قام مجموعة من الباحثين الأجانب بمقاربة أنثروبولوجية لطقس عاشوراء الإسلامي الشعبي، فصنفوه من ضمن بقايا وثنية يعتقد أنها لازالت ترتع على قيد الحياة في الساحة الثقافية بالمغرب، وقدموا أطروحة تقليدية مفادها أن يوم عاشوراء هو عرس إسلامي أدرج من قبل الأمازيغ باعتبارهم السكان الأصليين عند أسلمتهم في وقت مبكر، ليحل محل الممارسة القديمة التي تحتفل بدفن إله البذور/ النباتات وبعثه من جديد عند انتهاء كل دورة فلاحية سنوية. ويدحض فيستمارك أطروحة الدفن الإلهي البدائية، على أساس أنه لا توجد آثار تدل على تقديم قرابين من أجل إله النباتات قبل مجيء الإسلام، هذا بالرغم من أن فيستمارك دام وفيا لنظرية البقايا الوثنية التي تعتبر عاشوراء بديلا حل محل “العنصرة البربرية”، والتي استخدمها الأمازيغ للاحتفال بنهاية موسم الحصاد الزراعي. وبشكل عام، تمت مقاربة طقس عاشوراء انثروبولوجيا في نطاق كلتا النظريتين الشمسية و التطهيرية اللتين قدمهما كل من فريزر و فيستمارك على التوالي، لكن هذا النقاش الأنثروبولوجي الآن يبدو متجاوزا، و حبيس النماذج النظرية التطورية التي أنتجته في ذلك العهد. يعتبر طقس عاشوراء من منظور ثقافي متعدد التخصصات ممارسة ثقافية من اجل الاستمرار على قيد الحياة، إذ يوفر “مساحة طقوسية حرة “للأعضاء الاجتماعيين الإناث، وذلك لأداء سخطهم وممارسة سلطتهم في عالم الذكور، وهذه موارد ثقافية عضوية تستفيد منها الإناث لإقامة لحظة احتفالية كرنفالية تقلب من خلالها هيمنة الرجل. إن طقوس عاشوراء توضح لنا كيف تبرز الأنا الظاهراتية الأنثوية، ويعاد بنائها طقوسيا بشكل مستمر عبر ممارستها لطقوس السحر، ومشاركتها في تجمعات احتفالية في الهواء الطلق، مرددة أغاني تتحدى بها السلطة الأبيسية. إن الصورة الإثنوغرافية لعاشوراء ترسم لنا كيف أن الطقوس الثقافية الدينية، قد تلعب دور إقامة الهيمنة الثقافية وإدامتها، وتحيل إلى مكانة بارزة الجانب الكرنفالي لطقس عاشوراء، إذ تعدوا السلطة الثقافية للذكور محط سخرية، وتسحق في لحظة طقوسية بهيجة تحتفل بنشوتها الإناث، و تصبح منفذا طقوسيا يسمح للسلطة الثقافية الذكورية بتجديد نير هيمنتها على المرأة في الظروف الاجتماعية العادية القائمة. إنه الكرنفال، وهو شكل من أشكال الرقابة الاجتماعية على الجماهير الرابضة في أسفل الهرم الاجتماعي، من قبل السلطة الحاكمة، ويخدم مصالح الثقافة الرسمية التي يبدو أنه يعارضها في العلن؛ وكما لاحظت أوليفيا في إحدى مسرحيات شكسبير “ليس هناك قذف في كلام المهرج .” إذن، فالهيمنة تسمح بالقلب الطقوسي الموسمي للتسلسلات الهرمية، وبعثرة المراتب الاجتماعية، إذ تعتبر صمام أمان يثبت الوضع القائم، ويجدد النظام دون تغييره. تبدو عاشوراء في الواقع كسيف ذو حدين، فمن منطلق الموارد الثقافية المنبثقة عن أسفل الهرم الاجتماعي، يتضح طقس عاشوراء كشكل من أشكال المقاومة الثقافية، لكن من منظور الثقافة السائدة، يبدو وكأنه طقس مرخص له، وبالتالي يعكس قوة المؤسسة الثقافية التي تحتويه، وبعبارة أخرى، فإن المقاومة الثقافية تلف في دوامة من العلاقات السلطوية الثابتة تدير رحاها المؤسسة الثقافية المهيمنة، وبالتالي، فثورة الذات الاجتماعية الأنثوية المقاومة، قد تسقط في مواجهة دروع المؤسسات الثقافية والسياسية السائدة، وتتقلص وتنكمش على نفسها بعودتها إلى وضعها الطبيعي /الاجتماعي التبعي السابق. سنتطرق هنا لأهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال إجرائنا لبحوث ميدانية في هذا الصدد، و تنطرح ثلاث نقط رئيسية (لعلاج كامل لموضوع طقوس عاشوراء، راجع معروف، 2009): أولا، هناك الخطاب التحرري للإناث، و يتمثل في شكل أغاني تهتف بها النساء في الهواء الطلق ليلة عاشوراء، و يمكن تسمية هذه الأغاني “بالأغاني التحررية للإناث”، إذ تهتف الإناث بهذه الأغاني جماعيا في الهواء الطلق، متحدية السلطة الأبوية، وساخرة من سيطرة الذكور، وكمثال على ذلك، يتجسد تحرير المرأة في الهتاف التوراتي الذي تردده النساء في كل مكان عبر سهول عبدة، و دكالة والشاوية، فتقول: ” بابا عايشور ما علينا بحكام الالا/ عيد الميلاد بحكام الرجال الالا”. تؤكد الأغنية على أن بعض الاحتفالات الدينية، مثل الاحتفال بالمولد النبوي، يمكن أداؤه بقيادة الذكور، لكن عاشوراء، هي مناسبة للنساء للاحتفال بأنوثتهن. و ضمن هذه الأغاني الجماعية في الهواء الطلق، تهلل النساء أيضا لبراعتهن في الجهاد ضد المستعمر، وتتغنى بحمل السلاح و قطع المسافات الطويلة لرفع المظالم وقهر الطغيان، حتى لو كانت الدعوة للقتال، كما تشير إلى ذلك الاستعارة المستعملة في أحد الأبيات، تصل من حمار يحتضر في أرض نائية (صرخ حمار أبيض في الصحراء/ فرفعت فتيات المدينة البنادق / وا شك حمار بيض في الساحل / وبنات المدينة هزو لمكحال). إن هذه الأغاني تذكر الأذهان بأغاني الكراهية التي تحدث عنها كلاكمان في دراسته الإثنوغرافية لمجتمع سوازيلاند حول الإهانة الطقوسية للملك (1985 51-2)، فالمقصود بهذه الطقوس هو تعزيز مشاعر الولاء للملك، خصوصا بين الخونة المحتملين، إذ تشبه طقوس الكرنفال الذي يتم من خلاله تفريغ الاستياء القوي ضد السلطة، فقد يبدي الخونة المحتملون مشاعر قوية بالذنب وخذلان الثقة، حين يقفون وجها لوجه مع الرعايا المخلصين للملك. في نفس السياق، تجوب الإناث وقت عاشوراء فضاءات الهواء الطلق في مسيرات لقلب التراتبيات الاجتماعية الجندرية المعمول بها، و تهدد المكتسبات الذكورية، وتفجر الذات النسائية في البذاءات، مما قد يؤدي إلى امتصاص رواسب التوتر والغضب والعدائية التي تعانيها النساء طيلة السنة من الميز الجندري، وبالتالي تعزز الوضع الاجتماعي الهرمي الراهن، حينما تنتهي الطقوس، وتعود العلاقات الاجتماعية إلى تسلسلاتها الهرمية المعتادة. و تهدف أيضا أغاني التحرر التي تنشدها الإناث إلى إسقاط مشاعر العدوان على مشاجب الغير، وتمثل عدو خارجي غريب عن العشيرة، والمقصود هو تعزيز مشاعر الانتماء للقبيلة، ودعم الهوية الاجتماعية المحلية، ونسرد أمثلة من هذه الأغاني على النحو التالي: “لعبوا معانا لعبوا معاكم/ فيكم الشيكي والشيكي عراكم …تعمي عين لعدو لما يبغينا….وا دوارنا غالطبلة والكاس / وا دواركم غالبالة والفاس…. شجرتنا عامرة ورد يالالا / لما يبغينا يعطيه المرض يالالا…واريفنا غمجدول الحرير/ واريفكم غفراقش الحمير”. إذن، مرة واحدة في السنة، ترى النساء أنفسهن مأذونة بانتهاك قواعد السلطة الأبوية، عن طريق قلب أدوار الهيمنة البطريقية، وتمثيل دراما الصراع الجندري، هكذا فإن طقوس عاشوراء، عكس الأثر المتوقع، تضيف قوة إلى التماسك الاجتماعي الهرمي، وبصيغة أخرى، فإن الرجال والنساء الذين يطيعون التقاليد الراسخة يخضعون لطقوس يأمل المجتمع أن يستخلص منها ازدهارا ووئاما.
و تظهر النقطة الثانية في وجود طقوس التطهير، إذ هناك أمثلة كثيرة من الطقوس التطهيرية تم جمعها من مجتمع الدراسة، لكن سنذكر مثالا واحدا لسبب ضيق المساحة. إن يوم عاشوراء هو يوم مقدس تجتمع فيه الفتيات بمنطقة دكالة في مواعيد محددة، وتجوف الثمر وتملئها ببقايا الشعر، ثم تسرن في مواكب جماعية، تغنين وترقصن على نغمات الدرامز (الطعارج) والدفوف (البنادر) بنية دفن بابا عايشور، وتذهبن إلى بئر عميق مهجور، فتطفن به وترمين بالثمر، وبالتالي تخلصن أنفسهن من عاتق الضفائر القديمة. إن البئر رمز للماء المقدس، ويروي مصطفى واعراب (2003) بأن الناس يعتقدون أن كل الآبار والينابيع في يوم عاشوراء تتدفق من البئر المكية زمزم، و تتجه النساء قبل الفجر نحو الآبار للحصول على المياه ورشها على بعضهن البعض في طقوس تطهيرية يطلق عليها اسم البئر المقدسة زمزم، و لا داعي أن نذكر في هذا الصدد، الاستحمام الاحتفالي في الأنهار والبحار يوم عاشوراء (انظر فيستمارك،1905 ). وفي قرى أخرى، يسود اعتقاد على انه يجب على الفتيات دفن الثمر تحت الأرض في مناطق خالية منسية، حتى لا يتخطاها الناس ويصابون بالأذى من جراء ذلك، و في بعض الأحيان، تأخذ الفتيات معها الخرق أو قطعا من الثياب الداخلية، أو بقايا من الشعر المتساقط (مشاكة)، أو بقايا أظافر، كلها قطع وأجزاء تنتمي إلى أمهاتهن أو أفراد آخرين من أسرهن، لرميها في بئر عميق. وتعتبر هذه الممتلكات بمثابة التابعة أو القرينة، أي بقايا الجن المطارد الذي يحرص على إثقال كاهل طريق الشخص المستهدف بالعوائق والموانع؛ هذا نموذج من ممارسة السحر المعدي، إذ أن هناك تطابق ملازم من المفترض أن يحصل، على سبيل المثال، بين الشخص المستهدف والأجزاء التي قطعت من شعره، بحيث أن ما يحدث للجزء يفترض أن يحدث للكل، أي للجسد بالكامل. إن دفن الشعر في ثمار جوفاء هو إيماءة رمزية للنمو والخصوبة، لكن هذه الإيماءة أيضا تعيد إنتاج عملية دفن السنة بمخلفاتها، إذ أن الفتيات تدفن بقايا الشعر القديم مع السنة القديمة، وتتمنى خصلات جديدة مع السنة الجديدة. ويمكن تفسير هذا العمل من السحر المعدي أيضا في الإطار الثقافي الذي تحكمه علاقات القوة بين الجنسين، إذ أن الفتيات وأمهاتهن تسن طقوسا احتفالية للحفاظ على رأسمالهن الجندري، والذي ترى فيه هؤلاء أنه ضمان لأهميتهن في عالم الذكور. وتظهر هذه الطقوس جليا أهمية “حملقة الذكور” في المخيلة الشعبية للإناث، فعلى الرغم من أن الاحتفال أنثوي، ويقدم للإناث مساحة من الحرية وتحديا لسلطة الرجل، لكن يبدو أن النساء تعشن تجربتهن الذاتية في إطار علاقاتهن بالذكور وشروطهم. وباختصار، تبدو هذه الطقوس “اندروتسينتريكية”، تهيمن عليها وجهة نظر الذكور ومصالحهم، حيث يحتلون من خلالها مركز جذب الإناث، وحينما تدفن الفتيات بابا عايشور، فإنها تدفن الحظوظ العاثرة، وترغب في المزيد من جمال الشعر، و انجذاب ذكوري أكثر، كما تتطلعن إلى المزيد من الأهمية للذات الأنثوية في عالم يحكمه البطريق. وتتجلى النقطة الثالثة في الممارسة النسائية للسحر أثناء عاشوراء، فهي مناسبة طقوسية لممارسة السحر من قبل النساء قصد تأمين وضعهن الاجتماعي داخل الأسرة الأبيسية، و يمكن للمرأة أن تتشاور مع العرافين والسحرة، وتبحث عن وصفات سحرية لضمان استمرار سلطتهن المنزلية والتعلق العاطفي للذكور بهن، فهناك نساء تستشرن السحرة أو تعملن شخصيا في تخمير خلطات سحرية من أجل حرقها أثناء نيران عاشوراء (الشعالة) . وهناك من النساء من يشعرن بالقلق من التعرض للأذى من قبل الأعمال الحاقدة ليلة عاشوراء، فيعمدن لشراء البخور و تطييب الأمكنة لتجنب تأثير الشر الذي قد تسببه الأرواح الشريرة، كما يمكن استخدام الخلطات السحرية لإلحاق الضرر بالأعداء، أو جذب الناس العزيزة على القلب. إن هذا الاهتمام المتجدد بالممارسات السحرية خلال عاشوراء يدل على أن الأعضاء الاجتماعيين على بينة من التحول السنوي (نهاية السنة) وقدسيته، حيث يقومون بالأفعال السحرية أو إبطالها خلال هذه المناسبة، لأنه كما ورد في معظم المقابلات، يستخدم السحر أو يجدد خلال عاشوراء نظرا لإمكانية استمراره لمدة عام كامل، من “عايشور” حتى “عايشور” المقبل. تعتبر نار عاشوراء (الشعالة) أكثر ملائمة بالنسبة للنساء اللواتي تؤمن بالتحرر السحري، إذ تقرر حرق الخلطات السحرية أثناء اشتعال نيران عاشوراء بفتيل الشبان الذكور في الشوارع، في ظل وجود الفتيات، و البالغين من الجنسين، والأطفال الصغار. و عندما تشتد الحرائق، يبدأ الأولاد الطواف والقفز فوق النيران، وتقف الفتيات على مقربة منهم تغني ما يصطلح عليه المغاربة “أغاني بابا عايشور”. و عند هذه النقطة في الزمان والمكان، يمكن للمرء أن يلاحظ نساء تتربصن بلهيب النار، وتلقين بسحرهن في أتون عاشوراء، تحت صيحات الأطفال، أما أولئك النسوة اللائي لا ترغبن في تعريض أنفسهن للقيل والقال، أو أن تصبحن محط الأنظار، قد تقدمن المكونات السحرية في خلسة للأطفال على شكل أفرشة قديمة محشوة بخلطات سحرية لحرقها في النار، وببراءة ساذجة، يقوم هؤلاء الأطفال بسحب الأجزاء والقطع بسعادة إلى نار عاشوراء، دون علمهم بأن الهدية قد تم ملئها بالمكونات السحرية . و هناك نساء يفضلن حرق الخلطات السحرية في الداخل باستخدام مجامر صغيرة، بدلا من إلقائها في نيران الهواء الطلق، عذرهن في ذلك، هو أنهن لا يردن الأولاد والبنات الذين يلعبون في الخارج أن يتخطوا السحر، إذ في اعتقادهن أن هذا السحر قد يؤذيهم. و في البادية، تقوم بعض النساء بغزل الصوف أمام النار في الهواء الطلق لإنتاج السحر، إذ يعتقد أن النساء إذا فتلت خيوطا بالمغزل من ألياف الصوف المخزنة من أضحية العيد أمام النار يوم عاشوراء، فحسن الطالع سيوجه اليد التي تقبض الخيوط المغزولة، فالمرأة مجهزة بفلكة و مغزل تفتل بهما خيوطا أطول من ارتفاع قامتها، كما تقطع الخيوط إلى أجزاء صغيرة، ومن ثم تعطى للفتيات البالغات، وكذلك للأشخاص الذين يرغبون في بيع ماشيتهم في الأسواق الأسبوعية، حيث يعتقد أن السعد سيكون بجانبهم. إن ليلة عاشوراء في الواقع تحول الأحياء إلى فضاءات متنوعة من العطور، من فاسوخ أسود، و شب، و جاوي، وعود البخور، و يعتقد البعض أن تبخير الأماكن قد يحصنها ضد نفوذ الشر، ويرى آخرون أن الخلطات السحرية، إذا أحرقت خلال مراسم عاشوراء، فبلا شك ستفتن الشخص المستهدف. لذا تعتبر عاشوراء مناسبة مثالية للمرأة لممارسة قوتها السحرية، وبما أنها تعيش في عالم اجتماعي موجه من قبل الذكور، تعتقد فيه جل النساء أن السلطة الذكورية و صلاحيات الرجال هي طبيعية متأصلة في رجولتهم، فالنساء المتزوجات، وخاصة غير المتعلمات اللواتي تنتمين إلى الطبقات الاجتماعية السفلى، تستمد عادة قوتهن من رأس مال جندري يعتمد على نشاط الجسد الأنثوي وجاذبيته الجنسية، و كذلك على رغبة الرجل فيه. في الواقع، إن الجاذبية الجنسية، والمهارات المنزلية، و مهارات تربية الأطفال، تشكل رأس مال جند ري مهم بالنسبة للمرأة داخل حياتها الأسرية، لكن ولوجها إلى مصادر أخرى للقوة يظل شبه منعدم تقريبا، وبالتالي، فإنها تخطط وتمارس السحر باستخدام كل الوسائل المتاحة في الواقع من أجل التأثير على الزوج. ويعزز طقوسيا هذا النفوذ المنزلي، أو”القوة النسوية غير المعلنة” بسبل تفريغ تسكينية مقبولة اجتماعيا، مثل مراسم الزواج و كرنفالات الأعياد، وعاشوراء، و عمليات طرد الجن والحضرة، و طقوس سحرية أخرى. وخلاصة القول، يبدو أن سلطة الرجل تسمح لنفسها بأن تنتهك طقوسيا من أجل إحكام قبضتها على النساء في مجرى الحياة الاجتماعية العادية. يتم تنفيذ كرنفالات عاشوراء بشكل رئيسي من قبل أعضاء اجتماعيين إناث ينحدرن من البادية، وكذلك من قبل أولئك اللائي ينتمين إلى طبقات اجتماعية فقيرة غير متعلمة في المناطق الحضرية، أما تلك النساء المتعلمات من المناطق الحضرية، والطبقة الاجتماعية الوسطى، ناهيك عن النساء المنتميات إلى الطبقات الغنية، واللواتي هن في صعود نحو مراكز السلطة في القطاعين العام والخاص، وكسبن المزيد من الحرية في المجال العام، يظهرن تحديا كبيرا لهذه الأشكال الثقافية التقليدية في المجتمع، ولن يقبلن بأي حال من الأحوال النزول إلى الشوارع ليسجلن حضورهن في مسيرات طقوس عاشوراء، و اللعب على الطبول المستديرة للتعبير عن حريتهن الأنثوية. و تدين بعض المستجوبات الملتزمات ممارسات عاشوراء في الهواء الطلق، بوصفها بدعا شعبية، ومع ذلك لا تشككن في شرعية سلطة الذكور عليهن، لأنها في نظرهن سلطة مرسومة وصادرة عن التقليد الإسلامي. هنا، لا نريد أن ينتهي تحليلينا لطقوس عاشوراء على نغمة متشائمة، فالممارسات الطقوسية التي تمت دراستها تبين لنا أنها لا تهدد إعادة إنتاج الذات الأنثوية المنصاعة في المجتمع واستمرارية خنوعها ، كما أنها لا تهدد عدم المساواة الاجتماعية للعلاقة بين الجنسين، و تتشكل تاريخيا بهويات اجتماعية شتى مع تقلبات الهيمنة، ومع ذلك، يمكن أن نجادل انه إذا تمكنت النساء من أن تمارس الخطاب التحرري خارج العملية الطقوسية المصرحة وقت عاشوراء من قبل الموروث الشعبي، و إذا صارت النساء على علم بقدراتها، كما هو الحال الآن بالنسبة لتزايد النشاط الجمعوي النسوي، كل هذا قد يمهد الطريق أمام الأنا الظاهراتية السياسية النسائية. إن بذور مكافحة الهيمنة في طقوس عاشوراء والحضرة وطرد الجن لازالت سائدة إلى الآن، والمرأة الخاضعة التي لا تستطيع الهرب من وضعها الاجتماعي، يمكنها على الأقل أن تهرب من التقاليد والمواثيق المرتبطة بهذه الطقوس، حيث أنها تشعر بالحرية بطريقة أو بأخرى على المستوى الرمزي، و قد تخرق وتتجاوز الحدود بشكل شائن، وتتخلص من القيود الاجتماعية ولو على الأقل لفترة وجيزة، بالطبع هذا يمكن اعتباره `حيلة من حيل الحكم`، أي بمثابة ترخيص من الأعلى نحو الأسفل للتحدي الطقوسي، يهب فوهة بخار، أو مجرى عقائدي يمتص التوترات الاجتماعية والنوازع العدوانية التي تتراكم من جراء العلاقات الاجتماعية اللا متماثلة بين الجنسين، لكن تظل هذه المعاني المكافحة للهيمنة والتصرفات الكامنة بوصفها بديلا متاحا أمام المرأة للاستخدامات المستقبلية، ويمكن أن تثار مع أكثر احتمال لقلب الأوضاع والبنى الاجتماعية القائمة، خاصة إذا تحولت إلى مرفقات ثقافية في ظل ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية مواتية جديدة. د.محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي – الجديدة