بعد هذا الفساد والفسوق في دار الفتوى اللبنانية " أخالني أسمع الشيخ عبد الرحمن الكواكبي مستنكراً الحال التي تعيشها الأمة في لبنان بعد نيف ومئة عام من وفاته , مسترجعاً ما كتبه في" طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد" بالقول: ( إن جرثومة دائنا هي خروج ديننا عن كونه دين الفطرة والحكمة, دين النظام والنشاط, دين القرآن الصريح البيان, إلى صيغة أنا جعلناه دين الخيال والخبال, دين الخلل والتشويش, دين البدع والتشديد, دين الإجهاد...) وهكذا اصبحنا واعتقادنا مشوش وفكرنا مشوش وسياستنا مشوشة ومعيشتنا مشوشة فإين منا والحالة هذه الحياة الفكرية, الحياة العملية, الحياة العائلية, الحياة الإجتماعية, الحياة السياسية". وننضم إليه لنقول: " ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس ويرفعون الالتباس ويفكرون بحزم ويعملون بعزم ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون". هذا كالشيخ حسون مفتي سوريا, لا مفتينا الفاسد قباني وابنه الفاسق القباني الصغير. وبالأخص حين يدعى ليكون الضيف العظيم في عشاء إتحاد جمعيات العائلات البيروتية ونفسه ملوثة بالفضائح فلا يلتفت إليه أحد, أو عندما يدعى ليقيم ذكرى المولد النبيوي الشريف في أحد المساجد ويلوثه بوجوده ويحد من حضور المؤمنين. لذا ندعوا لإبعاده بأي طريقة كانت والعمل على إعادة تنظيم دار الفتوى وانتقاء مفتي كمفتي سوريا الشيخ حسون. ارتبط اسم المفتي حسون منذ شبابه ودراسته الفقهية بعقلية دينية منفتحة ومعتدلة كانت قد فقدت بريقها منذ أفول عصر النهضة وحلول المدارس التشديدية والتكفيرية التي ساهمت أموال قادمة من خارج الحدود الوطنية في إذكائها وفي تاسيس مدارس ومساجد مرتبطة بها بشكل مباشر أحياناً وباشكال متحايلة أحياناً أخرى. وقد أثر هذا التيار الأصولي على الممارسات الثقافية والإجتماعية في البلدان العربية وأنتج "ثقافة" فقدت عناصر الإبداع طريقها إليها, وقد همشت هي بالمقابل كل محاولة فكرية دينية كانت أم علمانية اجتهدت في مجال ثقافي أو علمي أو فكري ما. أما الشيخ أحمد حسون, فقد حاول واجتهد في خطابه الديني والدنيوي متوجها إلى العامة بكلام سهل ومنفتح وإلى الخاصة بفكر تنويري يقدم من خلاله مشروعاً نهضوياً جديداً مستنداً إلى المواطنة التي اعتبرها الأساس في بناء الوطن ومبتعداً عن التمذهب الذي انتشر في كل المحافل, وقد سبق وأن تم انتقاده بشدة لانفتاحه على الطوائف المسيحية ومشاركته الدائمة لها في أفراحها وفي أتراحها. ليس بروتوكولياً فحسب, ولكن من خلال مداخلاته الفكرية التي دعا من خلالها إلى الإنتماء إلى الدين الواحد ذي الشرائع المختلفة. يهودية ومسيحية ومسلمة. ويشهد له أنه أشار وبصريح العبارة, إلى تهافت من يقول بأن جرائم الشرف التي يقترفها قتلة مجرمون هي من الدين في شيء ودعا إلى أن تكون عقوبة مقترفيها أشد وأقسى من عقوبة القاتل " العادي", فلقد عبر عن عدم وجود أية حجة دينية خلف التحفظات السورية على اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ونذكر حضوره مداخلاته في محاضرات بعض المتنورين وصعوده في نهايتها إلى المنصة مستبقاً ما كان الرعاع ما قد أعدوا له وتلى مداخلة ذات أبعاد فلسفية ودينية وفكرية وإنسانية من مستوى رفيع, مما اسكت من هم بالدين جاهلون*. ولم يكل المفتي في دعوته إلى فصل الدين عن الدولة مسترشداً بموقف الإمام الكواكبي في نهاية القرن التاسع عشر حين قال: " يجب على الخاصة منا أن يعلموا العامة التمييز بين الدين والدولة, لأن هذا التمييز أصبح من أعظم مقتضيات الزمان والمكان اللذين نحن فيهما. فإذا لم يدرك عامتنا كان الخطر محيطاً أبداً بخاصتنا, لأن الغرض المقصود من الدولة والغاية التي تسعى الدولة إليها في زماننا هذا هي غاية دنيوية محضة, وأعني بها تأمين الناس على أرواحهم وأغراضهم وأموالهم, وسن الشرائع العادلة لهم وأنفاذها فيهم. وأما الدين فالغاية المقصودة منه واحدة على اختلاف الزمان والمكان وهي صلاح في هذه الدنيا حتى يدخلوا جنات النعيم في الآخرة". فأين نحن من مفتي جديد كالشيخ أحمد حسون؟ علماً أن البلد لا تخلو من خيرة الشيوخ. الدكتور محمد أنيس النصولي عن مقال كتب عن المفتي أحمد حسون بيروت في 17/1/2010 *محاضرة المفكر الإسلامي المتنور محمد أركون.