في الحقيقة أستغرب لكل هذا اللغط الذي انطلق فجأة بعد قرار المغرب إنهاء عمل قناة الجزيرة القطرية،و كأن الجزيرة هي المحرم الذي لا يمكن لأي كان في هذا العالم التطرق إليه أو انتقاده، من حق الجزيرة أن تقول ما تشاء وقت ما تشاء، أن ترسم خطها التحريري وفق رأيتها التي تخصها وحدها ولا تلزم أي من المشاهدين و المتتبعين،لكن ليس من حقها استغفال ثلاثين مليون مغربي هم حريصون اشد الحرص على حماية مكتسباتهم السياسية،الاجتماعية و الحقوقية التي ناضلوا لأجلها لسنوات و سنوات و قدموا في سبيل إرساء دعائمها العديد من التضحيات عبر مسار حافل من البذل و العطاء أيام لم يكن للجزيرة و لا للقائمين عليها صوت و لا صورة، فلا يأتي اليوم من يعلمنا كيف نمارس حقوقنا الوطنية المشروعة و يعطينا الدروس و العبر في مسار كنا السباقين إلى التأسيس له عبر مبادرات جريئة شجاعة أحدثت رجة قوية في المنظومة السياسية العربية و قطيعة مع كل السلبيات التي كانت تأثث الحياة العامة في سبعينيات و ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي ، فلا يمكننا المزايدة على مصالحنا و مكتسباتنا إرضاء لقناة أثبتت الممارسة الميدانية من خلال تقارير مراسليها المعتمدين على انحيازها التام للأطروحة الانفصالية التي كانت مادة دسمة للتشويش على مسار الانفتاح الذي عاشته و تعيشه التجربة المغربية منذ اعتلاء جلالة الملك عرش المملكة،أكيد أن أية ممارسة لها سلبياتها و ايجابياتها، لكن لماذا يصر الإعلام العربي و في مقدمتها قناة الجزيرة على إبراز الجانب السلبي من التجربة المغربية ، أليس هناك ما يستحق القراءة الموضوعية و الصحيحة البعيدة عن المحاباة و التضليل و المدح المجاني لصيرورة و دينامية العمل الجبار الذي أسس لمفهوم جديد لدولة الحق و القانون ؟. كلنا صفقنا لقرار المغرب فتح مكتب القناة و الترخيص لها ببث نشرتها المغاربية من الرباط و التي اعتبرت ثاني نشرة إخبارية رئيسية بعد نشرتها من الدوحة المركز و التي كانت في حقيقة الأمر تتويجا لمسار الانفتاح و الديمقراطية التي دخلها المغرب من بابه الواسع على الرغم من الهفوات التي سقطت فيها الجزيرة و التي اعتبرت حينها استفزازا لمشاعر المواطنين و تم التغاضي عنها حتى و صل الأمر إلى حد لم يعد السكوت معه مقبولا و لا حتى مستساغا ، فنحن مارسنا حقنا الطبيعي على أرضنا و بما يمليه علينا الواجب الوطني و لن نتساهل مع من يسيء لنا و لتاريخنا النضالي و السياسي الذي نعتز به ، لا توهموا أنفسكم بأننا سنكون لقمة سائغة لكل من هب و دب، أن يستباح الوطن و المواطن بهذا الشكل المخزي البعيد كل البعد عن أدبيات و أخلاقيات مهنة المتاعب، فالصحافة و الإعلام عموما قبل أن يكون مهنة فهو التزام أخلاقي بالدرجة الأولى ،فلماذا تصر الجزيرة على لعب دور الضحية في هذه القضية و تمارس التضليل الإعلامي و تنفي أية مسؤولة عن القرار الذي اتخذته الرباط،أخطأت الجزيرة نعن أخطأت و من الطبيعي أن تعتذر القناة للمغاربة لا أن تستمر في غيها و كأنها لم تفعل ما يستحق هذا القرار الذي حولته بقدرة قادر إلى قضية رأي عام و أخرجت كل وسائلها و حشدت أقلامها لتعطي صورة سوداوية قاتمة عن قمع حرية الرأي و التعبير بالمغرب و هذا حق يراد به باطل و يسيء الى الجزيرة قبل أن يسيء لنا لأننا نحن من نعيش التجربة بكل حمولتها و تفاصيلها . لقد كنا نتمنى أن تنأى الجزيرة بنفسها عن الدخول في صراع خفي مع الشعب المغربي في دفاعه المشروع عن قضيته الوطنية ووحدة وطنه الترابية و أن تعالج القضية من منطلق حيادي يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية البعيدة عن الانحياز لهذا الطرف أو ذاك،لكن شيء ما كان يقول بأن أياد خفية تحركها و تستغلها لتمرير مغالطات لا تمت للواقع المعاش بصلة. لقد قلناها بالأمس و نعيدها اليوم أن المغرب أبوابه مشرعة و مفتوحة لكل أبناء الوطن العربي بصحافته و إعلامه و منظماته شريطة احترام خصوصياته و ثوابته الوطنية و في مقدمتها التعاطي الموضوعي مع قضية وحدته الترابية و سيكون في الاتجاه نفسه حازما يقضا مع كل من يروج للأطروحة الانفصالية التي تقود حملتها الجزائر و ضد كل من يحاول اختراق إجماعا الوطني حول صحرائنا المغربية التي نعتبرها نقطة مفصلة في حياتنا الوطنية و قضية حياة أو موت بالنسبة للمغاربة دون استثناء.