من المتوقع أن يفرز خطر ضغط المرحلة الواقع في هذه الظروف الحساسة والمصيرية أمورا ربما تفوق حسابات المحللين والسياسيين ، بل ربما تسبق تلك الإفرازات الخطيرة الناتجة عن ضغط المرحلة خطط الغرف المظلمة ، وربما تؤدي إلى نجاح نهج فلسطيني على حساب نهج آخر قد يتلاشى ويزول ، ويغذي هذا التلاشي والزوال المعطيات القائمة على أرض الواقع ، سواء كانت على صعيد الساحة السياسية الفلسطينية أو الساحة العربية أو العالمية ، وذلك وفقا لمؤشرات ومعطيات متحركة وكثيرة ، وربما يدفع المنطقة نحو مزيد من العنف وشواهد ذلك واضحة كل الوضوح ... والشعب الفلسطيني يمر اليوم في أخطر مراحل حياته ، وربما يفوق هذا الخطر خطر نكبة 1948 ، عندما ضاعت معظم فلسطين ، وتشتت شعبها ، وقًتل منه عشرات الألوف ، ومن المتوقع أن هذا الخطر الضاغط سيضع الشعب الفلسطيني بفعل التفاعلات المتداخلة والمتصارعة العلنية منها والمخفية ، إلى مفترق طرق سيكون له ما بعده من نتائج وإفرازات ، قد تكون مصيرية على بعض القوى الفلسطينية ، إذا لم ترتقِ إلى مستوى تحدي الخطر الضاغط ، وإذا لم تراجع حساباتها من جديد ، وتجري عملية مسح وتقييم لكل أدائها ليس على مستوى هذه المرحلة فحسب ، بل على مستوى ما قبلها أيضا ... خطر المرحلة يضغط على الفلسطينيين بقوة غير مسبوقة º ليهدد معه ليس تواجد الفلسطيني على أرضه فقط ، بل ليهدد أيضا تاريخه وثقافته وحضارته وتراثه وكل ما يتعلق بهويته ...والفلسطينيون يعيشون تناقضا تناحريا مركزيا حادا ، في الوقت الذي يواجهون فيه نجاح تمدد المشروع الصهيوني على الأرض ، ليس فقط على صعيد فلسطين ، بل على صعيد الأمة العربية وإفريقيا وآسيا وأوروبا ...فإسرائيل تسير في مخططها بخطوات حثيثة وهي تنجح في ذلك إلى حد كبير ، فالقدس في طريق تهويدها بالكامل ، والفلسطينيون الأصليون من سكان فلسطين مهددون بالطرد ، والمستوطنات ابتلعت معظم الضفة الغربية بحيث فرضت أمرا واقعا يصعب تغييره ، وأقامت جدار الفصل العنصري ، وأدارت ظهرها ليس فقط للفلسطينيين بل للعالم بأسره ، ورفضت الانصياع للقرارات الدولية ، وعملت على فرض الأمر الواقع الهادف إلى الاستسلام . يقول بن جوريون حول الأرض : ليس هناك حل..الأرض واحدة ولا يمكن تقسيمها ، والصراع على الأرض بين أثنين ، وهى لابد أن تكون لأحدهما فقط، ولابد أن يكون الشعب "الإسرائيلي" هو الذي يحصل على هذه الأرض بمفرده ( انتهى قوله ) ، وأعلن أولمرت في 2006 : أنّ كل تلّة في السامرة ، وكل وادٍ في يهودا ، هو جزء من أرضنا التاريخية ، وأننا نلتزم بحق الشعب الإسرائيلي التاريخي في كامل أرض إسرائيل ( انتهى قوله ) . وكثير من قادة الاحتلال صرحوا ولا زالوا بمثل ذلك ... والمخطط الصهيوني واضح المعالم في السودان وفي العراق وفي لبنان ، وله حضور مكثف واضح على صعيد الإعلام الغربي وصعيد القرار الأممي ، وحتى على صعيد العمل الأكاديمي الدولي في كثير من دول العالم ... ودولة الاحتلال من وراء محاولات تفتيت السودان من خلال فصل جنوب السودان عن شماله ، وافتعال مشكلة دار فور ، فلقد صرح أكثر من مسئول حكومي في دولة الاحتلال منهم عوزي لانداو أنهم لن يسمحوا بوجود سودان قوي ، يملك القدرة على إطعام العالم العربي بأسره ، وهي من وراء قتل أكثر من ألف عالم عراقي ولها هناك قواعد عسكرية واستخباراتية كثيرة ... وهي من وراء مشاريع استثمارية ضخمة في إفريقيا ، فليس حبا بسواد عيون الأفارقة عندما تبني لهم الجسور ، وتنشئ السدود والقنوات والمصانع والمزارع الكبيرة ، وتقدم لهم خدمات واسعة تحمل طابعا خدماتيا إنسانيا واقتصاديا ، يخفي من ورائه عملا استخباريا واسعا ، كما هو الحال في البعثات الإسرائيلية المتسترة بتقديم خدمات طبية واقتصادية في اتشاد ، وعلى حدود السودان ، وفي النيجر والمجر وأوغندا وباقي دول إفريقيا º من أجل إضعاف الأمة العربية وتفتيتها ... وما الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة عنا ببعيد – انظر الرابط - . ( http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=424807 ) ولا ننسى الدراسة التي قدمها كيسنجر والتي تم اعتمادها عام 1974 م من قبل الإدارة الأمريكية بعنوان "مذكرة الأمن القومي 200" ومن أهم افتراضاتها وتوصياتها هي أن النمو السكاني خاصة في دول العالم الثالث ، يعتبر تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ، لأن تزايد أعداد السكان في تلك البلاد ، سيؤدي إلى استهلاك الثروات المعدنية هناك من قبل تلك الشعوب ، ولا يمكن تنفيذ ذلك بدون إسرائيل . وهي اليوم تزود اليونان بالسلاح كما زودت من قبل تركيا وجورجيا ، وهي من وراء فتح حرب جديدة في استونيا الجنوبية ، فقد إتهم نائب رئيس الأركان الروسي الجنرال ( أناتولي نوغوفيتسين ) إسرائيل بمساعدة جورجيا بشكل جوهري في حربها ضد روسيا، عندما حاولت غزو لاوسيتيا الجنوبية ، حين أسقطت طائرة روسية في جورجيا طائرة من دون طيار من صنع إسرائيلي. ونفي في وقتها الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي ان تكون إسرائيل قد علقت دعمها العسكري لبلاده. وقال الرئيس الجورجي: إن الأسلحة الإسرائيلية قد ثبت بأنها فعالة جدا. وقال ساكاشفيلي في معرض رده على سؤال لأحد الصحافيين حول اليهود الذين فروا من القتال وقدموا إلى إسرائيل: "لدينا وزيران حكوميان إسرائيليان ، أحدهما يتعامل مع الحرب (وزير الدفاع ديفيد كيزيراشفيلي) والآخر مع المفاوضات (وزير الدولة للاندماج الإقليمي تيمور يعقوب اشفيلي) { انتهى قوله }، - لاحظ أخي القارئ أن الحرب والسلام في القوقاز بأيدي اليهود الإسرائيليين - . كما ألغت إسرائيل مع تركيا صفقة بيع طائرات الاستطلاع ( التجسس ) بدون طيار ... وزودت كثير من دول إفريقيا بالسلاح ، والبضائع الإسرائيلية تغزو جميع الأسواق العربية والعالمية بماركات أجنبية أو إسرائيلية ... الخطر يداهم كل بيت فلسطيني وربما لا ينجو منه احد ، بل يهدد العرب جميعاً ، لذلك لقد جاء الوقت الذي يفرض على جميع الفلسطينيين الوصول إلى رؤية إستراتيجية تجمع من حولها كل القوى ، وتعيد من جديد صياغة الفكر السياسي الفلسطيني ، وآن الأوان لتقييم كل شيء ، والعمل من خلال رؤية جديدة تنتصر على ضغط المرحلة º لكي نتمكن من مواجهة الخطوات الأحادية التي تقوم بها دولة الاحتلال ، والهادفة إلى فرض الأمر الواقع ، يساعدها في ذلك تمدد ونجاح مشروعها الصهيوني على مستوى العالم ... نحن اليوم أمام مرحلة ضاغطة جدا ، ستكون حاسمة وفاصلة بين جميع مكونات الفكر السياسي الفلسطيني ، وبين الحق الفلسطيني من جهة ، والغطرسة الإسرائيلية من جهة أخرى ... ومن السهل تحقيق المصالحة والوحدة إذا صفت النوايا وارتقى الفكر السياسي الفلسطيني إلى مستوى خطر ضغط المرحلة ، فلا يوجد في شعبنا معوقات تركيبة العرقية والمذهبية والاثنية والطائفية º لكي يستمر التناقض ويحتد ، حتى أن جميع حركات الشعوب في التاريخ التي شهدت تلك التركيبة المتناقضة ، تمكنت من الالتفاف حول مشروع وطني واحد ، واستطاعت من خلاله انتزاع انتصارها من بين أنياب عدوها ، فعدونا لا يمكن أن يمنحنا نصرا على طبق من ذهب ، ومخططه في الهيمنة واضح كل الوضوح ، والهجمة شرسة ، والخطر داهم يهدد الجميع... لذلك من السهل أن نلتقي جميعا حول قواسم مشتركة واسعة ، نتفق من خلالها على مرجعية وطنية واحدة ، خاصة على ضوء تعثر مشروع التسوية ، وعجز النظام العربي الرسمي إلى درجة التواطؤ ، وكيل العالم بمكيالين ، ولن تمنحنا الشرعية الدولية التي شرّعت وجود دولة إسرائيل حقا من حقوقنا ، ولن تقيم لنا دولة ، ولن تمنحنا الرباعية الدولية غير الفتات المرتهن بقرارهم ، وما تهديدهم بحجب المساعدات المالية عن السلطة الوطنية الفلسطينية عنا ببعيد ...