خلال 14 يوما قضيتها بصحراء الجنوب، بين رمال و وحات تزخر بموروث فني وتنوع فلكلوري رائع، التقيت هناك نساء ورجالا وأطفالا ينتسبون لقبائل بنو حسان وأخرون لأمازيغ شمال أفريقيا يتحدثون اللغة الأمازيغية بالإضافة إلى لهجة أخرى غير الدارجة المغربية تسمى الحسانية وهي لهجة عربية من جنس الطوارقية، أحببت الجلوس معهم ولم أمل من محادثتهم صينية الشاي الصحراوي كانت تضفي على جلستنا طابع الحميمة الذي أفتقده كثيرا بقرى ومدن الشمال. تبدوا لزائر الصحراء منذ الوهلة الأولى مظاهر كثيرة للمدنية والعصرنة على جل المستويات المعمار الأزياء الخدمات و كذا المعاملات .... التي بدأت تنوب عن الثقافة التقليدية للخيمة و القبيلة، إلا أن معمري الصحراء الأصلين بقوا عبر زمن طويل محافظين ومتشبتين بقيم القبيلة من عادات وتقاليد وأعراف، ولعل مشروع الدولة الحديثة يعتبر مصطلحا جديدا بالنسبة لمعظمهم، لأنهم اعتادوا على مدى عقود من الزمن في حل نزاعاتهم والبث في قضاياهم لدى شريف القبيلة وكبيرها سنا الذي يصدقونه بولائهم وثقتهم، لذلك فعلاقتهم بالدولة المغربية وبقية أجهزتها تبقى دون مستوى التواصل أو التعاقد خصوصا مع حجم وطبيعة المقاربة الأمنية التي تنهجها مؤسساتها المخزنية والعسكرية منها بالمنطقة، الأمر الذي تعتبره منظمات حقوق الإنسان في تقاريرها تضييقا على الحريات المدنية للمواطنين وترد عليه السلطات بان طبيعة المنطقة كونها جد حساسة تتطلب مزيدا من الحيطة والحذر في التعامل مع مختلف حساسيات المجتمع الصحراوي. عبر المسافة الفاصلة بين الدارالبيضاء ومدينة ورزازات لم تعترض طريقنا أي دورية أمنية ولم يسألنا أحد عن وجهتنا أو طبيعة نشاطنا، الا عندما اجتزنا مدينة ورززات، الدوريات الأمنية التي كانت منعدمة بالشمال رحنا نصادفها بين كل فينة وأخرى بل و يزداد عددها كلما ابتعدنا عن أكادير جنوبا، ولعل الزائر الذي لم يتعود على مثل هاته البرتوكولات الأمنية لا يملك إلا أن يطرح أكثر من سؤال عن وضعية العيش والحريات بصفة عامة في ظل هكذا هاجس أمني وشبح استخباراتي. أثناء تواجدي بمدينة طاطا كنت رفقة مجموعة من الشباب أشاركهم نشاط كشفيا حيث قمنا بحمل أعلام وطنية مغربية تأهبا للشروع في استعراض كشفي بإحدى الساحات العمومية بالمدينة، لم تمضي سوى لحظات حتى التف حولنا مجموعة من الأطفال الصغار الذين كانوا يلعبون على مقربة منا قبل بدأ نشاطنا، فجأة يحدقون إلينا بعيون جاحظة ثيابهم رثه وبشرتهم تميل للون الأحمر نظرا لحرارة الشمس وعدم وجود مرافق خاصة بهم تأويهم أشعتها الحارقة، وهم يسألون بعضهم البعض في تعجب والحيرة بادية على وجوههم: هل هؤلاء مغاربة؟ ... لا أخيفكم مدى صدمتنا لحظتها فقد خلنا أنفسنا ببلد أخر غير المغرب، لولا أننا رحنا نبحث عن فرضيات أخرى... ربما أن الزي الكشفي هو السبب أو طبيعة المدينة السياحية التي تزورها جنسيات مختلفة... أو ربما شيء أخر... وراء تساؤلات هؤلاء الأطفال الأبرياء. على الطريق الفاصلة بين مدينة بوجدور والعيون قوافل كبرى من المدرعات والأسلحة يتم تنقيلها إلى وجهة ما بشكل يشبه معرض الأسلحة الذي يقام للاحتفال ببعض المناسبات الوطنية لدرجة ان الحافلة تضطر للتوقف وإخلاء الطريق أمام تلك الشاحنات العسكرية الضخمة، أما إذا كنت بمدينة الداخلة فلا داعي لإستعمال جرس المنبه كي تستيقظ باكرا فالطائرات الحربية تنوب عنه بامتياز بحيث يكون لزاما عليك الاستيقاظ المبكر بسبب الضجيج الناجم عن تحليق الطائرات الحربية على علو منخفض، نظرا لوجود احد أهم المطارات العسكرية بالمدينة. وأنت تتجول بمدينة العيون أو الداخلة لابد ان تمر بجانب فندق ما الجديد في الأمر هنا هو أن أول ما سيقع بصرك عليه هي سيارات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تقوم بجولات ميدانية في أزقة وأحياء المدن من اجل ضمان عدم وقوع انفلات أمني أو إطلاق نار من جهة معينة علاوة على إصدار تقارير في موضوع النزاع حول الصحراء وحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للمملكة.