خذ الشمس معك توشك الشمس أن تشرق في منتصف ليل أفريقيا، بعد أن تضافرت جهود المنظمات الخدمية، والمستثمرين، والتقنيين، ليعطوا هؤلاء الفقراء مصباحا شمسيا رخيصا، يبدد وحشة الليل بنور ساطع، ربما كانت الفكرة ليست جديدة، لكن التطبيق بمراحله المختلفة يجزم بإمكانية جني المستثمر للأرباح، إذا مد يده لمنظمة مهتمة بالفقراء وبرفع مستوى معيشتهم، ونفذ أفكارها الخدمية، وذللت لها التكنولوجيا الصعاب. وللأسف فإن النظم الموجودة حاليا لاستخدام الشمس كمصدر يمكن من خلاله الحصول على طاقة كهربية، خارج قدرة غالبية فقراء أفريقيا التي أثبتت واحدة من الدراسات التي تمت في كينيا أن حوالي 96% من الأسر الفقيرة تستخدم الشموع ومصابيح الكيروسين للإنارة، بينما وجد أن حوالي 70% ينفقون مبالغ ليست بالقليلة من دخولهم للحصول على البطاريات الجافة، لاستخدامها في الحصول على الإضاءة. فرغم وجود خطط حكومية واعدة لمد شبكات الكهرباء على نطاق واسع داخل قرى الدول النامية، فإن نقص التمويل يحول دون تنفيذ هذه الخطط ربما لعقود طوال قادمة، وكان الحل ببساطة في شكل نسخة معدلة لمصباح يختزن الطاقة الشمسية بالنهار، ويحولها لطاقة كهربية بالليل. النجم الساطع.. يضيء الليل قامت منظمة ITDG الخدمية -بعد أن تم تأمين مسألة التمويل- بالاتفاق مع شركة Sollatek لتبدأ في تصميم وتصنيع وإنتاج مصباح شمسي معدل لنسخة منتشرة في الدول المتقدمة، يناسب ظروف الأفارقة. وأجرت الشركة مسحا في كينيا كنموذج يمكن من خلاله دراسة متطلبات المستهلكين، وبحث إمكانية التسويق والتصنيع مع شركاء أبدوا استعدادا للمشاركة، فأمكن من خلال تلك الدراسة وضع مواصفات وتفاصيل المصباح بدقة. المصباح الشمسي وكشفت الدراسة أن المستهلكين في كينيا ينفقون في الشهر ما يساوي 5 جنيهات إسترلينية لشراء الكيروسين أو الشمع للحصول على الإضاءة، وبعد محاولات ناجحة لضغط نفقات التصنيع والتسويق... إلخ مع توفير هامش معقول للربح للشركات الاستثمارية، أسفرت هذه المحاولات عن مصباح اختاروا له اسم النجم الساطع "GlowStar" سعره النهائي يصل لما يساوي 65 جنيها إسترلينيا، أي أنه يزيد قليلا على ما تنفقه أسرة لمدة سنة تقريبا للحصول على الإنارة. وبالرغم من انخفاض السعر النهائي للمصباح، فإنه ما زال خارج قدرة الكثيرين، فتم بحث سبل أخرى للتسويق تساعد فقراء كينيا على شرائه، كان من نتاجها الخروج بآليات بيع وتسويق، مثل القروض التعاونية التي تخفف عن كاهل هؤلاء الفقراء، وتم الاتفاق عليها مع بعض البنوك المحلية. وقبل البدء في تصنيع نموذج أولي للمصباح روعي في تصميمه اختيار مكوناته، بحيث يمكن بسهولة الحصول على قطع غياره عند الحاجة إليها، لا في الوقت الحالي فقط؛ بل وبعد سنوات عدة، ولم تبتعد هذه المرحلة عن الإصغاء لآمال وتطلعات المستهلك الفقير، وعرضت عليه النموذج المنتشر في الغرب، والذي يتراوح سعره بين 250 إلى 300 جنيه إسترليني، مع وعده بأن سيحصل على مصباح أكثر كفاءة بما لا يتعدى 65 جنيها فقط، وأنهم سيعاونونه في الحصول عليه بطرق ميسرة. خذ الشمس معك جهاز الراديو يعمل بطاقة المصباح الشمسي ولم يتم الانتظار طويلا.. فبعد الاستماع إلى احتياجات المستهلكين، تم وضع تصميم نموذج أولي للمصباح، وبتغذية برامج الكمبيوتر بمواصفاته من حيث الشكل والحجم وباقي التفاصيل، أمكن في وقت قياسي للغاية وضع النموذج الأولي للمصباح في اليد، واستخدم فيما بعد للعرض على جمهور المستهلكين المستهدفين. وجاءت مواصفات النموذج الأول الذي أخذ شعار "خذ الشمس معك" ليتحمل الظروف البيئية الأفريقية الصعبة، فهو محصن ضد الأتربة، والمطر، والحشرات كالتالي: * يمكن للمصباح أن يسطع بنور عالي الجودة لمدة أربع ساعات كاملة متواصلة، أو يدير راديو لمدة 15 ساعة متواصلة، وفي حالة تشغيل الاثنين معا تقل هذه المدة الزمنية بالطبع. * يمكن للمستهلك أن يحصل بسهولة على قطع غيار المصباح عند الحاجة لاستبدال أي من مكوناته. * عمر المصباح الافتراضي يمتد لست سنوات، ولا يحتاج لصيانة، كما أن عمر اللمبة حوالي 10 آلاف ساعة إضاءة. * الانتفاخ الذي يغلف اللمبة ليس من الزجاج وغير قابل للكسر. * ضمان لمدة 12 شهرًا. أما عن تصميم المصباح فإنه تميز بالتالي: *ينتشر الضوء الناتج عن المصباح في كل الاتجاهات بزاوية 360 درجة. *وزن المصباح لا يتجاوز 2.5 كيلو جرام. *تزويد المصباح بمقبض قوي يمكن للقروي حمله ونقله معه أينما شاء. *تزويد المصباح بقاعدة قوية وثابتة تجعل استقراره أمرا مفروغا منه بحيث يمكن للقروي وضعه على أي شيء. وفي الظروف البيئية الصعبة لأفريقيا فإن مادة البولي إيثيلين عالي الكثافة مناسبة تماما، فهي مادة قوية تتحمل خشونة أفريقيا، إضافة لرخصها، وهي مواصفات تتمتع بها أيضا مادة البولي بروبلين المحشوة بالزجاج، والتي سيتم تصنيع الانتفاخ المغلف للمبة المصباح منها؛ لذا وقع عليهما الاختيار لتصنيع كثير من مكونات المصباح، ويزيد على ذلك سهولة إعادة تدويرهما مرة أخرى، مما يضيف بعدا آخر في صداقة هذه المواد للبيئة. أما مواصفات البطارية، التي أخذ في الاعتبار قبل تصنيعها انتشار الجهل بين الأفارقة وعدم القدرة على التعامل مع المصباح بأكثر من تعريضه للشمس ليتم شحنه ثم إدارة زر التشغيل للإنارة بالليل فكانت كالتالي: * لوحة خلايا كهروضوئية "panel" يتم توصلها بالمصباح لشحن البطارية، يتم تعريضها للشمس في الصباح، وتنفصل عن المصباح في المساء لتحقيق سهولة الاستعمال والقدرة على الانتقال به في أي مكان. * يمكن شحن الجهاز في اليوم الغائم، ولكن زمن الشحن أطول منه في اليوم المشمس. * يجب أن تكون سعة البطارية وقدرتها على التخزين كافية لإنارة المصباح الزمن المطلوب. * يجب أيضا أن تكون قادرة على العمل الشاق حيث تستمر عملية إعادة الشحن والتفريغ يوميا. * لا تتطلب أي صيانة من المستهلك، ومحصنة تماما ضد تسرب السائل الحمضي الذي بداخلها. * أن يكون لها أقل قدر من التأثير على البيئة حينما تستنفد مدة عملها. * إمكانية تصنيعها محليا على المدى المتوسط، بحيث لا تكون هناك حاجة للاستيراد من الخارج بعد ذلك. وامتدت أحلام بعض الفقراء فطالبوا بتعديلات وإضافات على النموذج الجديد تتلخص في التالي: * مقبض يمكن من خلاله تزويد راديو صغير بالكهرباء. * مؤشر يحذر من اقتراب فراغ البطارية، وحاجة المصباح لإعادة شحنه. * مؤشر يدل على أن البطارية تشحن بدون مشاكل. وفور إدخال التحسينات المطلوبة عليه، بيعت حوالي 30 عينة من النموذج الأولي المحسن لربات البيوت، ووضعت تحت الاختبار لمدة شهرين. وفي هذه الأثناء كان المصممون يمرون على البيوت لتدوين ملاحظات القرويين، مستخدمين في ذلك ورقة استبيان تم وضعها بعناية لاختبار رد فعلهم بالنسبة للنموذج المحسن. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تكوين مجموعات مختارة من ربات البيوت، وترتيب عقد جلسات جماعية لهم، لجمع معلومات أوفر عن مدة ملاءمة المصباح، وإذا كان لديهم مقترحات أخرى يمكن من خلالها إدخال مزيد من التحسينات على المصباح. وأسفر مجمل هذه الاستطلاعات عن استحسان هؤلاء القرويين للمصباح، وكان من الواضح أن النقطة التي ستشكل عامل الحسم في مسألة البيع أنه قابل للنقل، ومتين، لكن لم يكن هذا كل ما هنالك، فقد وصف مقارنة بمصابيح الكيروسين بأنه اقتصادي، ونظيف، ويعطي إضاءة أجود، وأسرع وأسهل في الاستخدام، كما أن ضوءه ثابت ولا يتأرجح أو ينطفئ بسبب الريح. وليست المواصفات السالف ذكرها هي كل مزايا المصباح، بل هناك الكثير من المزايا والتحسينات تم إدخالها عليه مع مرور الوقت، ويمكن الرجوع لمعرفة المزيد بزيارة موقع الشركة المنتجة. مصباح علاء الدين أصبح الحلم حقيقة، لكن القرى بعيدة عن المدن، وهذه مشكلة تتطلب حلولا مقترحة، ولم تقف الشركة المنتجة أو المنظمة الخدمية مغلولة الأيدي أمام حل معضلة "كيفية حصول المستخدم الفقير" على المصباح، فهو لن ينفق نقودا ليسافر للمدينة ليشتري المصباح. وتم وضع خطة أولية استهدفت إنشاء عدة منافذ بالقرب من محطات البنزين ومستودعات البطاريات، ولأن هذه الأماكن تقترب من المدن والقرى الكبيرة، وتبعد عن القرى الصغيرة، فقد تم الاتفاق مع الحكومة على إنشاء شبكات توزيع في القرى نفسها عبر بعض الموزعين المعتمدين، وأهم من ذلك تأهيل مندوبي مبيعات يمكنهم الوصول للقرى بشكل مباشر لتوصيل المصباح إلى القرويين. السوق التي تنتظر هذا المصباح الشمسي سوق واسعة، فكينيا وحدها قدرت إحدى الدراسات أن سوقها من المكن أن تبتلع 300 ألف مصباح كدفعة أولى. والقاعدة فيما يخص عمليات التصنيع: أنه كلما زادت معدلات الإنتاج قلت التكلفة الإجمالية للمنتج، وانخفض سعره، وبالتالي اتسعت رقعة السوق التي يمكن أن تستوعبه. وليست كينيا وحدها هي سوق ذلك المصباح، فأفريقيا التي تغمرها الشمس في الصباح يلفها الظلام وتغرق فيه بالليل تتلهف له، فضلا عن المناطق الشبيهة في آسيا وأمريكا الجنوبية، فقط أعط قرويا مصباحا يضيء ظلام الليل البهيم ويزيل عنه وحشته.. فإنك تعطيه حينئذ مصباح علاء الدين السحري