كنت على وشك الدخول فى نوبة تصفيق حاد وهتاف صارخ للدكتور محمد البرادعى، على تصريحاته الناصعة بشأن دعمه الكامل للمقاومة الفلسطينية وذهابه إلى أن عملية السلام ليست أكثر من نكتة سخيفة يتلهى بها العرب منذ عشرين عاما. ما إن قرأت هذا الكلام الرائع على لسان البرادعى نقلا عن موقع فلسطينى حتى داهمتنى حالة من الإحساس بالأسف والأسى لأننى أسأت الظن بالرجل وتجرأت يوما على طرح أسئلة عليه لاستجلاء موقفه من قضية الصراع العربى الإسرائيلى ورؤيته لقضية فلسطين، وهى الأسئلة التى غضب منى قراء وأصدقاء أعزاء لأننى طرحتها على الرجل. وقبل أن أبادر بالاعتذار باغتنى تكذيب مصادر فى حملة البرادعى لكل ما سبق جملة وتفصيلا، ووفقا لهذه المصادر والعهدة على زميلنا النشط أحمد فتحى فإن البرادعى لم يتحدث عن القضية الفلسطينية ولا عن المقاومة، ولا عن عملية السلام أو الجدار الفولازى، بل إنه لم يتحدث من الأصل مع مواقع فلسطينية وفقا لشقيقه على البرادعى الذى قال بوضوح وحسم: «الحوار مختلق». الغريب أن المنتديات الفلسطينية تفاعلت بشكل مذهل مع تصريحات البرادعى التى صنعت له شعبية هائلة خارج حدود مصر وأعطت حملته زخما كبيرا، حيث ذهب عدد كبير من المعلقين على كلامه إلى أن هذا الخطاب يضع الدكتور البرادعى مباشرة على رأس معسكر الممانعة العربية، بل إن الخيال شطح بأحدهم إلى القول إن «مصر مع البرادعى ستنضم لحلف تركيا إيران سوريا قطر وستكون أكبر ضربة لإسرائيل على حدودها. أتمنى له النجاح وأتمنى من شعب مصر أن يقف معه وألا يضيع هذه الفرصة فى هذا التوقيت». غير أن ما يلفت النظر أكثر هو هذا الحسم والإصرار من قبل حملة البرادعى على نفى وتكذيب ما ورد على لسانه وكأنه جاء بقول معيب أو صادم لمشاعر الجماهير لا سمح الله، على الرغم من أنه لو صدر هذا الحديث عن البرادعى لكانت جماهيريته قد بلغت عنان السماء، لأنه كان بذلك سيضع يده على العصب الحساس ويلمس وجدان الجماهير من الباب الكبير. وبالطبع لا أحد يقبل بتلفيق التصريحات على لسان المصادر، خاصة إذا كانت بقيمة وقامة الدكتور البرادعى، فالاختلاق بحد ذاته خطيئة مهنية، لكنى كنت أتمنى أن يقترن تكذيب جماعة البرادعى لإجراء الحوار من الأصل بالعروج على موقفه من القضية الفلسطينية والمقاومة، ولم يكن سيضيره شىء لو قال إنه مع المقاومة المشروعة وضد المفاوضات العبثية والجدار الفولازى، لكنه لم يدل بأحاديث صحفية مع الموقع الفلسطينى الذى نشر تصريحاته. باختصار وكما قال العرب الأولون: «أجمل الشعر أكذبه» ولم يكن البرادعى سيخسر شيئا لو أنه ترك قصيدته الكاذبة تنتشر بين الناس وتنعش أحلامهم. * نقلا عن جريدة الشروق المصرية عدد الخميس 15 ابريل 2010م http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=210628