هناك عدة قواسم مشتركة بين زعيم الخمير الحمر في كمبوديا بول بوت سابقا و بعض زعماء الأنظمة البطشية في الوطن العربي، و من بين هؤلاء نجد الملازم معمر القذافي زعيم ما يسمى بالثورة الليبية (لقد اعطى لنفسه رتبة عقيد مباشرة بعد الانقلاب الذي قاده سنة 1969) كاتب مغربي **************************** . فتاريخ الرجلين متشابه في القمع و تكميم الأفواه والتقتيل الجماعي، و هنا نذكر بتاريخ بول بوت الذي كان طالبا بأرقى الجامعات الغربية (السوربون)، وكان معروفا في بداية حياته بباريس ببساطته ووداعته وأخلاقه وفلسفته المتشبعة بالماركسية اللينينية. فعند عودته إلى كمبوديا مرورا بالصين الشعبية استقر في الفيتنام التي كانت تخوض حربا ضروسا ضد الولاياتالمتحدة و عملائها، فتحول بول بوت في هذه المرحلة إلى مدافع متطرف للفكر الماوي، تحت تأثير زوجة الزعيم الصيني ماوو اسيتونغ، فأنشأ جيشا ثوريا بمساعدة الشيوعيين الفيتناميين و الصينيين، و نجح بفضل ذلك في الإطاحة بالملكية في الكامبودج بزعامة الأمير نورودوم سيهانوك المقرب من الولاياتالمتحدةالأمريكية. فأول إجراء قام به الزعيم الشيوعي الكامبودي هو إفراغ المدن من سكانها و إرسالهم إلى البوادي و الأحراش، واصفا إياهم بالجرذان و القمل و النباتات السامة تحت شعار التطهير الثقافي والإديولوجي، كما أقدم على قتل أكثر من 3 ملايين نسمة من شعب كمبوديا المسالم، إلى درجة انه أحدث متاحف خاصة لجماجم الموتى من الأطفال و النساء و الرجال على شكل أهرامات في عاصمة بلاده بنوبنيه. و قد كتب زعيم الخمير الحمر- الذي مات منتحرا في غابات تايلاندا الدولة المجاورة قبل أن ينحره مرض السرطان المنتشر في جسمه- كتابا اخضرا رفع نفسه فيه إلى درجة الألوهية (هدم كل معابد البودية و من بينها معبد امكور الشهير، فلقد كان الزعيم الشيوعي الكمبودي يعتبر أن ثلثي شعبه لا يستحق الحياة. إلا أن أصدقائه القدامى في الفيتنام و الصين الشعبية رؤوا فيه و في سلوكه المتطرف خطرا عليهم أكثر من خطر الإمبريالية و الاستعمار الأمريكي، و كونوا جيشا آخر بزعامة شيوعي آخر معتدل هو سينغ الوزير الأول الحالي في الكامبودج، الذي ارجع الملكية إلى البلاد و أقام محكمة جنائية دولية بمساعدة الأممالمتحدة لمحاكمة نظام الخمير الحمر بتهمة الإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية، المحكمة التي أصدرت مؤخرا أحكاما قاسية ضد أركان نظام الخمير الحمر الدموي. أما الملازم معمر القذافي، فقد أتى إلى الحكم على ظهر ذبابة بمساعدة رفاقه عبد السلام جلود و عبد الفتاح يونس و يونس جابر( وزير الدفاع الشكلي الحالي الموضوع تحت الاقامة الجبرية) وضباط أحرار آخرون، و أطاح هو الآخر كذلك بملكية ادريس السنوسي، الملك العجوز الذي وحد ليبيا المنقسمة في عهد الاستعمار الايطالي الى ثلاثة ولايات : برقة و طرابلس الغرب و فزان، و هكذا دشن عهده بالعديد من التصفيات لمعارضيه من كل الاصناف ( الملكيين و الليبيراليين و البعثيين و الوطنيين،...) ابتداء من سنة 1977 تاريخ اعلان ولادة الجماهيرية العظمى. اضافة الى هذا، قام العقيد بحل و تفكيك الجيش الوطني الليبي و تكوين كتائب أمنية محله و اسنذ القيادة فيها الى ابنائه و افراد من قبيلة القذاذفة. أشهرها كتائب خميس و السعدي و المعتصم بالله و سيف الإسلام و عز العرب الذي استشهد مؤخرا حسب الرواية الرسمية و بسبب جنون ابيه،حتى ابنته عائشة القذافي المحامية هي فريق ركن في كتيبة للنساء المكلفة بحراسة العقيد. فتحول النظام في مدة لم تتجاوز الأربعين عاما إلى نظام عائلي وراثي يحكم ليبيا بالحديد و النار و بالمرتزقة القادمين من كل انحاء العالم حتى قبيلته همشت سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا، فأصبحت بلا دستور و لا أحزاب و لا حكومة و لا برلمان و لا قبائل و لا جمعيات المجتمع المدني تحت شعار "الله و معمر و ليبيا و بس". فمعمر القذافي تحول الى فيلسوف و زعيم و قائد و مفكر و محتكر للثورة و الثروة، فكتابه الأخضر الذي كتب له من طرف بعض الأقلام المرتزقة العربية أصبح مرجعا أساسيا لحكم ليبيا و العالم النظرية الثالثة لقد ذهب العقيد الليبي بعيدا عندما قام بتحريف معاني القران الكريم. و في هذا السياق ونتيجة لمغامرات هذا الضابط المهلوس الذي اراد تطهير ليبيا من معارضيه دار دار و زنقة زنقة، تحول هذا البلد المغاربي الشقيق الذي تجمعنا معه روابط الدم و التاريخ (قبائل نالوت و افرن و الزندان و الجبل الغربي اصلها من المغرب الأقصى امازيغ و عرب) إلى جماهيرية شكلية و فلكلورية تحت شعار اللجان الشعبية و"اللجان الثورية المسلحة" التي هي عبارة عن مؤسسات فارغة و غوغائية هدفها الهرج و المرج، انها عبارة عن جمهورية موزية ليس إلا، فليبيا الفاتح من شتنبر و قائدها معمر القذافي بشرت بالثورة العالمية الثالثة التي مضمونها مجموعة من الشعارات الرنانة و النظريات الفارغة البعيدة عن الواقعية السياسية لا غير، العامل الذي ساعد العقيد في طموحاته الخيالية هي ملايين الدولارات التي اشترى بها كل ما يريد، كلقب ملك ملوك إفريقيا و إمام المسلمين و المناضل الأوحد وعميد الحكام العرب الخ...، و لقد وجد من يزكيه في صفوف النخبة العربية و الأجنبية المرتشية و الفاسدة التي كانت تصفق لكلامه و تعود الى بلدانها محملة بالدولارات. ان هذا النفاق السياسي الذي احيط بالعقيد ادخل ليبيا في عدة مشاريع مجنونة و غير محسوبة في إفريقيا و أمريكا اللاتينية و آسيا و أوروبا. فبعد الانتفاضة الشعبية ل 17 فبراير، التي انطلقت من بنغازي و انتشرت كالنار في الهشيم في ربوع ليبيا من طبرق الى نالوت مرورا بالبريقة و طرابلس، قام بول بوت العرب بقصف المحتجين بالطائرات و الدبابات و الراجمات و صواريخ جراد و مدافع الهاون و الزوارق الحربية، كما حاصر المدن الثائرة في وجهه قصد تجويعها و بغية منع كل الحاجيات الأساسية الدخول إليها ( مدن الزاوية و مصراتة، ...)، و هدفه من هذا العمل الاجرامي و اللاانساني تركيع الشعب الليبي الذي نعثه بكل الأوصاف البذيئة و القذرة كالجرذان و المقملين و المهلوسين والزنادقة والملاحدة و الخونة و العملاء لانهم طالبوه بالحرية و الكرامة و الديمقراطية. لقد رفعوا شعار "ارحل" كما رفعه جيرانهم في تونس و مصر. لقد ذهب معمر القذافي إلى ابعد الحدود في آخر ظهور له امام وسائل الاعلام فشبه نفسه كما فعل زعيم الخمير الحمر بالرجل المقدس، الذي لا يمكن لأية قوة في العالم أن تزحزحه عن عرشه انه مجد ليبيا و رمزها و في هذه المناسبة، أذاع العقيد عبر شاشات التلفزيون الليبي خبرا محيرا مفاده أن الجن و الملائكة و الصالحين يحاربون إلى جانبه !!! كما وضع نفسه على قدم المساواة مع إمبراطور اليابان "رب الشمس" !!. حقيقة إن هناك مفارقات بين بول بوت و معمر القذافي لا يمكن حصرها، فالأول رجل كتوم و مغلق و الثاني ثرثار و لا يحب الاختصار، و لكنهما وجهان لعملة واحدة هي البطش والقتل و القمع و التطهير الثقافي والايديولوجي و الغرور اللامتناهي. بسبب جرائمه ضد شعبه، فتح القذافي باب ليبيا واسعا أمام الاستعمار و الامبريالية و التدخل الأجنبي بكل أصنافه و كذلك أمام تجار الموت و سماسرة الديبلوماسية الظاهرة و الخفية، و تحالف العقيد خلسة مع الشيطان اسرائيل كما فعلها بول بوت قبله. فمعمر القذافي يعتقد أن معه الملايين تدافع عنه و عن ثورته و عن نظامه العائلي، فلقد تناسى أن الشعوب هي مع من غلب كما قال الصحابي الجليل عمرو بن العاص. و في هذا الاطار، لم نشاهد اية مظاهرة في البلدان العربية و الاسلامية و لا في الدول الافريقية و لا في جزر الفلبيين و لا في اية عاصمة عالمية اخرى حتى اصدقائه المقربين كتركيا و ايطاليا و الصين و جنوب افريقيا و نيجيريا و فنيزويلا تخلوا عنه، فلم ينفعه شراء السيارات و إعطاء المال للشباب الليبي الثائر و لم ينفعه كذلك عروضه للبترول والغاز بأسعار تفضيلية لدول الناتو قصد البقاء في الحكم، الكل ينصحه بالرحيل الفوري عن ليبيا هو و عائلته. ان النزاع الليبي الذي نأسف له كان سببه الأساسي العقيد القذافي و ابناؤه و صهره السنوسي، الكل اصبح متابعا من طرف المحكمة الجنائية الدولية، فالرشوة و القوة لم تعودا تفيدان أحدا في زمن الانتفاضة الشعبية العربية الكبرى، فمعمر القذافي الذي لم يخاطب شعبه ولو مرة في تاريخ حكمه بأيها الشعب الليبي العظيم أو البطل أو العزيز، عليه ان يرحل في القريب العاجل حقنا لدماء الليبيين. فنصيحتي له و لإبنه سيف الاسلام هو تسليم السلطة تحت اشراف الأممالمتحدة الى زعماء القبائل الليبية، الذين يختارون بدورهم حكومة مؤقتة تعمل لتنظيم استفتاء شعبي حول دستور جديد للبلاد، يؤسس لجمهورية ليبية جديدة ديمقراطية تقوم على التداول السلمي للسلطة، فمسؤولية دول اتحاد المغرب العربي مع مصر هي مسؤولية تاريخية لحل هذا النزاع الداخلي وايقاف مسلسل الدمار و العدمية المتبادلة، و الا سوف يقع للقذافي ما وقع لبول بوت. فالحياد بين الشر و الخير في الحالة الليبية الراهنة هو الشر بعينه، فالزعيم الذي يطلق النار على شعبه هو فاقد للشرعية أخلاقيا و سياسيا و دينيا، و هو مرشح للمسائلة الجنائية عن أفعاله اللامسؤولة، فالعالم يأيها العقيد اصبح قرية صغيرة. د.مكاوي عبد الرحمان كاتب مغربي