه لا يعرف إن كان من الضروري، إدراج كل هذه الروافد في نص الوثيقة الدستورية الهوس الهوياتي
من بين المخاطر التي يمكنها أن تؤدي إلى تصدع المجتمع ككل، هو ما أسماه أوريد بالهوس الهوياتي معتبرا أن فشل الناشطين الأمازيغيين في صفوف الأحزاب اليسارية جعلهم يتجهون إلى الذاتية، وبالتالي يصبح الهوس الهوياتي يهدد الوحدة من خلال شيطنة الآخر، مضيفا أن هذا الهوس أدى خلال الستينات من القرن الماضي، من خلال التعريب إلى تدهور المنظومة التعليمية،وكذا وجود المغرب في المراتب الأخيرة في التقارير الدولية المهتمة بالتعليم، ففي الستينات كان المغرب يتموقع في مجال الرياضيات في المرتبة 17 عالميا والآن يشغل مراكز متراجعة خلف دول كالكويت وسلطة عمان...، ففشلنا راجع بالأساس إلى الهوس الهوياتي الذي أصبحت تتجلى مظاهره في العديد من المجالات.
جدل بين الجامعي والساعف من بين النقط الأساسية التي لقيت نقاشا في اللقاء الذي نظمه الحزب الاشتراكي الموحد، وقدمت له أمينته العامة نبيلة منيب، مقولة الباحث المتخصص في علم الاجتماع السياسي والانتقال الديمقراطي عبد الله الساعف « أعتقد بأن هناك إرادة قوية من قبل الملك اليوم من أجل الانتقال الديمقراطي والتنزيل الديمقراطي للدستور»، بحيث تفاعل أبو بكر الجامعي مع هذه النقطة، مسائلا الساعف عن وجود مؤشرات مادية ومرئية للاعتقاد الذي أشار إليه هذا الأخير، معتبرا أنه يرفض ما أسماه «بالأكذوبة» حينما نقول أنه بعد 1999 مات «الشيطان وجاء الملاك»، مشيرا في سياق دعمه لهذه الأطروحة إلى مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالحكامة، التي تصدر سنويا من قبل معهد البنك الدولي، الذي يعتبر بمثابة Think thank للبنك الدولي، والتي تظهر تراجع المغرب في مجموعة من المجالات التي تتابعها مجموعة المنظمات الدولية منذ سنة 1996 إلى حدود اليوم، ومؤشر مبيعات الصحف في التسعينات التي تظهر مشاركة الشأن العام في الشأن العمومي، بحيث أن هذه المبيعات وصلت إلى قمتها في سنوات 1999 و2000، والتي وصلت فيها بعض الصحف إلى 100 ألف و130 ألف نسخة في اليوم، وبعدها تتراجع هذه المبيعات بسبب عزوف الناس عن المشاركة في الفضاء العمومي بشكل عام.
من جانبه قام عبد الله الساعف من خلال مداخلته بالتركيز على الجانب التحليلي لعلم الاجتماع السياسي، بالأخص مستقبل الحركات الاجتماعية، متسائلا عن الاشكالات التي يجب من خلالها النظر إلى موضوع الحركات الاجتماعية وذلك بين الكمي والكيفي، وعرج الساعف من أجل دعم أطروحته على مؤشر قياسي تداوله مع أحد الصحافيين الإسبان قائلا أن سنة 2008 عرفت في الجزائر 8000 حالة احتجاج مقابل 800 في المغرب، متسائلا هل نفس الشروط الموجودة في كل من الجزائر والمغرب يجعلنا أمام نفس الظواهر ولو مختلفة على مستوى الكم ؟
بوبكر الجامعي، الصحافي والباحث قال إن الأطروحة التي كان قد وضعها لدعم الدستور المغربي، على أساس أنه يجب الحفاظ على الاستقرار وذلك من خلال القيام بتغيير تدريجي وعدم إحداث قطيعة مع السلطوية، وكذلك لأن للأنظمة السلطوية فعالية من خلال تدبير الشأن الاقتصادي، هم خاطئين اليوم، مشيرا إلى العديد من التجاوزات التي مازالت قائمة إلى اليوم، بحيث أشار من خلال مداخلته إلى وضعية حزب «البديل الحضاري»، ( الذي تحدث عنه الجامعي باسم حزب الأمة) معتبرا أن من يمنع هذا الحزب اليوم هو عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، وذلك على اعتبار أن وزير الداخلية هو من اختاره، وقال ذلك صراحة بعد تشكيل الحكومة، ومن بين النقط التي أشار إليها الجامعي في الدستور الجديد، هو التعديل المادي الذي أحدث على مشروع الدستور ليلة قبل الاستفتاء، مشيرا إلى أنه من بين التغييرات الخطيرة هو«تغيير سلطة تعيين رئيس المحكمة الدستورية من رئيس الحكومة إلى الملك»، وهو ما اعتبره «تراجعا خطيرا وليس بالتغيير المادي»، ويقصد الجامعي في هذه النقطة التغيير الذي لحق مشروع الدستور يوم 30 يونيو 2011 بحيث تم سحب مسألة سلطة إحالة الاتفاقيات الدولية من قبل من لهم سلطة إحالة النصوص على المحكمة الدستورية للبث في مدى مطابقتها للدستور»، مضيفا في نفس المداخلة أنه اليوم ليست له القناعة التامة «بوجود أناس، داخل المؤسسة الملكية، يستغلون السلطوية من أجل نقلنا تدريجيا إلى الديمقراطية».
وفي ردها على المداخلات، قالت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، في جوابها على الطرح الذي تقدم به عبد الله الساعف في اتخاذ لغة التحاور مع جميع الفاعلين السياسيين، كما طرح محمد عابد الجابري في تصوره للكتلة التاريخية، بما في ذلك الحركات الإسلامية والدولة...، أنه يصعب اعتماد هذا المعطى اليوم، خصوصا مع باقي التيارات التي أسمتها «بالظلامية» والتي لا تؤمن بالعديد من القيم الحداثية والديمقراطية التي يدفع بها اليسار المغربي كأساس لنضاله من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، مضيفة أن «الغاية من هذه الجامعة التي تنعقد طيلة ثلاثة أيام هو التفكير في مجموعة القضايا المرتبطة باليسار المغربي والحركات الاجتاعية، والإعداد لورقة سياسية كخلاصة تجمع هذه الحركات الاجتماعية في حركة موحدة، وكذلك قراءة بنوع من النقد لما وقع يوم 20 فبراير 2011 وما بعدها». مسألة النقد الحقيقي كانت من بين النقط التي لم تجد تقريبا أي خلاف بين جميع المتدخلين، بحيث نادى كل الحضور بضرورة النقد الحقيقي الذي يجب أن يقوم به كل من اليسار المغربي وشباب حركة 20 فبراير.